44 - (وإنه لذكر) لشرف (لك ولقومك) لنزوله بلغتهم (وسوف تسألون) عن القيام بحقه
وقوله : " وإنه لذكر لك ولقومك " يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش " وسوف تسألون " يقول : وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " وإنه لذكر لك ولقومك " قال : يقول للرجل : من أنت ؟ فيقول : من العرب ، فيقال : من أي العرب ؟ فيقول : من قريش .
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة " وإنه لذكر لك ولقومك " وهو هذا القرآن .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا اسباط ، عن السدي " وإنه لذكر لك ولقومك " قال : شرف لك ولقومك ، يعني القرآن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وإنه لذكر لك ولقومك " قال : أو لم تكن النبوة والقرآن الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ذكراً له ولقومه .
قوله تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك " يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم ، نظيره : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم " [ الأنبياء : 10 ] ، أي شرفكم ، فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب ، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالاً عليهم ، لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عني به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء ، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربياً ، وقيل : بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة ، وقيل : تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به ، وقيل : (( وإنه لذكر لك ولقومك )) يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم ، " قال النبي صلى الله عليه وسلم : الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم " ، وقال مالك : هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه ، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي و الثعلبي وغيرهما ، قال ابن العربي : ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون : حدثني أبي قال حدثني أبي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك شرفت أقدارهم ، وعظم الناس شأنهم ، وتهممت الخلافة بهم ، ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي ، وكانا يقولان : سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمت سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال : الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ، والقائل سمعت علياً : أكينة بن عبد الله جدهم الأعلى ، والأقوى أن يكون المراد بقوله : " وإنه لذكر لك ولقومك " يعني القرآن ، فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير ، والله أعلم ، قال الماوردي : (( ولقومك )) فيهم قولان : أحدهما من اتبعك من أمتك ، قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن الثاني لقومك من قريش ، فيقال ممن هذا ؟ فيقال من العرب ، فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش ، قاله مجاهد .
قلت : والصحيح أنه شرف لمن عمل به ، كان من قريش أو من غيرهم ، " روى ابن عباس قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال : يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً " ، وقال مثل ذلك لنسوته ، وقال مثل ذلك لعترته ، ثم " قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ما بنوا هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الموالي بأول الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى " ، وعن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكون شراً عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب ، إن الله أذهب عنك عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء الناس مؤمن تقي وفاجر شقي "، خرجهما الطبري ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى : " وسوف تسألون " أي عن الشكر عليه ، قاله مقاتل و الفراء : وقال ابن جريج : أي تسألون أنت ومن معك على ما أتاك ، وقيل : تسألون عما عملتم فيه ، والمعنى متقارب .
يقول تعالى: "ومن يعش" أي يتعامى ويتغافل ويعرض "عن ذكر الرحمن" والعشا في العين ضعف بصرها, والمراد ههنا عشا البصيرة "نقيض له شيطاناً فهو له قرين" كقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الاية, وكقوله: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وكقوله جل جلاله: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" الاية, ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا: "وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا" أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به "قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءنا " يعني القرين والمقارن. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار, فذلك حين يقول "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال: القمران والعمران والأبوان, قاله ابن جرير وغيره.
ثم قال تعالى: "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته: "أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين" أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك ثم قال تعالى: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت "أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون" أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم, وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر قال: تلا قتادة "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" فقال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة, ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل, وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه, ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً, وفي الحديث "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" ثم قال عز وجل "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم" أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك, فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم.
ثم قال جل جلاله: "وإنه لذكر لك ولقومك" قيل معناه لشرف لك ولقومك, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد, واختاره ابن جرير ولم يحك سواه وأورد البغوي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم, فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه, وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم, وقيل معناه "وإنه لذكر لك ولقومك" أي لتذكير لك ولقومك, وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم, كقوله تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون" وكقوله تبارك وتعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "وسوف تسألون" أي عن هذا القرآن, وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له.
وقوله سبحانه وتعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له, ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد, كقوله جلت عظمته: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه, وهذا كأنه تفسير لا تلاوة, والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء, فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له, واختار ابن جرير الأول, والله أعلم.
44- "وإنه لذكر لك ولقومك" أي وإن القرآن لشرف لك ولقومك من قريش إذ نزل عليك وأنت منهم بلغتك ولغتهم ومثله قوله: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم" وقيل بيان لك ولأمتك فيما لكم إليه حاجة، وقيل تذكرة تذكرون بها أمر الدين وتعلمون به "وسوف تسألون" عما جعله الله لكم من الشرف، كذا قال الزجاج والكلبي وغيرهما. وقيل يسألون عما يلزمهم من القيام به فيه والعمل به.
44. " وإنه "، يعني القرآن، " لذكر لك "، لشرف لك، " ولقومك "، من قريش، نظيره: " لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم " (الأنبياء-10)، أي شرفكم، " وسوف تسألون "، عن حقه وأداء شكره، وروى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا؟ قال: لقريش.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد ، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ".
وقال مجاهد : القوم هم العرب، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب، حتى يكون [الأكثر لقريش ولبني هاشم.
وقيل: ((ذكر الله)): شرف لك بما أعطاك من الحكمة، ((ولقومك)) المؤمنين بما هداهم] الله به، ((وسوف تسئلون)) عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه.
44-" وإنه لذكر لك " لشرف لك . " ولقومك وسوف تسألون " أي عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقة .
44. And lo! it is in truth a Reminder for thee and for thy folk; and ye will be questioned.
44 - The (Quran) is indeed the Message, for thee and for thy people; and soon shall ye (all) be brought to account.