41 - (انفروا خفافاً وثقالاً) نشاطاً وغير نشاط وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء وهي منسوخة بآية {ليس على الضعفاء} (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) أنه خير لكم فلا تثاقلوا
قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا الآية أخرج ابن جرير عن حضرمي أنه ذكر له أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا فيقول إني آثم فأنزل الله انفروا خفافا وثقالا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ((الخفة)) و((الثقل))، اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنفر معه.
فقال بعضهم: معنى ((الخفة))، التي عناها الله في هذا الموضع، الشباب، ومعنى ((الثقل)) الشيخوخة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن رجل، عن الحسن في قوله: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: شيباً وشباناً.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن عمرو، عن الحسن قال: شيوخاً وشباناً.
... قال، حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد، عن أنس، عن أبي طلحة: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: كهولاً وشباناً، ما أسمع الله عذر واحداً!! فخرج إلى الشأم، فجاهد حتى مات.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة بن النعمان قال: كان رجل من النخع، وكان شيخاً بادناً، فأراد الغزو، فمنعه سعد بن أبي وقاص، فقال: إن الله يقول: "انفروا خفافا وثقالا "! فأذن له سعد. فقتل الشيخ، فسأل عنه بعد عمر، فقال: ما فعل الشيخ الذي كأنه من بني هاشم؟ فقالوا: قتل يا أمير المؤمنين!
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هرون، عن إسمعيل، عن أبي صالح قال: الشاب والشيخ.
... قال، حدثنا أبو أسامة، عن مالك بن مغول، عن إسمعيل، عن عكرمة قال: الشاب والشيخ.
... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك : كهولاً وشباناً.
... قال، حدثنا حبويه، أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر بن حميد، عن بشر بن عطية: كهولاً وشباناً.
حدثنا الوليد قال، حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، في قوله: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: شباناً وكهولاً.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " انفروا خفافا وثقالا "، قال: شباباً وشيوخاً، وأغنياء ومساكين.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، قال الحسن : شيوخاً وشباناً.
حدثني سعيد بن عمرو قال، حدثنا بقية قال، حدثنا حريز قال، حدثني حبان بن زيد الشرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان والياً على حمص قبل الأفسوس، إلى الجراجمة، فلقيت شيخاً كبيراً هماً، قد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق، على راحلته، فيمن أغار. فأقبلت عليه فقلت: يا عم، لقد أعذر الله إليك! فرفع حاجبيه، فقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، من يحبه الله يبتله، ثم يعيده فيبتليه، إنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذلك ولم يعبد إلا الله.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسمعيل، عن أبي صالح: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: كل شيخ وشاب.
وقال آخرون:معنى ذلك: مشاغل وغير مشاغيل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن الحكم في قوله: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: مشاغيل وغير مشاغيل.
وقال آخرون: معناه: انفروا أغنياء وفقراء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عمن ذكره، عن أبي صالح: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: أغنياء وفقراء.
وقال آخرون: معنا: نشاطاً وغير نشاط.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " انفروا خفافا وثقالا "، يقول: انفروا نشاطاً وغير نشاط.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة : " خفافا وثقالا "، قال: نشاطاً وغير نشاط.
وقال آخرون:معناه: ركباناً ومشاةً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد قال، قال أبو عمرو: إذا كان النفر إلى دروب الشأم، نفر الناس إليها " خفافا "، ركباناً. وإذا كان النفر إلى هذه السواحل، نفروا إليها " خفافا وثقالا "، ركباناً ومشاة.
وقال آخرون: معنى ذلك: ذا ضيعة وغير ذي ضيعة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " انفروا خفافا وثقالا "، قال: ((الثقيل))، الذي له الضيعة، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته ويخرج، و((الخفيف)) الذي لا ضيعة له، فقال الله: " انفروا خفافا وثقالا ".
حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه قال: زعم الحضرمي أنه ذكر أن ناساً كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلاً أو كبيراً فيقول:إن أجتنبه إباءً، فإني آثم! فأنزل الله: " انفروا خفافا وثقالا ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب، عن محمد قال: شهد أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى، إلا عاماً واحداً. وكان أيوب يقول: " انفروا خفافا وثقالا "، فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً.
حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثنا حريز بن عثمان، عن راشد بن سعد، عمن رأى المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فضل عنه من عظمه، فقلت له: لقد أعذر الله إليك! فقال: أبت علينا ((سورة البعوث))، " انفروا خفافا وثقالا ".
حدثنا سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا حريز قال، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة قال، حدثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، قد فضل عنها من عظمه، يريد الغزو، فقلت له:لقد أعذر الله إليك! فقال، أبت علينا ((سورة البحوث)): " انفروا خفافا وثقالا ".
