41 - (وآية لهم) على قدرتنا (أنا حملنا ذريتهم) وفي قراءة ذرياتهم أي آباءهم الاصول (في الفلك) أي سفينة نوح (المشحون) المملوء
يقول الله تعالى ذكره: ودليل لهم أيضاً، وعلامة على قدرتنا على كل ما نشاء حملنا ذريتهم، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح، وإياها عنى جل ثناؤه بالفلك المشحون، والفلك: هي السفينة، والمشحون المملوء الموقر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " يقول: الممتلىء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: " في الفلك المشحون " يعني المثقل.
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد " الفلك المشحون " قال: الموقر.
حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله: " المشحون " قال: المحمول.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: " أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " يعني: سفينة نوح عليه السلام.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " الموقر، يعني سفينة نوح.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: " الفلك المشحون " قال الفلك المشحون: المركب الذي كان فيه نوح، والذرية التي كانت في ذلك المركب قال: والمشحون: الذي قد شحن، الذي قد جعل فيه ليركبه أهله، جعلوا فيه ما يريدون، فربما امتلأ، فربما لم يمتلىء.
حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتدرون ما الفلك المشحون؟ قلنا: قال، قال: هو الموقر.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا هارون، عن جويبر، عن الضحاك ، في قوله: " الفلك المشحون " قال: الموقر.
قوله تعالى : " وآية لهم " يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم ، لأن في الآيات اعتباراً . الثاني نعمة عليهم ، لأن في الآيات إنعاماً . الثالث إنذار لهم ، لأن في الآيات إنذاراً . " أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " من أشكل ما في السورة ، لأنهم هم المحمولون . فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية < في الفلك المشحون > فالضميران مختلفان ، ذكره المهدوي . وحكاه النحاس عن علي بن سليمان أنه سمعه يقوله . وقيل : الضميران جميعاً لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم ، فالفلك على القول الأول سفينة نوح . وعلى الثاني يكون اسماً للجنس ، خبر جل وعز بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء ، فيكون الضميران على هذا متفقين . وقيل : الذرية الآباء والأجداد ، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام ، فالآباء ذرية والأبناء ذرية ، بدليل هذه الآية ، قاله أبو عثمان . وسمي الآباء ذرية ، لأن منهم ذرأ الأبناء . وقول رابع : أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك المشحون ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ذكره الماوردي . وقد مضى في < البقرة > اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفى . و < المشحون > المملوء الموقر ، و < الفلك > يكون واحداً وجمعاً . وقد تقدم في < يونس > القول فيه .
يقول تبارك وتعالى: ودلالة لهم أيضاً على قدرته تبارك وتعالى تسخيره البحر ليحمل السفن, فمن ذلك بل أوله سفينة نوح عليه الصلاة والسلام, التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين الذين لم يبق على وجه الأرض من ذرية آدم عليه الصلاة والسلام غيرهم, ولهذا قال عز وجل: "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم" أي آباءهم "في الفلك المشحون" أي في السفينة المملوءة من الأمتعة والحيوانات, التي أمره الله تبارك وتعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: المشحون الموقر, وكذا قال سعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي . وقال الضحاك وقتادة وابن زيد : وهي سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.
وقوله جل وعلا: "وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بذلك الإبل, فإنها سفن البر يحملون عليها ويركبونها, وكذا قال عكرمة ومجاهد والحسن وقتادة في رواية, و عبد الله بن شداد وغيرهم: وقال السدي في رواية: هي الأنعام. وقال ابن جرير : حدثنا الفضل بن الصباح , حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: أتدرون ما قوله تعالى: "وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" قلنا: لا, قال: هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح عليه الصلاة والسلام على مثلها, وكذا قال أبو مالك والضحاك وقتادة وأبو صالح والسدي أيضاً المراد بقوله تعالى: "وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" أي السفن, ويقوي هذا المذهب في المعنى قوله جل وعلا: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ".
