40 - (ومنهم) أي أهل مكة (من يؤمن به) لعلم الله ذلك منهم (ومنهم من لا يؤمن به) أبداً (وربك أعلم بالمفسدين) تهديد لهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن قومك، يا محمد، من قريش، من سوف يؤمن به، يقول: من سوف يصدق بالقرآن ويقر أنه من عند الله، " ومنهم من لا يؤمن به " أبداً، يقول: ومنهم من لا يصدق به ولا يقر أبداً، " وربك أعلم بالمفسدين "، يقول: والله أعلم بالمكذبين به منهم، الذين لا يصدقون به أبداً، من كل أحد، لا يخفى عليه، وهو من وراء عقابه. فأما من كتبت له أنه يؤمن به منهم، فإني سأتوب عليه.
قوله تعالى: "ومنهم من يؤمن به" قيل: المراد أهل مكة، أي ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن طال تكذيبه، لعلمه تعالى السابق فيهم أنهم من السعادة. و من رفع بالابتداء والخبر في المجرور. وكذا. "ومنهم من لا يؤمن به" والمعنى ومنهم من يصر على كفره حتى يموت، كأبي طالب وأبي لهب ونحوهما. وقيل: المراد أهل الكتاب. وقيل: هو عام في جميع الكفار، وهو الصحيح. وقيل: إن الضمير في به يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فأعلم الله سبحانه أنه إنما أخر العقوبة لأن منهم من سيؤمن. "وربك أعلم بالمفسدين" أي من يصر على كفره، وهذا تهديد لهم.
هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني العزيزة النافعة في الدنيا والاخرة لا تكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ولهذا قال تعالى: "وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله" أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ولا يشبه هذا كلام البشر "ولكن تصديق الذي بين يديه" أي من الكتب المتقدمة ومهيمناً عليه ومبيناً لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل وقوله: "وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بياناً شافياً كافياً حقاً لا مرية فيه من الله رب العالمين كما تقدم في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه. وقوله: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " أي إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله وقلتم كذباً وميناً إن هذا من عند محمد فمحمد بشر مثلكم وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن فأتوا أنتم بسورة مثله, أي من جنس هذا القرآن واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان.
وهذا هو المقام الثالث في التحدي فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده وليستعينوا بمن شاءوا وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ولا سبيل لهم إليه فقال تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في أول سورة هود: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " ثم تنازل إلى سورة فقال في هذه السورة: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " وكذا في سورة البقرة وهي مدنية تحداهم بسورة منه وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبداً فقال: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار" الاية, هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم, وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب, ولكن جاءهم من الله مالا قبل لأحد به, ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته وجزالته وطلاوته وإفادته وبراعته فكانوا أعلم الناس به وأفهمهم له وأتبعهم له وأشدهم له انقياداً كما عرف السحرة لعلمهم بفنون السحر أن هذا الذي فعله موسى عليه السلام لا يصدر إلا عن مؤيد مسدد مرسل من الله وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله. وكذلك عيسى عليه السلام بعث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى فكان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله, ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه فعرف من عرف منهم أنه عبد الله ورسوله.
ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الايات ما آمن على مثله البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً". وقوله: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله" يقول بل كذب هؤلاء بالقرآن ولم يفهموه ولا عرفوه "ولما يأتهم تأويله" أي ولم يحصلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلاً وسفهاً "كذلك كذب الذين من قبلهم" أي من الأمم السالفة "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" أي فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلماً وعلواً وكفراً وعناداً وجهلاً فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم. وقوله: "ومنهم من يؤمن به" الاية, أي ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويتبعك وينتفع بما أرسلت به "ومنهم من لا يؤمن به" بل يموت على ذلك ويبعث عليه "وربك أعلم بالمفسدين" أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ؟ ومن يستحق الضلالة فيضله, وهو العادل الذي لا يجور, بل يعطي كلاً ما يستحقه تبارك وتعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو.
قوله: 40- "ومنهم من يؤمن به" أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن من يؤمن به في نفسه ويعلم أنه صدق وحق، ولكنه كذب به مكابرة وعناداً، وقيل المراد: ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال، والموصول مبتدأ، وخبره منهم "ومنهم من لا يؤمن به" ولا يصدقه في نفسه، بل كذب به جهلاً كما مر تحقيقه، أو لا يؤمن به في المستقبل، بل يبقى على جحوده وإصراره، وقيل الضمير في الموضعين للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيل إن هذا التقسيم خاص بأهل مكة، وقيل عام في جميع الكفار "وربك أعلم بالمفسدين" فيجازيهم بأعمالهم، والمراد بهم: المصرون المعاندون، أو بكلا الطائفتين، وهم الذين يؤمنون به في أنفسهم ويكذبون به في الظاهر، والذين يكذبون به جهلاً، أو الذين يؤمنون به في المستقبل، والذي لا يؤمنون به.
40-"ومنهم من يؤمن به"، أي: من قومك من يؤمن بالقرآن، "ومنهم من لا يؤمن به"، لعلم الله السابق فيهم، "وربك أعلم بالمفسدين"، الذين لا يؤمنون.
40."ومنهم"ومن المكذبين. "من يؤمن به"من يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند ، أو من سيؤمن به ويتوب عن الكفر."ومنهم من لا يؤمن به"في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره ،أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر، " وربك أعلم بالمفسدين "بالمعاندين أو المصرين .
40. And of them is he who believeth therein, and of them is he who believeth not therein, and thy Lord is best aware of the corrupters.
40 - of them there are some who believe therein and some who do not: and thy lord knoweth best those who are out for mischiet.