42 - (وإن يكذبوك) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم (فقد كذبت قبلهم قوم نوح) تأنيث قوم باعتبار المعنى (وعاد) قوم هود (وثمود) قوم صالح
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى المشركين بالله ، وحاضا له على الصبر على ما يلحقه منهم من السب والتكذيب : وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق والبرهان ، وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله ، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة رسل الله ، المشركة بالله ، ومنهاجهم من قبلهم ، فلا يصدنك ذلك ، فإن العذاب المهين من ورائهم ونصري إياك وأتباعك عليهم ، آتيهم من وراء ذلك ، كما آتى عذاب على أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم ، بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال ، فقد كذبت قبلهم : يعني مشركي قريش ، قوم نوح ، وقوم عاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وأصحاب مدين ، وهم قوم شعيب : يقول : كذب كل هؤلاء رسلهم وكذب موسى ، فقيل : وكذب موسى ، ولم يقل : وقوم موسى ، لأن قوم موسى بنو إسرائيل ، وكانت قد استجابت له ولم تكذبه ، وإنما كذبه فرعون من القبط . وقد قيل : إنما قيل ذلك كذلك لأنه ولد فيهم ، كما ولد في أهل مكة .
وقوله : " فأمليت للكافرين " يقول : فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم ، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب " ثم أخذتهم " يقول : ثم أحللت بهم العقاب بعد الإملاء " فكيف كان نكير " يقول : فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة ، وتنكري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم ، ألم أبدلهم بالكثرة قلة ، وبالحياة موتا وهلاكا ، وبالعمارة خرابا ؟ يقول : فكذلك فعلي بمكذبيك من قريش ، وإن أمليت لهم إلى آجالهم ، فإني منجزك وعدي فيهم ، كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم ، فأهلكناهم ، وأنجيتهم من بين أظهرهم .
هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية، أي كان قبلك أنبياء كذبوا فصبوا إلى أن أهلك الله المكذبين، فاقتد بهم واصبر.
يقول تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من خالفه من قومه: " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى " أي مع ما جاء به من الايات البينات والدلائل الواضحات "فأمليت للكافرين" أي أنظرتهم وأخرتهم, "ثم أخذتهم فكيف كان نكير" أي فيكف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم ؟! وذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه: أنا ربكم الأعلى, وبين إهلاك الله له أربعون سنة. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" ثم قال تعالى: "فكأين من قرية أهلكناها" أي كم من قرية أهلكتها "وهي ظالمة" أي مكذبة لرسلها "فهي خاوية على عروشها" قال الضحاك : سقوفها, أي قد خربت وتعطلت حواضرها "وبئر معطلة" أي لا يستقى منها, ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والإزدحام عليها "وقصر مشيد" قال عكرمة يعني المبيض بالجص, وروي عن علي بن أبي طالب ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبي المليح والضحاك نحو ذلك. وقال آخرون: هو المنيف المرتفع. وقال آخرون: المشيد المنيع الحصين, وكل هذه الأقوال متقاربة ولا منافاة بينها, فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة".
وقوله: "أفلم يسيروا في الأرض" أي بأبدانهم وبفكرهم أيضاً, وذلك كاف كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار : حدثنا هارون بن عبد الله , حدثنا سيار , حدثنا جعفر , حدثنا مالك بن دينار قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام أن يا موسى اتخذ نعلين من حديد وعصا, ثم سح في الأرض, ثم اطلب الاثار والعبر, حتى يتخرق النعلان وتنكسر العصا. وقال ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ, ونوره بالتفكر, وموته بالزهد, وقوه باليقين, وذلله بالموت, وقرره بالفناء, وبصره فجائع الدنيا, وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام, واعرض عليه أخبار الماضين, وذكره ما أصاب من كان قبله, وسيره في ديارهم وآثارهم, وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعم انقلبوا, أي فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال "فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها" أي فيعتبرون بها "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" أي ليس العمى عمى البصر, وإنما العمى عمى البصرة, وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر, وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى, وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سارة الأندلسي الشنتريني , وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة:
يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقدنادى به الناعيان الشيب والكبر
إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى في رأسك الواعيان السمع والبصر
ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل لم يهده الهاديان العين والأثر
لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الـ أعلى ولا النيران الشمس والقمر
ليرحلن عن الدنيا وإن كرها فراقها الثاويان البدو والحضر
قوله: 42- "وإن يكذبوك" إلخ هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله. وفيه إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء في ذلك.
42. قوله عز وجل: " وإن يكذبوك "، يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم، " فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ".
42 ـ " وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود " .
42. If they deny thee (Muhammad), even so the folk of Noah, and (the tribes of) Aad and Thamud, before thee, denied (Our messengers);
42 - If they treat thy (mission) As false, so did the Peoples Before them (with their Prophets), The People of Noah, And Aad and Thamud;