43 - (وأنه هو أضحك) من شاء أفرحه (وأبكى) من شاء أحزنه
وقوله : " وأنه هو أضحك وأبكى " يقول تعالى ذكره : وأن ربك هو أضحك أهل الجنة في الجنة بدخولهم إياها وأبكى أهل النار في النار بدخولهموها وأضحك من شاء من أهل الدنيا وأبكى من أراد أن يبكيه منهم .
قوله تعالى " وأنه هو أضحك وأبكى " ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله سبحانه وتعالى فلا فاعل إلا هو ، وفي صحيح مسلم "عن عائشة : رضي الله عنها قالت : لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وإن الميت يعذب ببكاء أهله أحد ولكنه قال : إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى وما تزر وازرة وزر أخرى " وعنها قالت : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فنزل عليه جبريل فقال : يا محمد إن الله يقول لك : "وأنه هو أضحك وأبكى " فرجع إليهم فقال : ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل عليه فقال ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى " هو أضحك وأبكى " أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني أفرح وأحزن ، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء . وقيل لعمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال نعم الإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي . وقد تقدم هذا المعنى في النمل وبراءة قال الحسن : أضحك الله أهل الجنة في الجنة . وأبكى أهل النار في النار . وقيل أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه . الضحاك : أضحك الأرض النبات وأبكى السماء بالمطر . وقيل أضحك الأشجار بالنوار وأبكى السحاب بالأمطار وقال ذو النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته . وقال سهل بن عبد الله أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط . وقال محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا . وقال بسام بن عبد الله : أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد :
السن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكهما زور مختلق
يا رب باك بعين لا دموع لها ورب ضاحك سن ما به رمق
وقيل : إن الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان . وقد قيل : إن القرد وحده يضحك ولا يبكي ، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك وقال يوسف بن الحسين : سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة ؟ فقال ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم .
يقول تعالى: "وأن إلى ربك المنتهى" أي المعاد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سويد بن سعيد, حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم, تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو النار, وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وأن إلى ربك المنتهى" قال: لا فكرة في الرب. قال البغوي: وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً "تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة" وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ, وإنما الذي في الصحيح "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا ؟ حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته" وفي الحديث الاخر الذي في السنن "تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله تعالى فإن الله خلق ملكاً ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة" أو كما قال: وقوله تعالى: "وأنه هو أضحك وأبكى" أي خلق في عباده الضحك والبكاء وسببهما وهما مختلفان "وأنه هو أمات وأحيا" كقوله: "الذي خلق الموت والحياة" "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى" كقوله: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى ؟ * ألم يك نطفة من مني يمنى! * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟".
وقوله تعالى: "وأن عليه النشأة الأخرى" أي كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة وهي النشأة الأخرى يوم القيامة "وأنه هو أغنى وأقنى" أي ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيماً عندهم لا يحتاجون إلى بيعه, فهذا تمام النعمة عليهم, وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين, منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما, وعن مجاهد "أغنى" مول "وأقنى" أخدم, وكذا قال قتادة, وقال ابن عباس ومجاهد أيضاً "أغنى" أعطى "وأقنى" رضى. وقيل: معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه, قاله الحضرمي بن لاحق, وقيل: أغنى من شاء من خلقه, وأقنى أي أفقر من شاء منهم, قال ابن زيد, حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ. وقوله: "وأنه هو رب الشعرى" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له مرزم الجوزاء كانت طائفة من العرب يعبدونه "وأنه أهلك عاداً الأولى" وهم قوم هود ويقال لهم عاد بن إرم بن سام بن نوح كما قال تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله تعالى وعلى رسوله فأهلكهم الله " بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " أي متتابعة.
وقوله تعالى: "وثمود فما أبقى" أي دمرهم فلم يبق منهم أحداً "وقوم نوح من قبل" أي من قبل هؤلاء "إنهم كانوا هم أظلم وأطغى" أي أشد تمرداً من الذين من بعدهم "والمؤتفكة أهوى" يعني مدائن لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود, ولهذا قال: فغشاها ما غشى يعني من الحجارة التي أرسلها عليهم "وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين" قال قتادة, كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان, فانضرم عليهم الوادي شيئاً فشيئاً من نار ونفط وقطران كفم الأتون. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن وهب بن عطية عن الوليد بن مسلم عن خليد عنه به, وهو غريب جداً " فبأي آلاء ربك تتمارى " أي ففي أي نعم الله عليك أيها الإنسان تمتري ؟ قاله قتادة وقال ابن جريج " فبأي آلاء ربك تتمارى " يا محمد والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير.
قوله: 43- "وأنه هو أضحك وأبكى" أي هو الخالق لذلك والقاضي بسببه. قال الحسن والكلبي: أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار. وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر، وقيل أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه. وقال سهل بن عبد الله: أضحك المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط.
43. " وأنه هو أضحك وأبكى "، فهذا يدل على أن كل ما يعمله الإنسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء، قال مجاهد و الكلبي : أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار. وقال الضحاك : أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.
قال عطاء بن أبي مسلم : يعني أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا قيس، هو ابن الربيع الأسدي ، حدثنا سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم وكان أصحابه يجلسون ويتناشدون الشعر، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-.
وقال معمر عن قتادة : سئل ابن عمر هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل.
43-" وأنه هو أضحك وأبكى " .
43. And that He it is Who maketh laugh, and maketh weep,
43 - That it is He Who granteth Laughter and Tears;