43 - (وقوم إبراهيم وقوم لوط)
القول في تأويل قوله تعالى : " وقوم إبراهيم وقوم لوط " .
تحمل نفس تفسير الآية اثنان وأربعون
يقول تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من خالفه من قومه: " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى " أي مع ما جاء به من الايات البينات والدلائل الواضحات "فأمليت للكافرين" أي أنظرتهم وأخرتهم, "ثم أخذتهم فكيف كان نكير" أي فيكف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم ؟! وذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه: أنا ربكم الأعلى, وبين إهلاك الله له أربعون سنة. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" ثم قال تعالى: "فكأين من قرية أهلكناها" أي كم من قرية أهلكتها "وهي ظالمة" أي مكذبة لرسلها "فهي خاوية على عروشها" قال الضحاك : سقوفها, أي قد خربت وتعطلت حواضرها "وبئر معطلة" أي لا يستقى منها, ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والإزدحام عليها "وقصر مشيد" قال عكرمة يعني المبيض بالجص, وروي عن علي بن أبي طالب ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبي المليح والضحاك نحو ذلك. وقال آخرون: هو المنيف المرتفع. وقال آخرون: المشيد المنيع الحصين, وكل هذه الأقوال متقاربة ولا منافاة بينها, فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة".
وقوله: "أفلم يسيروا في الأرض" أي بأبدانهم وبفكرهم أيضاً, وذلك كاف كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار : حدثنا هارون بن عبد الله , حدثنا سيار , حدثنا جعفر , حدثنا مالك بن دينار قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام أن يا موسى اتخذ نعلين من حديد وعصا, ثم سح في الأرض, ثم اطلب الاثار والعبر, حتى يتخرق النعلان وتنكسر العصا. وقال ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ, ونوره بالتفكر, وموته بالزهد, وقوه باليقين, وذلله بالموت, وقرره بالفناء, وبصره فجائع الدنيا, وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام, واعرض عليه أخبار الماضين, وذكره ما أصاب من كان قبله, وسيره في ديارهم وآثارهم, وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعم انقلبوا, أي فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال "فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها" أي فيعتبرون بها "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" أي ليس العمى عمى البصر, وإنما العمى عمى البصرة, وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر, وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى, وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سارة الأندلسي الشنتريني , وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة:
يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقدنادى به الناعيان الشيب والكبر
إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى في رأسك الواعيان السمع والبصر
ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل لم يهده الهاديان العين والأثر
لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الـ أعلى ولا النيران الشمس والقمر
ليرحلن عن الدنيا وإن كرها فراقها الثاويان البدو والحضر
43- "وقوم إبراهيم وقوم لوط" وقد تقدم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم.
43. " وقوم إبراهيم وقوم لوط ".
43 -" وقوم إبراهيم وقوم لوط " .
43. And the folk of Abraham and the folk of Lot;
43 - Those of Abraham and Lut;