40 - (ولقد أتوا) مر كفار مكة (على القرية التي أمطرت مطر السوء) مصدر ساء بالحجارةة وهي عظمى قرى قوم لوط فأهلك الله أهلها لفعلهم الفاحشة (أفلم يكونوا يرونها) في سفرهم إلى الشام فيعتبروا والاستفهام للتقرير (بل كانوا لا يرجون) يخافون (نشورا) بعثا فلا يؤمنون
يقول تعالى ذكره : و لقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجورا على القرية التي أمطرها الله مطر السوء و هي سدوم ، قرية قوم لوط ، و مطر السوء : هو الحجارة التي أمطرها الله عليهم فأهلكهم بها .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، " ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء " قال : حجارة ، و هي قرية قومم لوط ، و اسمها سدوم . قال ابن عباس : خمس قريات ، فأهلك الله أربعة ، و بقيت الخامسة ، و اسمها صعوة ، لم تهلك صعوة ، كان أهلها لا يعملون ذلك العمل ، و كانت سدوم أعظمها ، و هي التي نزل بها لوط ،و منها بعث ، و كان إبراهيم صلى الله عليه و سلم ينادي نصيحة لهم : يا سدوم ، يوم لكم من الله ، أنهاكم أن تعرضوا لعقوبة الله ، زعموا أن لوطا ابن أخي إيراهيم صلوات الله عليهما .
و قوله " أفلم يكونوا يرونها " يقول جل ثناؤه : أو لم يكن هؤلاء المشركون الذين قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء يرون تلك القرية ، و ما نزل بها من عذاب الله تبكذيب أهلها رسلهم ، فيعتبروا و يتذكروا ، فيراجعوا التوبة من كفرهم و تكذيبهم محمدا صلى الله عليه و سلم " بل كانوا لا يرجون نشورا " يقول تعالى ذكره : ما كذبوا محمدا فيما جاءهم به من عند الله ، لأنهم لم يكونوا رأوا ما حل بالقرية التي وصفت ، ولكنهم كذبون من أجل أنهم قوم لا يخافون نشورا بعد الممات ، يعني أنهم لا يوقنون بالعقاب و الثواب ، ولا يؤمنون يقيام الساعة نفيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله .
وينحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأيول .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا " : بعثا .
قوله تعالى : " ولقد أتوا على القرية "يعني مشركي مكة . والقرية قرية قوم لوط و(مكر السوء ) الحجارة التي أمطروا بها . " أفلم يكونوا يرونها " أي في أسفارهم ليعتبروا . قال ابن عباس : كانت قريش في تجرتها إلى الشام تمر بمدائن قوم لوط كم قال الله تعالى : " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين " [ الصافات : 137] وقال : " إنهما لبإمام مبين " [الحجر : 79 ] وقد تقدم . " بل كانوا لا يرجون نشورا " أي لا يصدقون بالبعث . ويجوز أن يكون معنى " يرجون " يخافون . ويجوز أن يكون عل ى بابه ويكون معناه : بل كانوا يرجون ثواب الآخرة .
يقول تعالى متوعداً من كذب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه, ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله, فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيراً, أي نبياً مؤازراً ومؤيداً وناصراً, فكذبهما فرعون وجنوده " دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها " وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام, ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل, إذ لا فرق بين رسول ورسول, ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون, ولهذا قال تعالى: "وقوم نوح لما كذبوا الرسل" ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط, وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل, ويحذرهم نقمه "وما آمن معه إلا قليل" ولهذا أغرقهم الله جميعاً ولم يبق منهم أحداً, ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط "وجعلناهم للناس آية" أي عبرة يعتبرون بها, كما قال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق, وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره.
