43 - (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) أي أحيا الله من مات من أولاده ورزقه مثلهم (رحمة) نعمة (منا وذكرى) عظة (لأولي الألباب) لأصحاب العقول
اختلف أهل التأويل في معنى قوله "ووهبنا له أهله ومثلهم معهم" وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك ، والصواب من القول عندنا فيه في سورة الأنبياء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فتأويل الكلام : فاغتسل وشرب ، ففرجنا عنه ما كان فيه من البلاء، ووهبنا له أهله ، من زوجة وولد "ومثلهم معهم رحمة منا" له ورأفة "وذكرى" يقول : وتذكيراً لأولي العقول ، ليعتبروا بها فيتعظوا.
وقد حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلان من إخوانه كانا من أخص إخوانه به ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين ، قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب : لا أدري ما تقول ، غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحى إلى أيوب في مكانه : أن "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب"، فاستبطاته ، فتلقته تنظر، فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت أحداً أشبه به منك إذ كان صحيحاً؟ قال : فإني أنا هو. قال : وكان له أندران : أندر للقمح ، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح ، أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض".
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ووهبنا له أهله ومثلهم معهم" قال : قال الحسن وقتادة: فأحياهم الله بأعيانهم ، وزادهم مثلهم.
حدثني محمد بن عوف، قال : ثنا أبو المغيرة، قال : ثنا صفوان، قال : ثنا عبد الرحمن بن جبير، قال : لما ابتلي نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم بماله وولده وجسده ، وطرح في مزبلة، جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه ، فحسده الشيطان على ذلك ، وكان يأتي أصحاب الخبز والشوي الذين كانوا يتصدقون عليها، فيقول : اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم ، فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجل أنها تأتيكم وتغشاكم على ذلك، وكان يلقاها إذا خرجت كالمحزون لما لقي أيوب ، فيقول : لج صاحبك ، فأبى إلا ما أتى، فوالله لو تكلم بكلمة واحدة لكشف عنه كل ضر، ولرجع إليه ماله وولده ، فتجيء ، فتخبر أيوب ، فيقول لها : لقيك عدو الله فلقنك هذا الكلام ، ويلك ، إنما مثلك كمثل المرأة الزانية إذا جاء صديقها بشيء قبلته وأدخلته، وإن يأتها بشيء طردته ، وأغلقت بابها عنه ، لما أعطانا الله المال والولد آمنا به ، وإذا قبض الذي له منا نكفر به ، ونبدل غيره ، إن أقامني الله من مرضي هذا لأجلدنك مائة، قال : فل ذلك قال الله "وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث".
قوله تعالى : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " تقدم في < الأنبياء > الكلام فيه . " ورحمة منا " أي نعمة منا . " وذكرى لأولي الألباب " أي عبرة لذوي العقول .
يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق في جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه, ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله تعالى ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة, وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة في الدنيا, فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضي الله عنها فإنها كانت لا تفارقه صباحاً ومساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريباً, فلما طال المطال, واشتد الحال, وانتهى القدر, وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " وفي هذه الآية الكريمة قال: "واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب" قيل بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله ففعل فأنبع الله تعالى عيناً وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى, ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عيناً أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً, ولهذا قال تبارك وتعالى: "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" قال ابن جرير وابن أبي حاتم جميعاً حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه وما ذاك ؟ قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له, فقال أيوب عليه الصلاة والسلام لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق, قال وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" فاستبطأته فالتفتت تنظر فأقبل عليها وقد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى, فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً قال فإني أنا هو, قال وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض ", هذا لفظ ابن جرير رحمه الله.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه فناداه ربه عز وجل يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال عليه الصلاة والسلام بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك" انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به, ولهذا قال تبارك وتعالى: "ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب" قال الحسن وقتادة أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم.
وقوله عز وجل: "رحمة منا" أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته "وذكرى لأولي الألباب" أي لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة. وقوله جلت عظمته: "وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث" وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته قيل باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة, وقيل لغير ذلك من الأسباب فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً وهو الشمراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد برت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره, وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه, ولهذا قال جل وعلا: "إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب" أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه "نعم العبد إنه أواب" أي رجاع منيب, ولهذا قال جل جلاله: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً*" واستدل كثير من الفقهاء بهذه الاية الكريمة على مسائل في الإيمان وغيرها. وقد أخذوها بمقتضاه والله أعلم بالصواب.
وقوله: 43- "ووهبنا له أهله" معطوف على مقدر كأنه قيل: فاغتسل وشرب، فكشفنا بذلك ما به من ضر ووهبنا له أهله. قيل أحياهم الله بعد أن أماتهم: وقيل جمعهم بعد تفرقهم، وقيل غيرهم مثلهم، ثم زاده مثلهم معهم، وهو معنى قوله: "ومثلهم معهم" فكانوا مثل ما كانوا من قبل ابتلائه، وانتصاب قوله: "رحمةً منا وذكرى لأولي الألباب" على أنه مفعول لأجله: أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه، وليتذكر بحاله أولو الألباب فيصبروا على الشدائد كما صبر، وقد تقدم في سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى فلا نعيده.
43. " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منا وذكرى لأولي الألباب "
43-" ووهبنا له أهله " بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم ، وقيل وهبنا له مثلهم . " ومثلهم معهم " حتى كان له ضعف ما كان . " رحمةً منا " لرحمتنا عليه " وذكرى لأولي الألباب " وتذكيراً لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم .
43. And We bestowed on him (again) his household and therewith the like thereof, a mercy from Us, and a memorial for men of understanding.
43 - And We gave him (back) his people, and doubled their number, as a Grace from Ourselves, and a thing for commemoration, for all who have Understanding.