40 - (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)
وقوله " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " يقول تعالى ذكره : ولقد سهلنا القرآن للذكر لمن أراد التذكر به فهل من متعظ ومعتبر به فينزجر به عما نهاه الله عنه إلى ما أمره به وأذن له فيه .
قوله تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " تقدم .
يقول تعالى مخبراً عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه, وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين, ولهذا أهلكهم الله هلاكاً لم يهلكه أمة من الأمم, فإنه تعالى أمر جبريل عليه السلام فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عنان السماء, ثم قلبها عليهم وأرسلها وأتبعت بحجارة من سجيل منضود, ولهذا قال ههنا: "إنا أرسلنا عليهم حاصباً" وهي الحجارة "إلا آل لوط نجيناهم بسحر" أي خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم, ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ولا رجل واحد, حتى ولا امرأته أصابها ما أصاب قومها, وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالماً لم يمسسه سوء, ولهذا قال تعالى: "كذلك نجزي من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا" أي ولقد كان قبل حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه فما التفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه بل شكوا فيه وتماروا به.
"ولقد راودوه عن ضيفه" وذلك ليلة ورد عليه الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مرد حسان محنة من الله بهم, فأضافهم لوط عليه السلام, وبعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها فأعلمتهم بأضياف لوط, فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان, فأغلق لوط دونهم الباب, فجعلوا يحاولون كسر الباب, وذلك عشية ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ويقول لهم: "هؤلاء بناتي" يعني نساءهم " إن كنتم فاعلين " " قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق " أي ليس لنا فيهن أرب "وإنك لتعلم ما نريد" فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول, خرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب أعينهم بطرف جناحه, فانطمست أعينهم, يقال إنها غارت من وجوههم, وقيل إنه لم تبق لهم عيون بالكلية, فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان, ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح. قال الله تعالى: "ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر" أي لا محيد لهم عنه ولا انفكاك لهم منه "فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
40- " فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " قد تقدم تفسير هذا في هذه السورة، ولعل وجه تكرير تيسير القرآن للذكر في هذه السورة الاشعار بأنه منة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يغفل عن شكرها.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً" قال: باردة "في يوم نحس" قال أيام شداد. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر" وأخرجه عنه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعاً. وأخرجه ابن مردويه عن علي مرفوعاً. وأخرجه ابن مردويه أيضاً عن أنس مرفوعاً، وفيه "قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأهلك فيه عاداً وثموداً". وأخرج ابن مردويه والخطيب بسند. قال السيوطي: ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر". وأخرج ابن المنذر عنهم "كأنهم أعجاز نخل" قال: أصول النخل "منقعر" قال: منقلع. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: أعجاز سواد النخل. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً "وسعر" قال شقاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً قال "كهشيم المحتظر" قال: كحظائر من الشجر محترقة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال: كالعظام المحترقة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال: كالحشيش تأكله الغنم.
40. " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
40-" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " كرر ذلك في كل قصة إشعاراً بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ ، واستئنافاً للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة ، وهكذا تكرير قوله : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " . " ويل يومئذ للمكذبين " ونحوهما .
40. And in truth We have made the Quran easy to remember; but is there any that remembereth?
40 - And We have indeed made the Quran easy to understand and remember: then is there any that will receive admonition?