وقوله تعالى: "وعاداً وثمود وأصحاب الرس" قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة, كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة. وأما أصحاب الرس, فقال ابن جريج عن ابن عباس : هم أهل قرية من قرى ثمود. وقال ابن جريج : قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج, وهم أصحاب يس. وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله "وأصحاب الرس" قال: بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكير , عن عكرمة : الرس بئر رسوا فيها نبيهم, أي دفنوه بها.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود, وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود, ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها, ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم, قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره, ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاماً وشراباً, ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة, ويعينه الله تعالى عليها, فيدلي إليه طعامه وشرابه, ثم يردها كما كانت, قال: فكان ذلك ما شاء الله أن يكون, ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع, فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها, فلما أراد أن يحتملها وجد سنة, فاضطجع فنام, فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً, ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الاخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى, ثم إنه هب واحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار, فجاء إلى القرية فباع حزمته, ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع, ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه, فالتمسه فلم يجده, وكان قد بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه, قال: فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل, فيقولون له: لا ندري, حتى قبض الله النبي, هب الأسود من نومته بعد ذلك" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة" وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب مرسلاً, وفيه غرابة ونكارة, ولعل فيه إدراجاً, والله أعلم. وقال ابن جرير : لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن, لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم, وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم, والله أعلم. واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج, فا لله أعلم.
وقوله تعالى: "وقروناً بين ذلك كثيراً" أي وأمما أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة, ولهذا قال "وكلا ضربنا له الأمثال" أي بينا لهم الحجج ووضحنا لهم الأدلة, كما قال قتادة : وأزحنا الأعذار عنهم "وكلا تبرنا تتبيراً" أي أهلكنا إهلاكاً, كقوله تعالى: "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" والقرن هو الأمة من الناس, كقوله "ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين" وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة. وقيل بمائة. وقيل بثمانين, وقيل أربعين, وقيل غير ذلك, والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهم قرن آخر, كما ثبت في الصحيحين "خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم" الحديث "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء" يعني قرية قوم لوط, وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل, كما قال تعالى: "وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين" وقال "وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون" وقال تعالى: "وإنها لبسبيل مقيم" وقال "وإنهما لبإمام مبين" ولهذا قال "أفلم يكونوا يرونها" أي فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله "بل كانوا لا يرجون نشوراً" يعني المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً, أي معاداً يوم القيامة.
40- "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء" هذه جملة مستأنفة مبينة لمشاهدتهم لآثار هلاك بعض الأمم. والمعنى: ولقد أتوا: أي مشركو مكة على قرية قوم لوط التي أمطرت مطر السوء. وهو الحجارة: أي هلكت بالحجارة التي أمطروا بها، وانتصاب مطر على المصدرية، أو على أنه مفعول ثان: إذ المعنى أعطيتها وأوليتها مطر السوء، أو على أنه نعت مصدر محذوف: أي إمطار مثل مطر السوء، وقرأ أبو السمال السوء بضم السين، وقد تقدم تفسير السوء في براءة "أفلم يكونوا يرونها" الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي يرون القرية المذكورة عند سفرهم إلى الشام للتجارة، فإنهم يمرون بها، والفاء للعطف على مقدر: أي لم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها "بل كانوا لا يرجون نشوراً" أضرب سبحانه عما سبق من عدم رؤيتهم لتلك الآثار إلى عدم رجاء البعث منهم المستلزم لعدم رجائهم للجزاء، ويجوز أن يكون معنى يرجون يخافون.
40- "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء"، يعني الحجارة، وهي قريات قوم لوط، وكانت خمس قرى، فأهلك الله أربعاً منها، ونجت واحدة، وهي أصغرها، وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث، "أفلم يكونوا يرونها"، إذا مروا بهم في أسفارهم فيعتبروا ويتذكروا، لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم عند ممرهم إلى الشام، " بل كانوا لا يرجون "، لا يخافون، "نشوراً"، بعثاً.
40ـ " ولقد أتوا " يعني قريشاً مروا مراراً في متاجرهم إلى الشام . " على القرية التي أمطرت مطر السوء " يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت عليها الحجارة . " أفلم يكونوا يرونها " في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله . " بل كانوا لا يرجون نشوراً " بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشوراً ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم ، أو لا يأملون نشوراً كما يأمله المؤمنون طمعاً في الثواب أو لا يخافونه على اللغة التهامية .
40. And indeed they have passed by the township whereon was rained the fatal rain. Can it be that they have not seen it? Nay, but they hope for no resurrection.
40 - And the (Unbelievers) must indeed have passed by the town on which was rained a shower of evil: did they not then see it (with their own eyes)? But they fear not the Resurrection.