43 - (ونزعنا ما في صدورهم من غل) حقد كان بينهم في الدنيا (تجري من تحتهم) تحت قصورهم (الأنهار وقالوا) عند الاستقرار في منازلهم (الحمد لله الذي هدانا لهذا) العمل الذي هذا جزاؤه (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه (لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة (تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم ، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغمر وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض ، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سرر متقابلين ، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خص الله به بعضهم وفضله من كرامته عليه ، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : " ونزعنا ما في صدورهم من غل " ، قال : العداوة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة : " ونزعنا ما في صدورهم من غل " ، قال : هي الإحن .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، عن إسرائيل أبي موسى ، عن الحسن ، عن علي قال : فينا والله أهل بدر نزلت : " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين " .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل قال : سمعته يقول : قال علي عليه السلام : فينا والله أهل بدر نزلمت : " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين " .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال ، قال علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى ذكره فيهم : ونزعنا ما في قلوبهم من غل ، رضوان الله عليهم .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار " ، قال : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبدا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي نضرة قال : يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض ، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه . ويحبس أهل النار دون النار، حتى يقض لبعضهم من لعض ، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، حين أدخلوا الجنة ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته ، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم ، وتكذيبهم رسله : " الحمد لله الذي هدانا لهذا " ، يقول : الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله ، وصرف عذابه عنا، " وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " ، يقول : وما كنا لنرشد لذلك ، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا به بمنه وطوله ،كما:
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش قال ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل النار يرى منزله من الجنة . فيقولون : لوهدانا الله ، فتكون عليهم حسرة . وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون : " لولا أن هدانا الله "! فهذا شكرهم" .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، قال ، سمعت أبا إسحق يحدث ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال ، ذكر عمر - لشيء لا أحفظه -، ثم ذكر الجنة فقال : يدخلون ، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان . قال : فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم ، فلا تشعث أشعارهم ، ولا تغبر أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذى وقذر وبأس في بطونهم . قال : ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " قال : فتستقبلهم الولدان ، فيحفون بهم كما تحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته . ثم يأتون فيبشرون أزواجهم ، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم . فيقلن : أنت رأيته ! قال : فيستخفهن الفرح ، قال : فيجئن حتى يقفن على اسكفة الباب . قال : فيجيئون فيدخلون ، فإذا أس بيوتهم بجندل اللؤلؤ، وإذا صروح صفر وخضر وحمر ومن كل لون ، وشرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة . فلولا أن الله قدرها لهم ، لالتمعت أبصارهم مما يرون فيها . فيعانقون الأزواج ، ويقعدون على السرر، ويقولون : " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق "، الأية .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبراً عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أن أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ، ووعيده أهل معاصيه والكفر به .
وأما قوله : " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " ، فإن معناه : ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم ، وأخبر عما أعد لهم من كرامته : أن يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورثكموها الله عن الذين كذبوا رسله ، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم . وذلك هو معنى قوله : " بما كنتم تعملون " .
وبنحو ما قلنا في تأوبل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " ، قال : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة . وأهل النار النار، ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة، رثوهم بما كنتم تعملون ، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري ، عن سعيد بن بكير ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحق ، عن الأغر : " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " ، قال : نودوا أن صحوا فلا تسقموا، واخلدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تبأسوا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبي إسحق ، عن الأغر ، عن أبي سعيد : " ونودوا أن تلكم الجنة " ، الأية، قال : ينادي مناد : أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً.
واختلف أهل العربية في " أن " التي مع " تلكم " .
فقال بعض نحب البصرة : هي أن الثقيلة، خففت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسماً، والخفيفة لا تليها الأسماء ، وقد قال الشاعر:
في فتية كسيوف الهند، قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقال آخر:
أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص
قال : فمعناه : أنه كلانا. قال : ويكون كقوله : " أن قد وجدنا " ، في موضع أي ؟ وقوله : " أن أقيموا " ، ولا تكون أن التي تعمل في الأفعال ، لأنك تقول : غاظني أن قام ، و أن ذهب ، فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها. وفي كتاب الله : " وانطلق الملأ منهم أن امشوا " ، أي : امشوا .