وقوله عز وجل: "وإن نشأ نغرقهم" يعني الذين في السفن "فلا صريخ لهم" أي لا مغيث لهم مما هم فيه"ولا هم ينقذون" أي مما أصابهم "إلا رحمة منا" وهذا استثناء منقطع تقديره ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر, ونسلمكم إلى أجل مسمى, ولهذا قال تعالى: "ومتاعاً إلى حين" أي إلى وقت معلوم عند الله عز وجل.
ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعاً آخر مما امتن به على عباده من النعم فقال: 41- " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " أي دلالة وعلامة، وقيل معنى آية هنا العبرة وقيل النعمة، وقيل النذارة.
وقد اختلف في معنى " أنا حملنا ذريتهم " وإلى من يرجع الضمير، لأن الضمير الأول وهو قوله: "وآية لهم" لأهل مكة، أو لكفار العرب، أو للكفار على الإطلاق الكائنين في عصر محمد صلى الله عليه وسلم، فقيل الضمير يرجع إلى القرون الماضية، والمعنى: أن الله حمل ذرية القرون الماضية في الفلك المشحون، فالضميران مختلفان. وهذا حكاه النحاس عن علي بن سليمان الأخفش. وقيل الضميران لكفار مكة ونحوهم. والمعنى: أن الله حمل ذرياتهم من أولادهم وضعفائهم على الفلك، فامتن الله عليهم بذلك: أي إنهم يحملونهم معهم في السفن إذا سافروا، أو يبعثون أولادهم للتجارة لهم فيها. وقل الذرية الآباء والأجداد، والفلك هو سفينة نوح: أي إن الله حمل آباء هؤلاء وأجدادهم في سفينة نوح. قال الواحدي: والذرية تقع على الآباء كما تقع على الأولاد. قال أبو عثمان: وسمي الآباء ذرية، لأن منهم ذرء الأبناء، وقيل الذرية النطف الكائنة في بطون النساء، وشبه البطون بالفلك المشحون، والراجح القول الثاني ثم الأول ثم الثالث، وأما الرابع ففي غاية البعد والنكارة. وقد تقدم الكالم في الذرية واشتقاقها في سورة البقرة مستوفى، والمشحون المملوء الموقر، والفلك يطلق على الواحد والجمع كما تقدم في يونس، وارتفاع آية على أنها خبر مقدم، والمبتدأ أنا حملنا أو العكس على ما قدمنا. وقيل إن الضمير في قوله: "وآية لهم" يرجع إلى العباد المذكروين في قوله: "يا حسرة على العباد" لأنه قال بعد ذلك "وآية لهم الأرض الميتة" وقال: "وآية لهم الليل". ثم قال: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم " فكأنه قال: وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد، ولا يلزم أن يكون المراد بأحد الضميرين البعض منهم، وبالضمير الآخر البعض الآخر وهذا قول حسن.
41. " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم "، قرأ أهل المدينة والشام، و يعقوب : (( ذرياتهم )) جمع، وقرأ الآخرون: (( ذريتهم )) على التوحيد، فمن جمع كسر التاء، ومن لم يجمع نصبها، والمراد بالذرية: الآباء والأجداد، واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد، " في الفلك المشحون "، أي: المملوء، وأراد سفينة نوح عليه السلام، وهؤلاء من نسل من حمل مع نوح، وكانوا في أصلابهم.
41 -" وآية لهم أنا حملنا ذريتهم " أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجارتهم ، أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم ، فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها . وتخصيصهم لأن استقرارهم في السفن أشق وتماسكهم فيها أعجب ، وقرأ نافع و ابن عامر " ذرياتهم " . " في الفلك المشحون " المملوء ، وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام ، وحمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم ، و تخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان وأدخل في التعجب مع الإيجاز .
41. And a token unto them is that We bear their offspring in the laden ship,
41 - And a Sign for them is that We bore their race (through the Flood) in the loaded Ark;