40 - (قل) يا محمد لأهل مكة (أرأيتكم) أخبروني (إن أتاكم عذاب الله) في الدنيا (أو أتتكم الساعة) القيامة المشتملة عليه بغتة (أغير الله تدعون) لا (إن كنتم صادقين) في أن الأصنام تنفعكم فادعوها
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في معنى قوله : "أرأيتكم" .
فقال بعض نحوي البصرة : (الكاف ) التي بعد (التاء) من قوله : "أرأيتكم" إنما جاءت للمخاطبة ، وتركت (التاء) مفتوحة ، كما كانت للواحد . قال : وهي مثل (كاف) (رويدك زيداً) ، إذا قلت : أرود زيداً ، هذه (الكاف) ليس لها موضع مسمى بحرف ، لا رفع ولا نصب ، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف (ذاك) . ومثل ذلك قول العرب : (أبصرك زيداً) يدخلون (الكاف ) للمخاطبة .
وقال آخرون منهم : معنى : "أرأيتكم إن أتاكم" ، أرأيتم . قال : وهذه (الكاف) تدخل للمخاطبة مع التوكيد، و (التاء) وحدها هي الاسم ، كما أدخلت (الكاف) التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة، كقولهم : (هذا ، وذاك ، وتلك ، وأولئك)، فتدخل (الكاف) للمخاطبة، وليست باسم ، و(التاء) هو الاسم للواحد والجميع ، تركت على حال واحدة . ومثل ذلك قولهم : (ليسك ثم إلا زيد)، يراد: ليسر، و (لا سيك زيد) ، فيراد: ولا سيما زيد، و (بلاك ) فيراد، (بلى) في معنى : (نعم )، و(لبئسك رجلاً، ولنعمك رجلاً). وقالوا : (انظرك زيداً ما أصنع به )، و (أبصرك ما أصنع به )، بمعنى . أبصره . وحكى بعضهم : (أبصركم ما أصنع به )، يراد : أبصروا، و (انظركم زيداً)، أي انظروا . وحكي عن بعض بني كلاب : (أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الومة؟)، فأدخل (الكاف ).
وقال بعض نحوي الكوفة : (أرأيتك عمراً)، أكثر الكلام فيه ترك الهمز. قال : و (الكاف ) من (أرأيتك ) في موضع نصب ، كأن الأصل : أرأيت نفسك على غير هذه الحال ؟ قال : فهذا يغنى ويجمع ويؤنث ، فيقال : (أرأيتما كما) و (أرأيتموكم ) و (وأرأيتنكن ) ، أوقع فعله على نفسه ، وسأله عنها ، ثم كثر به الكلام حتى تركوا (التاء) موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، فقالوا : (أرأيتكم زيداً ما صنع) و (أرأيتكن ما صنع )، فوحدوا التاء وثنوا الكاف وجمعوها، فجعلاها بدلاً من (التاء)، كما قال : " هاؤم اقرؤوا كتابيه " [الحاقة : 19]، و (هاء يا رجل) و (هاؤما)، ثم قالوا : (هاكم )، اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ، يجمع . فكأن (الكاف) في موضع رفع ، إذ كانت بدلاً من (التاء). وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وهي كقول القائل : (عليك زيداً) ، (الكاف) في موضع خفض ، والتأويل رفع . فأما ما يخلب فأكثر ما يقص ، على الأسماء، ثم تأتي بالاستفهام فيقال : (أرأيتك زيداً هل قام)، لأنها صارت بمعنى : أخبرني عن زيد، ثم بين عما يستخبر. فهذا أكثر الكلام . ولم يأت الاستفهام يليها. لم يقل : (أرأيتك هل قمت )، لأنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل ، ثم تبين الحالة التي يسأل عنها. وربما جاء يالجزاء ولم يأت بالاسم ، فقالوا : (أرأيت إن أتيت زيداً هل يأتينا)، و (أرأيتك ) أيضاً، و (أرأيت زيداً إن أتيته هل يأتينا)، إذا كانت بمعنى : (أخبرني )، فيقال باللغات الثلاث .
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام : قل ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام، أخبروني ، إن جاءكم ، أيها القوم ، عذاب الله كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالصاعقة، أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم ، وتبعثون لموقف القيامة، أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء، أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء؟، "إن كنتم صادقين"، يقول : إن كنتم محقين في دعواكم وزعمكم أن آلهتكم التي تدعونها من دون الله تنفع أو تضر.
قوله تعالى :" قل أرأيتكم " وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين يلقي حركة الأولى على ما قبلها، ويأتي بالثانية بين بين. وحكى أبو عبيد عنه أنه يسقط الهمزة ويعوض منها ألفاً.
ساكنان. قال مكي: وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفاً، لأن الرواية عنه أنه يمد الثانية، والمد لا يتمكن إلا مع البدل، والبدل فرع عن الأصول، والأصل أن تجعل الهمزة بين الهمزة المفتوحة والألف، وعليه كل من خفف الثانية غير ورش، وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن لأن الأول حرف مد ولين فالمد الذي يحدث مع الساكن يقوم مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني .
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة " أرأيتكم " بتحقيق الهمزتين وأتوا بالكلمة على أصلها والأصل الهمز، لأن همزة الاستفهام دخلت على رأيت فالهمزة عين الفعل والياء ساكنة لاتصال المضمر المرفوع بها.
وقرأ عيسى بن عمر والكسائي "أرأيتكم" بحذف الهمزة الثانية، قال النحاس: وهذا بعيد في العربية وإنما يجوز في الشعر، والعرب تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه.ومذهب البصريين أن الكاف والميم للخطاب، لاحظ لهما في الإعراب، وهو اختيار الزجاج. ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما والمعنى أرأيتم أنفسكم فإذا كانت للخطاب- زائدة للتأكيد- كان إن من قوله " إن أتاكم " في موضع نصب على المفعول لرأيت، وإذا كان اسماً في موضع نصب ف أن في موضع المفعول الثاني، فالأول من رؤية العين لتعديها لمفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين وقوله " أو أتتكم الساعة" المعنى: أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها . ثم قال : " أغير الله تدعون إن كنتم صادقين " والآية في محاجة المشركين ممن اعترف أن له صانعاً، أي أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله، وسترجعون إليه يوم القيامة أيضاً فلم تصرون على الشرك في حال الرفاهية ؟ وكانوا يعبدون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب .
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه "بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون" أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء" يعني الفقر والضيق في العيش, "والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام, "لعلهم يتضرعون" أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن "قست قلوبهم" أي ما رقت ولا خشعت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, "فلما نسوا ما ذكروا به" أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" أي من الأموال والأولاد والأرزاق, "أخذناهم بغتة" أي على غفلة, "فإذا هم مبلسون" أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الايس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً .
وقال مالك عن الزهري "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين ـ يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ـ عن حرملة بن عمران, التجيبي! عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا عراك بن خالد بن يزيد, حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عبادة بن الصامت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف, وإذا أراد الله بقوم اقتطاعاً, فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة, "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" كما قال "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" ورواه أحمد وغيره .
قوله: 40- "أرأيتكم" الكاف والميم عند البصريين للخطاب ولا حظ لهما في الإعراب، وهو اختيار الزجاج. وقال الكسائي والفراء وغيرهما: إن الكاف والميم في محل نصب بوقوع الرؤية عليهما. والمعنى: أرأيتم أنفسكم. قال الكشاف مرجحاً للمذهب الأول: إنه لا محل للضمير الثاني، يعني الكاف من الإعراب، لأنك تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلاً لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيداً ما شأنه وهو خلف من القول انتهى. والمعنى: أخبروني "إن أتاكم عذاب الله" كما أتى غيركم من الأمم "أو أتتكم الساعة" أي القيامة "أغير الله تدعون" هذا على طريقة التبكيت والتوبيخ: أي أتدعون غير الله في هذه الحالة من الأصنام التي تعبدونها أم تدعون الله سبحانه، وقوله: "إن كنتم صادقين" تأكيد لذلك التوبيخ: أي أغير الله من الأصنام تدعون إن كنتم صادقين أن أصنامكم تضر وتنفع وأنها آلهة كما تزعمون.
40- قوله تعالى: " قل أرأيتكم "، هل رأيتم ؟ والكاف فيه للتأكيد،وقال الفراء : العرب تقول أرأيتك، وهم يريدون أخبرنا، كما تقول: أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل ؟أي: أخبرني، وقرأ أهل المدينة ( أرأيتكم، وأرايتم، وأرايت) بتليين الهمزة الثانية، و الكسائي بحذفها، قال ابن عباس: قل يا محمد لهؤلاء المشركين أرأيتكم، " إن أتاكم عذاب الله "، قبل الموت، " أو أتتكم الساعة "، يعني: القيامة، " أغير الله تدعون "، في صرف العذاب عنكم، " إن كنتم صادقين "،وأراد أن الكفار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر الله عنهم: " وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين " (لقمان،32) .
40 " قل أرأيتكم " استفهام تعجيب ، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب لأنك تقول : أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت الكاف مفعولا كما قاله الكوفيون لعديت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل ، وللزم في الآية أن يقال : أرأيتكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره : أرأيتكم آلهتكم تنفعكم . إذ تدعونها . وقرأ نافع أرأيتكم وأرأيت وأرأيتم وأفرأيتم وأفرأيت وشبهها إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة التي بعد الراء و الكسائي يحذفها أصلاً والباقون يحققونها و حمزة إذا وقف وافق نافعا . " إن أتاكم عذاب الله " كما أتى من قبلكم . " أو أتتكم الساعة " وهو لها ويدل عليه . " أغير الله تدعون " وهو تبكيت لهم . " إن كنتم صادقين " أن الأصنام آلهة وجوابه محذوف أي فادعوه .
40. Say: Can ye see yourselves, if the punishment of Allah come upon you or the Hour come upon you, calling upon other than Allah? Do ye then call (for help) to any other than Allah? (Answer that) if ye are truthful.
40 - Say: think ye to yourselves, if there come upon you the wrath of God, or the hour (that ye dread), would ye then call upon other than God? (reply) if ye are truthful