43 - (قال سآوي إلى جبل يعصمني) يمنعني (من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله) عذابه (إلا) لكن (من رحم) الله فهو المعصوم ، قال تعالى (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال ابن نوح ، لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة ، خوفاً عليه من الغرق : "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" ، يقول : سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء ، فيمنعني منه أن يغرقني .
ويعني بقوله : "يعصمني" ، يمنعني ، مثل عصام القربة ، الذي يشد به رأسها ، فيمنع الماء أن يسيل منها .
وقوله : "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" ، يقول: لا مانع من أمر الله الذي قد أنزل بالخلق من الغرق والهلاك ، إلا من رحمنا فأنقذنا منه ، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم .
فـ "من" في موضع رفع ، لأن معنى الكلام : لا عاصم يعصم اليوم من أمر الله إلا الله .
وقد اختلف أهل العربية في موضع "من" ، في هذا الموضع .
فقال بعض نحويي الكوفة : هو في موضع نصب ، لأن المعصوم بخلاف العاصم ، والمرحوم معصوم . قال : كأن نصبه بمنزلة قوله : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) . قال : ومن استجاز : ( اتباع الظن ) ، والرفع في قوله :
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
لم يجز له الرفع في من ، لأن الذي قال : إلا اليعافير ، جعل أنيس البر ، اليعافير وما أشبهها . وكذلك قوله : ( إلا اتباع الظن ) ، يقول : علمهم ظن : قال : وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول : المعصوم هو عاصم في حال ، ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم ، كأنك قلت : لا معصوم اليوم من أمر الله ، لجاز رفع من . قال : ولا ينكر أن يخرج المفعول على فاعل ألا ترى قوله : ( من ماء دافق ) ، معناه ، والله أعلم : مدفوق ، وقوله : ( في عيشة راضية ) ، معناها : مرضية ، قال الشاعر :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ومعناه : المكسو .
وقال بعض نحويي البصرة : "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" ، على : لكن من رحم ، ويجوز أن يكون على : لا ذا عصمة ، أي : معصوم ، ويكون إلا من رحم رفعاً ، بدلاً من العاصم .
قال أبو جعفر : ولا وجه لهذه الأقوال التي حكيناها عن هؤلاء ، لأن كلام الله تعالى إنما يوجه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه ،ما وجد إلى ذلك سبيل . ولم يضطرنا شيء إلى أن نجعل عاصماً في معنى معصوم ، ولا أن نجعل إلا بمعنى لكن ، إذ كنا نجد لذلك في معناها الذي هو معناه ، في المشهور من كلام العرب ، مخرجاً صحيحاً ، وهو ما قلنا : من أن معنى ذلك : قال نوح لا عاصم اليوم من أمر الله ، إلا من رحمنا فأنجانا من عذابه ، كما يقال : لا منجي اليوم من عذاب الله إلا الله ، ولا مطعم اليوم من طعام زيد إلا زيد ، فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم .
وقوله : "وحال بينهما الموج فكان من المغرقين" ، يقول : وحل بين نوح وابنه موج الماء فغرق ، فكان ممن أهلكه بالغرق من قوم نوح صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى: " قال سآوي " أي أرجع وأنضم. " إلى جبل يعصمني " أي يمنعني " من الماء " فلا أغرق. " قال لا عاصم اليوم من أمر الله " أي لا مانع، فإنه يوم حق فيه العذاب على الكفار. وانتصب ( عاصم) على التبرئة. ويجوز ( لا عاصم اليوم) تكون لا بمعنى ليس. " إلا من رحم " في موضع نصب استثناء ليس من الأول، أي لكن من رحمه الله فهو يعصمه، قاله الزجاج. ويجوز أن يكون في موضع رفع، على أن عاصماً بمعنى معصوم، مثل: " ماء دافق " ( الطارق: 6) أي مدفوق، فالاستثناء على هذا متصل، قال الشاعر:
بطيء القيام رخيم الكلا م أمسى فؤادي به فاتنا
أي مفتوناً. وقال آخر:
دع المكارم لا تنهض لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعوم المكسو. قال النحاس : ومن أحسن ما قيل فيه أن تكون ( من) في موضع رفع، بمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلا الراحم، أي إلا الله. وهذا اختيار الطبري . ويحسن هذا أنك لم تجعل عاصماً بمعنى معصوم فتخرجه من بابه، ولا ( إلا) بمعنى ( لكن). " وحال بينهما الموج " يعني بين نوح وابنه. " فكان من المغرقين " قيل: إنه كان راكباً على فرس قد بطر بنفسه، وأعجب بها، فلما رأى الماء جاء قال: يا أبت فار التنور، فقال له أبوه: " يا بني اركب معنا " فما استتم المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة فالتقمته هو وفرسه، وحيل بينه وبين نوح فغرق. وقيل: إنه اتخذ لنفسه بيتاً من زجاج يتحصن فيه من الماء، فلما فار التنور دخل فيه وأقفله عليه من داخل، فلم يزل يتغوط فيه ويبول حتى غرق بذلك. وقيل: إن الجبل الذي آوي إليه ( طور سيناء).
يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة "اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها" أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء, وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها, وقرأ أبو رجاء العطاردي " بسم الله مجريها ومرساها " وقال الله تعالى: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى: " والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره " الاية, وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله الملك "وما قدروا الله حق قدره" ـ الاية ـ "بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" " .
وقوله "إن ربي لغفور رحيم" مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله: " إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم " وقال: "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" إلى غير ذلك من الايات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه وقوله: "وهي تجري بهم في موج كالجبال" أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على رؤوس الجبال وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعاً وقيل بثمانين ميلاً, وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" وقال تعالى: "وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر" وقوله: "ونادى نوح ابنه" الاية, هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافراً دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون "قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" وقيل إنه اتخذ له مركباً من زجاج وهذا من الإسرائيليات والله أعلم بصحته, والذي نص عليه القرآن أنه قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال, وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق, فقال له أبوه نوح عليه السلام: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله, وقيل إن عاصماً بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعنى مطعوم ومكسو "وحال بينهما الموج فكان من المغرقين".
ثم حكى الله سبحانه ما أجاب به ابن نوح على أبيه فقال: 43- "قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" أي يمنعني بارتفاعه من وصول الماء إلي، فأجاب عنه نوح بقوله: "لا عاصم اليوم من أمر الله" أي لا مانع فإنه يوم قد حق فيه العذاب وجف القلم بما هو كائن فيه، نفي جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجاً أولياً، وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيماً لشأنه وتهويلاً لأمره. والاستثناء، قال الزجاج: هو منقطع: أي لكن من رحمه الله فهو يعصمه، فيكون "من رحم" في موضع نصب، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً على أن يكون عاصم بمعنى معصوم: أي لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله: مثل "ماء دافق" " عيشة راضية " ومنه قول الشاعر:
دع المكارم لا تنهض لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعم المكسو، واختار هذا الوجه ابن جرير، وقيل: العاصم بمعنى ذي العصمة، كلابن وتامر، والتقدير: لا عاصم قط إلا مكان من رحم الله وهو السفينة، وحينئذ فلا يرد ما يقال: إن معنى من رحم من رحمه الله، ومن رحمه الله هو معصوم، فكيف يصح استثناؤه عن العاصم؟ لأن في كل وجه من هذه الوجوه دفعاً للإشكال. وقرئ "إلا من رحم" على البناء للمفعول "وحال بينهما الموج" أي حال بين نوح وابنه فتعذر خلاصه من الغرق، وقيل: بين ابن نوح وبين الجبل، والأول أولى، لأن تفرع "فكان من المغرقين" عليه يدل على الأول لا على الثاني، لأن الجبل ليس بعاصم.
43-"قال" له ابنه "سآوي"، سأصير وألتجئ، "إلى جبل يعصمني من الماء"، يمنعني من الغرق، "قال" له نوح "لا عاصم اليوم من أمر الله"، من عذاب الله، "إلا من رحم"، قيل: معصوم إلا من رحمه الله، كقوله: "في عيشة راضية" (الحاقة-21) أي: مرضية، "وحال بينهما الموج فكان"، فصار، "من المغرقين".
وروي أن الماء علا رؤوس الجبال قدر أربعين ذراعا. وقيل: خمسة عشر ذراعا.
وروي: أنه لما كثر الماء في السكك خشيت أم لصبي عليه، وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم اله منهم أحدا لرحم أم الصبي.
43."قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"أن يغرقني"قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"إلا الراحم وهو الله تعالى أو الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون ،رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو السفينة.وقيل لا عاصم بمعنى لا ذا عصمة كقوله:"في عيشة راضية"وقيل الاستثناء منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه."وحال بينهما الموج"بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل."فكان من المغرقين "فصار من المهلكين بالماء.
43. He said: I shall betake me to some mountain that will save me from the water. (Noah) said: This day there is none that saveth from the commandment of Allah save him on whom He hath had mercy. And the wave came in between them, so he was among the drowned.
43 - The son replied: I will betake myself to some mountain: it will save me from the water. Noah said: this day nothing can save, from the command of God, any but those on whom he hath mercy and the waves came between them, and the son was among those overwhelmed in the flood.