قال أبو جعفر:وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله، خفافاً وثقالاً، وقد يدخل في ((الخفاف)) كل من كان سهلاً عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا يسر بمال وفراغ من الاشتغال، وقادراً على الظهر والركاب. ويدخل في ((الثقال))، كل من كان بخلاف ذلك، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ ذو السن والعيال.
فإذ كان قد يدخل في ((الخفاف)) و((الثقال)) من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله جل ثناؤه خص من ذلك صنفاً دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نصب على خصوصه دليلاً، وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافاً وثقالاً مع رسوله صلى الله عليه وسلم، على كل حال من أحوال الخفة والثقل.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مسلم بن صبيح قال: أول ما نزل من ((براءة)): " انفروا خفافا وثقالا ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، مثله.
حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد قال: إن أول ما نزل من ((براءة)): " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة "، قال: يعرفهم نصره، ويوطنهم لغزوة تبوك.
القول في تأويل قوله: " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاهدوا "، أيها المؤمنون، الكفار، " بأموالكم "، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم، حتى ينقادوا لكم، فيدخلوا فيه طوعاً أو كرهاً، أو يعطوكم الجزية عن يد صغاراً، إن كانوا أهل كتاب، أو تقتلوهم، " وأنفسكم "، يقول:وبأنفسكم، فقاتلوهم بأيديكم، يخزهم الله وينصركم عليهم، " ذلكم خير لكم "، يقول: هذا الذي آمركم به من النفر في سبيل الله تعالى خفافاً وثقالاً، وجهاد أعدائه بأموالكم وأنفسكم، خير لكم من التثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم، والخلود إليها، والرضى بالقليل من متاع الحياة الدنيا عوضاً من الآخرة، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم من فضل الجهاد في سبيل الله على القعود عنه.
فيه سبع مسائل:
الأولى- روى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال: أول ما نزل من سورة براءة "انفروا خفافا وثقالا". وقال أبو الضحا كذلك أيضاً. قال: ثم نزل أولها وآخرها.
الثانية- قوله تعالى: "انفروا خفافا وثقالا" نصب على الحال، وفيه عشرة أقوال: الأول- يذكر عن ابن عباس "فانفروا ثبات أو" [النساء:71]: سرايا متفرقين. الثاني- روي عن ابن عباس أيضاً وقتادة: نشاطاً وغير نشاط. الثالث- الخفيف: الغني، والثقيل، الفقير، قاله مجاهد. الرابع- الخفيف: الشاب، والثقيل: الشيخ، قاله الحسن. الخامس- مشاغيل وغير مشاغيل، قاله زيد بن علي والحكم بن عتيبة. السادس -الثقيل: الذي له عيال، والخفيف: الذي لا عيال له، قاله زيد بن أسلم. السابع، الثقيل: الذي له ضيعة يكره أن يدعها، والخفيف: الذي لا ضيعة له، قاله ابن زيد. الثامن- الخفاف: الرجال، والثقال: الفرسان، قاله الأوزاعي. التاسع -الخفاف: الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش، والثقال: الجيش بأسره. العاشر- الخفيف: الشجاع، والثقيل: الجبان، حكاه النقاش. والصحيح في معنى الآية أن الناس أمروا جملة، أي انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. وروي "أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:
أعلي أن أنفر؟ فقال: نعم" حتى أنزل الله تعالى "ليس على الأعمى حرج" [النور: 61]. وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة.
الثالثة- واختلف في هذه الآية، فقيل: إنها منسوخة بقوله تعالى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى" [التوبة:91]. وقيل: الناسخ لها قوله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" [التوبة: 122]. والصحيح أنها ليست بمنسوخة. روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى: "انفروا خفافا وثقالا" قال شبانا وكهولاً، ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه. وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية "انفروا خفافا وثقالا" فقال: أي بني، جهزوني جهزوني. فقال بنوه: يرحمك الله! لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك. قال: لا، جهزوني. فغزا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغير رضي الله عنه. وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص على تابوت صراف، وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو. فقيل له: لقد عذرك الله. فقال: أتت علينا سورة البعوث "انفروا خفافا وثقالا". وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه. فقيل له: إنك عليل. فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع. وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشأم رجلاً حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عم، إن الله قد عذرك. فقال: يابن أخي، قد أمرنا بالنفر خفافاً وثقالاً. ولقد قال ابن أم مكتوم رضي الله عنه -واسمه عمرو- يوم أحد: أنا رجل أعمى، فسلموا لي اللواء، فإنه إذا انهزم حامل اللواء انهزم الجيش، وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما أبرح. فأخذ اللواء يومئذ مصعب بن عمير على ما تقدم في آل عمران بيانه. فلهذا وما كان مثله مما روي عن الصحابة والتابعين. قلنا: إن النسخ لا يصح. وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل، وهي:
الرابعة- وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، شباباً وشيوخاً، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مقاتل أو مكثر. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم. وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو. ولا خلاف في هذا.
