43 - (إذ يريكهم الله في منامك) أي نومك (قليلاً) فأخبرت به أصحابك فسروا (ولو أراكهم كثيراً لفشلتم) اختلفتم (ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلَّمــكم) من الفشل والتنازع (إنه عليم بذات الصدور) بما في القلوب
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم: " في منامك قليلا "، يقول: يريكهم في نومك قليلاً، فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيراً، لفشل أصحابك فجبنوا وخاموا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا في ذلك، ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تجنه الصدور، لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب.
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: " إذ يريكهم الله في منامك قليلا "، أي: في عينك التي تنام بها، فصير ((المنام))، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلاً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا "، قال: أراه الله إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتاً لهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.
... وقال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا "، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكف بها عنهم ما تخوف عليهم من ضعفهم، لعلمه بما فيهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " ولكن الله سلم ".
فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ولكن الله سلم "، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة : " ولكن الله سلم "، قال: سلم أمره فيهم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القوم - بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه - من الفشل والتنازع، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم. وذلك أن قوله: " ولكن الله سلم "، عقيب قوله: " ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر "، فالذي هو أولى بالخبر عنه أنه سلمهم منه جل ثناؤه، ما كان مخوفاً منه لو لم ير نبيه صلى الله عليه وسلم من قلة القوم في منامه.
قال مجاهد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه قليلاً، فقص على أصحابه، فثبتهم الله بذلك. وقيل: عنى بالمنام محل النوم وهو العين، أي في موضع منامك، فحذف، عن الحسن. قال الزجاج: وهذا مذهب حسن. ولكن الأولى أسوغ في العربية، لأنه قد جاء "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم" فدل بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم. ومعنى "لفشلتم" لجبتم عن الحرب. "ولتنازعتم في الأمر" اختلفتم. "ولكن الله سلم" أي سلمكم من المخالفة. ابن عباس: من الفشل. ويحتمل منهما. وقيل: سلم أي أتم أمر المسلمين بالظفر.
قال مجاهد: أراهم الله إياه في منامه قليلاً, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك, فكان تثبيتاً لهم, وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد, وحكى ابن جرير عن بعضهم, أنه رآهم بعينه التي ينام بها, وقد روى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا أبو قتيبة, عن سهل السراج عن الحسن في قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلاً" قال بعينك, وهذا القول غريب, وقد صرح بالمنام ههنا, فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه, وقوله: "ولو أراكهم كثيراً لفشلتم" أي لجبنتم عنهم, واختلفتم فيما بينكم, "ولكن الله سلم" أي من ذلك, بأن أراكهم قليلاً "إنه عليم بذات الصدور" أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء, "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وقوله: "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً" وهذا أيضاً من لطفه تعالى بهم, إذ أراهم إياهم قليلاً في رأي العين, فيجرؤهم عليهم ويطمعهم فيهم, قال أبو إسحاق السبيعي: عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر, حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين ؟ قال: لا بل هم مائة, حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه, فقال: كنا ألفاً, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقوله: "ويقللكم في أعينهم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, عن الزبير بن الحارث عن عكرمة "وإذ يريكموهم إذ التقيتم" الاية, قال: حضض بعضهم على بعض, إسناد صحيح, وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه في قوله تعالى: "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" أي ليلقي بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته, ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلاً من الفريقين بالاخر, وقلله في عينه ليطمع فيه, وذلك عند المواجهة , فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين, بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه, كما قال تعالى: "قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" وهذا هو الجمع بين هاتين الايتين, فإن كلاً منهما حق وصدق, ولله الحمد والمنة .
إذ منصوب بفعل مقدر: أي اذكر أو هو بدل ثان من يوم الفرقان. والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في منامه قليلاً فقص ذلك على أصحابه، فكان ذلك سبباً لثباتهم، ولو رآهم في منامه كثيراً لفشلوا وجبنوا عن قتالهم وتنازعوا في الأمر هل يلاقونهم أم لا؟ 43- "ولكن الله سلم" أي سلمهم وعصمهم من الفشل والتنازع فقللهم في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقيل: عني بالمنام محل النوم، وهو العين: أي في موضع منامك وهو عينك، روي ذلك عن الحسن. قال الزجاج: هذا مذهب حسن ولكن الأول أسوغ في العربية لقوله: " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم " فدل بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم.
43 - قوله تعالى : " إذ يريكهم الله " يريك يا محمد المشركين ، " في منامك " ، أي : نومك . وقال الحسن : في منامك أي في عينك ، لأن العين موضع النوم ، " قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم " ، لجبنتم " ولتنازعتم " ، أي : اختلفتم " في الأمر " ، أي : في الأحجام والإقدام ، " ولكن الله سلم " ، أي سلمكم من المخالفة والفشل ، " إنه عليم بذات الصدور " . قال ابن عباس : علم ما في صدوركم من الحب لله عز وجل :
43. "إذ يريكهم الله في منامك قليلاً " مقدر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان ، أو متعلق بعليم أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبر به أصحابك فيكون تثبيتاً لهم وتشجيعاً على عدوهم . " ولو أراكهم كثيراً لفشلتم " لجبنتم . " ولتنازعتم في الأمر " في أمر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار. " ولكن الله سلم " أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع . " إنه عليم بذات الصدور " يعلم ما سيكون فيها وما يغير أحوالها .
43. When Allah showed them unto thee (O Muhammad) in thy dream as few in number, and if He had shown them to thee as many, ye (Muslims) would have faltered and would have quarrelled over the affair. But Allah saved (you). Lo! He knoweth what is in the breasts (of men).
43 - Remember in thy dream God showed them to thee as few: if he had shown them to thee as many, ye would surely have been discouraged, and ye would surely have disputed in (your) decision: but God saved (you): for he knoweth well the (secrets) of (all) hearts.