أو يصبح ماؤها غورا) بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق (فلن تستطيع له طلبا) حيلة تدركه بها
وقوله " أو يصبح ماؤها غورا" يقول : أو يصبح ماؤها غائرا ، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر، كما قال الشاعر:
تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا
بمعنى نائحة، وكما قال الآخر:
هريقي من دموعهماسجاما ضباع وجاوبي نوحا قياما
والعرب توحد الغور مع الجمع والاثنين ، وتذكر مع المذكر والمؤنث ، تقول : ماء غور، وماء ان غور ومياه غور. ويعني بقوله " غورا" ذاهبا قد غار في الأرض ، فذهب فلا تلحقه الرشاء .
كما حدثنا بشر ، قد : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " أو يصبح ماؤها غورا" : أي ذاهبا قد غار في الأرض . وقوله " فلن تستطيع له طلبا" يقول : فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غوره ، بطلبك إياه .
قوله تعالى : " أو يصبح ماؤها غورا " أي غائراً ذاهباً ، فتكون أعدم ارض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء . والغور مصدر وضع موضع الاسم ، كما يقال : رجل صوم وفطر وعدل ورضاً وفضل وزور ونساء نوح ، ويستوى فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع . قال عمر بن كثلوم :
تظل جياده نوحاً عليه مقلدة أعنتها صفونا
آخر :
هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحاً قياماً
أي نايحات . وقيل : أو يصبح ماؤها ذا غور ، فحذف المضاف ، مثل " واسأل القرية " [ يوسف : 82] ذكره النحاس . وقال الكسائي : ماء غور وقد غار الماء يغور غوراً وغؤوراً ، دخلت في الرأس . وغارت تغار لغة فيه . قال :
أغارت عينه أم لم تغاراً
وغارت الشمس تغور غيارا ، أي غربت . قال أبو ذؤيب :
هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
" فلن تستطيع له طلبا " أي لن تستطيع رد الماء الغائر ، ولا تقدر عليه بحيلة . وقيل : فلن تستطيع طلب غيره بدلاً منه ، وإلى هذا بالحديث انتهت مناظرة أخيه وإنذاره .
يقول تعالى مخبراً عما أجابه به صاحبه المؤمن, واعظاً له وزاجراً عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار "أكفرت بالذي خلقك من تراب" الاية, وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه, وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, كما قال تعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم" الاية, أي كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية, كل أحد يعلمها من نفسه, فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوماً, ثم وجد وليس وجوده من نفسه ولا مستنداً إلى شيء من المخلوقات, لأنه بمثابته, فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه, وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء, ولهذا قال المؤمن "لكنا هو الله ربي" أي لكن أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية, "ولا أشرك بربي أحداً" أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.
ثم قال: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " هذا تحضيض وحث على ذلك, أي هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها, حمدت الله ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك, وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله, ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده, فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله, وهذا مأخوذ من هذه الاية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع, أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا جراح بن مخلد , حدثنا عمر بن يونس , حدثنا عيسى بن عون , حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد, فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله, فيرى فيه آفة دون الموت" وكان يتأول هذه الاية "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" قال الحافظ أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة وحجاج, حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا قوة إلا بالله" تفرد به أحمد . وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله" وقال الإمام أحمد : حدثنا بكر بن عيسى , حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قال: قلت نعم فداك أبي وأمي. قال: أن تقول لا قوة إلا بالله" قال أبو بلج : " وأحسب أنه قال فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم" قال فقلت لعمرو : قال أبو بلج : قال عمرو : قلت لأبي هريرة لا حول ولا قوة إلا بالله, فقال: لا إنها في سورة الكهف "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
وقوله: "فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك" أي في الدار الاخرة "ويرسل عليها" أي على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى "حسباناً من السماء" قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومالك عن الزهري : أي عذاباً من السماء, والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها, ولهذا قال: "فتصبح صعيداً زلقاً" أي بلقاً تراباً أملس لا يثبت فيه قدم, وقال ابن عباس : كالجرز الذي لا ينبت شيئاً وقوله: "أو يصبح ماؤها غوراً" أي غائراً في الأرض, وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض, فالغائر يطلب أسفلها, كما قال تعالى: "قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين" أي جار وسائح, وقال ههنا: "أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً" والغور مصدر بمعنى غائر, وهو أبلغ منه, كما قال الشاعر:
تظل جياده نوحاً عليه تقلده أعنتها صفوفاً
بمعنى نائحات عليه.
وجملة 41- "أو يصبح ماؤها غوراً" معطوفة على الجملة التي قبلها: والغور الغائر. وصف الماء بالمصدر مبالغة، والمعنى: أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائماً، ويجيء الغور بمعنى الغروب، ومنه قول أبي ذوئيب:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
"فلن تستطيع له طلباً" أي لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلاً عن وجوده ورده ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل المعنى: فلن تستطيع طلب غيره عوضاً عنه.
41 - " أو يصبح ماؤها غوراً " ، أي : غائراً ، منقطعاً ذاهباً ، لا تناله الأيدي ، ولا الدلاء ، و( الغور ) : مصدر وضع موضع الاسم ، مثل : زور وعدل ، " فلن تستطيع له طلباً " ، يعني : إن طلبته لم تجده .
41." أو يصبح ماؤها غورا "أي غائراً .في الأرض مصدر وصف به كالزلق."فلن تستطيع له طلباً"للماء الغائر تردداً في رده.
41. Or some morning the water thereof will he lost in the earth so that thou canst not make search for it.
41 - Or the water of the garden will run off underground so that thou wilt never be able to find it.