وقسم ثان من واجب الجهاد - فرض أيضاً على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه، أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم، ويكف أذاهم ويظهر دين الله عليهم، حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد.
ومن الجهاد أيضاً ما هو نافلة، وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة، وبعث السرايا في أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة، والارصاد لهم بالرباط في موضع الخوف، وإظهار القوة. فإن قيل: كيف يصنع الواحد إذا قصر الجميع، وهي:
الخامسة- قيل له: يعمد إلى أسير واحد فيفديه، فإنه إذا فدى الواحد فقد أدى في الواحد أكثر مما كان يلزمه في الجماعة، فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسارى ما أدى كل واحد منهم إلا أقل من درهم. ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازياً. قال صلى الله عليه وسلم:
"من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهل بخير فقد غزا" أخرجه الصحيح. وذلك لأن مكانه لا يغني وماله لا يكفي.
السادسة- روي أن بعض الملوك عاهد كفاراً على ألا يحبسوا أسيراً، فدخل رجل من المسلمين جهة بلادهم فمر على بيت مغلق، فنادته امرأة أني أسيرة، فأبلغ صاحبك خبري، فلما اجتمع به واستطعمه عنده وتجاذبا ذيل الحديث، انتهى الخبر إلى هذه المعذبة، فما أكمل حديثه حتى قام الأمير على قدميه وخرج غازياً من فوره، ومشى إلى الثغر حتى أخرج الأسيرة واستولى على الموضع، رضي الله عنه. ذكره ابن العربي وقال: ولقد نزل بنا العدو -قصمه الله- سنة سبع وعشرين وخمسمائة، فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلادنا في عدد هال الناس عدده، وكان كثيراً وإن لم يبلغ ما حددوه. فقلت للوالي والمولى عليه: هذا عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة، فلتكن عندكم بركة، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة، فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاط به، فإنه هالك لا محالة إن يسركم الله له. فغلبت الذنوب ورجفت القلوب بالمعاصي، وصار كل أحد من الناس ثعلباً يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة بجاره. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
السابعة- قوله تعالى: "وجاهدوا" أمر بالجهاد، وهو مشتق من الجهد "بأموالكم وأنفسكم" روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". وهذا وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند الله تعالى.فحض على كمال الأوصاف، وقدم الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز. فرتب الأمر كما هو في نفسه.
قال سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح: هذه الاية "انفروا خفافاً وثقالاً " أول ما نزل من سورة براءة وقال معتمر بن سليمان عن أبيه قال: زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناساً كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلاً وكبيراً فيقول: إني لا آثم فأنزل الله "انفروا خفافاً وثقالاً" الاية أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر فقال "انفروا خفافاً وثقالاً".
وقال علي بن زيد عن أنس عن أبي طلحة: كهولاً وشباباً ما سمع الله عذر أحد ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل وفي رواية قرأ أبو طلحة سورة براءة فأتى على هذه الاية "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" فقال أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباناً جهزوني يا بني, فقال بنوه يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك فأبى فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها وهكذا روي عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح والحسن البصري وسهيل بن عطية ومقاتل بن حيان والشعبي وزيد بن أسلم أنهم قالوا في تفسير هذه الاية "انفروا خفافاً وثقالاً" كهولاً وشباناً وكذا قال عكرمة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرواحد, وقال مجاهد شباناً وشيوخاً وأغنياء ومساكين وكذا قال أبو صالح وغيره وقال الحكم بن عتيبة: مشاغيل وغير مشاغيل, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً" يقول انفروا نشاطاً وغير نشاط, وكذا قال قتادة وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "انفروا خفافاً وثقالاً" قالوا فإن فينا الثقيل, وذا الحاجة والضيعة والشغل والمتيسر به أمره فأنزل الله وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا "خفافاً وثقالاً" أي على ما كان منهم وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضاً في العسر واليسر وهذا كله من مقتضيات العموم في الاية وهذا اختيار ابن جرير.