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال : غير جائز أن يكون مع أن في هذا الموضع هاء مضمرة، لأن أن دخلت في الكلام لتقي ما بعدها. قال : وأن هذه التي مع تلكم ، هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو: ناديت أنك قائم ، وأن زيد قائم وأن قمت ، فتلي كل الكلام ، وجعلت أن وقاية، لأن النداء يقع على ما بعده ، وسلم ما بعد أن كما سلم ما بعد القول . ألا ترى أنك تقول : قلت : زيد قائم وقلت : قام ، فتليها ما شئت من الكلام ؟ فلما كان النداء بمعنى الظن وما أشبهه من القول ، سلم ما بعد أن ، ودخلت أن وقاية . قال : وأما أي ، فإنها لا تكون على أن ، لا يكون أي جواب الكلام ، وأن تكفى من الاسم .
ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج. والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال. أي أذهبنا في الجنة ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين". وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: "ونزعنا ما في صدورهم من غل" وقيل: نزع الغل في الجنة ألا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل منازلهم. وقد قيل إن ذلك يكون عن شراب الجنة، ولهذا قال: "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" [الإنسان: 21] أي يطهر الأوضار من الصدور، على ما يأتي بيانه في سورة الإنسان و الزمر إن شاء الله تعالى. "وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا" أي لهذا الثواب، بأن أرشدنا وخلق لنا الهداية. وهذا رد على القدرية. "وما كنا" قراءة ابن عامر بإسقاط الواو. والباقون بإثباتها. "لنهتدي" لام كي. "لولا أن هدانا الله" في موضع رفع. "ونودوا" أصله. نوديوا "أن" في موضع نصب مخففة من الثقيلة، أي بأنه "تلكم الجنة". وقد تكون تفسيراً لما نودوا به، لأن النداء قول، فلا يكون لها موضع. أي قيل لهم: تلكم الجنة لأنهم وعدوا بها في الدنيا، أي قيل لهم: هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها، أو يقال لهم ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد. وقيل: تلكم بمعنى هذه. ومعنى "أورثتموها بما كنتم تعملون" أي ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله. كما قال "ذلك الفضل من الله" [النساء: 70] وقال: "فسيدخلهم في رحمة منه وفضل" [النساء: 175]. وفي صحيح مسلم:
"لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". وفي غير الصحيح:
"ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله. ثم يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم".
قلت: وفي صحيح مسلم:
"لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً". فهذا أيضاً ميراث، نعم بفضله من شاء وعذب بعدله من شاء. وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته، فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم. وقرئ أورثتموها من غير إدغام. وقرئ بإدغام التاء في الثاء.
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء فقال "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله واستكبروا عنها, وينبه تعالى على أنه الإيمان والعمل به سهل لأنه تعالى قال "لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما في صدورهم من غل" أي من حسد وبغض كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا" وقال السدي في قوله "ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار" الاية, إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبداً, وقد روى أبو إسحاق عن عاصم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحواً من هذا كما سيأتي في قوله تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً" إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وقال قتادة: قال علي رضي الله عنه إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: "ونزعنا ما في صدورهم من غل" رواه ابن جرير: وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت "ونزعنا ما في صدورهم من غل" وروى النسائي وابن مردويه واللفظ له من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكراً وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون له حسرة" ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون, أي بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة" قالوا ولا أنت يا رسول الله قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
قوله: 43- "ونزعنا ما في صدورهم من غل" هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة أن ينزع الله ما في قلوبهم من الغل على بعضهم حتى تصفو قلوبهم ويود بعضهم بعضاً، فإن الغل لو بقي في صدورهم كما كان في الدنيا لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة، لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر. والغل: الحقد الكامن في الصدور، وقل نزع الغل في الجنة أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل المنازل "وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا" أي لهذا الجزاء العظيم، وهو الخلود في الجنة ونزع الغل من صدورهم، والهداية هذه لهذا هي الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا "وما كنا لنهتدي". قرأ ابن عامر بإسقاط الواو، وقرأ الباقون بإثباتها، وما كنا نطيق أن نهتدي بهذا الأمر لولا هداية الله لنا، والجملة مستأنفة أو حالية، وجواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله: أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي. قوله: "لقد جاءت رسل ربنا بالحق" اللام لام القسم، قالوا: هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم اغتباطاً بما صاروا فيه بسبب ما تقدم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذي صاروا فيه. قوله: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقيل لهم: تلكم الجنة أورثتموها: أي ورثتم منازلها بعملكم. قال في الكشاف: بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى.