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي: إذا كان النفير إلى دروب الروم نفر الناس إليها خفافاً وركباناً وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافاً وثقالاً وركباناً ومشاة وهذا تفصيل في المسألة وقد روي عن ابن عباس ومحمد بن كعب وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله, وقال السدي قوله: "انفروا خفافاً وثقالاً" يقول غنياً وفقيراً وقوياً وضعيفاً فجاءه رجل يومئذ زعموا أنه المقداد وكان عظيماً سميناً فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى فنزلت يومئذ "انفروا خفافاً وثقالاً" فلما نزلت هذه الاية اشتد على الناس فنسخها الله فقال: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله".
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا أيوب عن محمد قال شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا عاماً واحداً قال وكان أبو أيوب يقول: قال الله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً" فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً. وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية حدثنا جرير حدثني عبد الرحمن بن ميسرة حدثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص وقد فصل عنها من عظمه يريد الغزو فقلت: له قد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البعوث "انفروا خفافاً وثقالاً" وقال ابن جرير: حدثني حيان بن زيد الشرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو وكان والياً على حمص قبل الأفسوس إلى الجراجمة فرأيت شيخاً كبيراً هماً قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار فأقبلت إليه فقلت يا عم لقد أعذر الله إليك قال فرفع حاجبيه فقال يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ألا إنه من يحبه الله يبتليه ثم يعيده الله فيبقيه وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله عز وجل. ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله فقال: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" أي هذا خير لكم في الدنيا والاخرة لأنكم تغرمون في النفقة قليلاً فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا مع ما يدخر لكم من الكرامة في الاخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة, أو يرده إلى منزله بما نال من أجر أو غنيمة" ولهذا قال الله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أسلم: قال: أجدني كارهاً قال: أسلم وإن كنت كارهاً ".
ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال: 41- "انفروا خفافاً وثقالاً" أي حال كونكم خفافاً وثقالاً، قيل المراد منفردين أو مجتمعين، وقيل نشاطاً وغير نشاط، وقيل فقراء وأغنياء، وقيل شباباً وشيوخاً، وقيل رجالاً وفرساناً، وقيل من لا عيال له ومن له عيال، وقيل من يسبق إلا الحرب كالطلائع، ومن يتأخر كالجيش، وقيل غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، لأن معنى الآية: انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى"، وقيل الناسخ لها قوله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" الآية، وقيل هي محكمة وليست بمنسوخة، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله: "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج" وإخراج الضعيف والمريض بقوله: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى" من باب التخصيص، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله: "خفافاً وثقالاً" والظاهر عدم دخولهم تحت العموم. قوله: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم. والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو وبدفعه، فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى ما تقدم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد "خير لكم" أي خير عظيم في نفسه، وخير من السكون والدعة "إن كنتم تعلمون" ذلك وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة.
41-قوله تعالى: "انفروا خفافا وثقالا"، قال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة: شبانا وشيوخا. وعن ابن عباس: نشاطا وغير نشاط. وقال عطية العوفي: ركبانا ومشاة. وقال أبو صالح: خفافا من المال، أي فقراء، وثقالا أي: أغنياء. وقال ابن زيد: الثقيل الذى له الضيعة، فهو ثقيل يكره أن يدع ضيعته، والخفيف لا ضيعة له. ويروى عن ابن عباس قال: خفافا أهل المسيرة من المال، وثقالا أهل العسرة. وقيل: خفافا من السلاح، أي: مقلين منه، وثقالا أي: مشتكثرين منه. وقال الحكم بن عتيبة: مشاغيل وغير مشاغيل. وقال مرة الهمذاني. أصحاء ومرضى.وقال يمان بن رباب: عزابا ومتأهلين.وقيل: خفافا من حاشيتكم وأتباعكم، وثقالا مستكثرين بهم. وقيل: خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير، وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له.
"وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، قال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينينه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضر، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع.
وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس: نسخت هذه الآية بقوله: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة ". وقال السدي: لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى"الآية.
41."انفروا خفافاً" لنشاطكم له ." وثقالاً" عنه لمشقته عليكم ، أو لقلة عيالكم ولكثرتها أو ركباناً ومشاة ، أو خفافاً وثقالاً من السلاح ،أو صحاحاً ومراضاً ولذلك لما قال ابن مكتوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أعلي أن أنفر قال(نعم ). حتى نزل " ليس على الأعمى حرج " ." وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما." ذلكم خير لكم " من تركه ." إن كنتم تعلمون" الخير علمتم أنه خير ، أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ إخبار الله تعالى به صدق فبادروا إليه .
41. Go forth, light armed and heavy armed, and strive with your wealth and your lives in the way of Allah! That is best for you if ye but knew.
41 - Go ye forth, (whether equipped) lightly or heavily, and strive and struggle, with your goods and your persons, in the cause of God. that is best for you, if ye (but) knew.