أقول: يا مسكين هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر، ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل بإقداره على العمل لم يكن عمل أصلاً، فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار لكان القائلون به محقة لا مبطلة، وفي التنزيل: "ذلك الفضل من الله" وفيه "فسيدخلهم في رحمة منه وفضل".
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا تفتح لهم أبواب السماء" يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال: لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضاً في الآية قال: لا تفتح لأرواحهم، وهي تفتح لأرواح المؤمنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "حتى يلج الجمل" قال: ذو القوائم "في سم الخياط" قال: في خرت الإبرة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله: "حتى يلج الجمل" قال: زوج الناقة. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال: هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر أنه سئل عن سم الخياط فقال: الجمل في ثقب الإبرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: المهاد الفراش، والغواش اللحف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية: "ونزعنا ما في صدورهم من غل". وأخرج النسائي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول لولا أن هدانا الله فهذا شكرهم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" قال: نودوا أن صحوا فلا تسقموا، وانعموا فلا تبأسوا، وشبوا فلا تهرموا، واخلدوا فلا تموتوا.
43- " ونزعنا " وأخرجنا، " ما في صدورهم من غل "، من غش وعداوة كانت بينهم في الدنيا فجعلناهم إخوانا على سرر متقابلين لا يحسد بعضهم بعضا على شيء خص الله به بعضهم " تجري من تحتهم الأنهار"، روى الحسن عن علي رضي الله عنه قال: فينا والله أهل بدر نزلت:" ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين".
وقال علي رضي الله عنه أيضا:إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال لهم الله عز وجل"ونزعنا ما في صدورهم من غل".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا".
وقال السدي في هذه الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة، في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا ولن يسحنوا بعدها أبدًا، أي إلى هذا، يعني طريق الجنة.
وقال سفيان الثوري معناه هدانا لعمل هذا ثوابه، " وما كنا "، قرأ ابن عامر "ما كنا" بلا واو،" لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق"، هذا قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانًا، " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"، قيل: هذا النداء إذا رأوا الجنة من بعيد نودوا أن تلكم الجنة.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الخطيب أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمد أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي سعيد وعن أبي هريرة قالا: ينادي مناد:إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا قلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فالا تبأسوا أبدًا،فذلك قوله : "نودوا أن تلكم الجنة، أورثتموها بما كنتم تعملون" هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج عن إسحاق بن إبراهيم وعبد الرحمن بن حميد عن عبد الرازق عن سفيان الثوري بهذا الاسناد مرفوعا.
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد إلا وله منزلة في الجنة ومنزلة في النار، فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة"
43. " ونزعنا ما في صدورهم من غل " أي نخرج من قلوبهم أسباب الغل ، أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التواد . وعن علي كرم الله وجهه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم . " تجري من تحتهم الأنهار"زيادة في لذتهم وسرورهم . " وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا " لما جزاؤه هذا . " وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " لولا هداية الله وتوفيقه ، واللام لتوكيد النفي وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله . وقرأ ابن عامر "ما كنا " بغير واو على أنها مبينة للأولى . " لقد جاءت رسل ربنا بالحق " فاهتدينا بإرشادهم . يقولون ذلك اعتباطاً وتبجحاً بأن ما علموه يقيناً في الدنيا صار لهم قين اليقين في الآخرة . " ونودوا أن تلكم الجنة " إذا رأوها من بعيد ، أو بعد دخولها والمنادى له بالذات . " أورثتموها بما كنتم تعملون " أي أعطيتموها بسبب أعمالكم ، وهو حال من الجنة والعامل فيها معنى الإشارة , أو خبر والجنة صفة تلكم وأن في المواقع الخمسة هي المخففة أو المفسرة لأن المناداة والتأذين من القول .
43. And We remove whatever rancor may be in their hearts. Rivers flow beneath them. And they say: The praise to Allah, Who hath guided us to this. We could not truly have been led aright if Allah had not guided us. Verily the messengers of our Lord did bring the Truth. And it is cried unto them: This is the Garden. Ye inherit it for what ye used to do.
43 - and we shall remove from their hearts any lurking sense of injury beneath them will be rivers flowing; and they shall say: praise be to God, who hath guided us to this (felicity): never could we have found guidance, had it not been for the guidance of God: indeed it was the truth. That the Apostles of our Lord brought unto us. And they shall hear the cry: behold the garden before you ye have been made its inheritors, for your deeds (of righteousness).