4 - (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) النبي ومن ذكر معه (والله ذو الفضل العظيم)
وقوله : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " يقول تعالى ذكره : هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب وفي آخرين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ، ويفعل سائر ما وصف ، فضل الله ، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم " يؤتيه من يشاء " ، يقول : يؤتي فضله ذلك من يشاء من خلقه ، لا يستحق الذم ممن حرمه الله إياه ، لأنه لم يمنعه حقاً كان له قبله ، ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره ، ولكنه علم من هو له فضل فأودعه إياه ، وجعله عنده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " قال : الفضل : الدين " والله ذو الفضل العظيم " يقول : والله ذو الفضل على عباده ، المحسن منهم والمسيء ، والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم ، العظيم الذي يقل فضل كل ذي فضل عنده .
قوله تعالى : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "
قال ابن عباس : حيث ألحق العجم بقريش . وقيل : يعني الإسلام ، فضل الله يؤتيه من يشاء قاله الكلبي .وقيل: يعني الوحي والنبوة ،قاله مقاتل . وقول رابع - إنه المال ينفق في الطاعة ، وهو معنى قول أبي صالح . وقد" روى مسلم عن ابي صالح :عن أبي هريرة : أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم . فقال وما ذلك ؟ قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولانتصدق ويعتقون ولا نعتق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أعلمكم شيئا تذكرون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم قالوا: بلى يا رسول الله ،قال تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة . " قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين إلى سول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " . وقول خامس - إنه انقاد الناس إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهم في دينة ونصرته .والله أعلم .
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات وما في الأرض, أي من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها, كما قال تعالى: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" ثم قال تعالى: "الملك القدوس" أي هو مالك السموات والأرض المتصرف فيهما بحكمه, وهو المقدس, أي المنزه عن النقائص الموصوف بصفات الكمال "العزيز الحكيم" تقدم تفسيرهما غير مرة. وقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" الأميون هم العرب, كما قال تعالى: "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم, ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر, كما قال تعالى في قوله: "وإنه لذكر لك ولقومك" وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به, وكذا قال تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين " وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" وقوله: "لأنذركم به ومن بلغ" وقوله تعالى إخباراً عن القرآن: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" إلى غير ذلك من الايات الدالة على عموم بعثته, صلوات الله وسلامه عليه, إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم, وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام بالايات والأحاديث الصحيحة, ولله الحمد والمنة.
وهذه الاية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم, حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم, يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة, فبعثه الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة على حين فترة من الرسل وطموس من السبل, وقد اشتدت الحاجة إليه, وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب, أي نزراً يسيراً ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام, ولهذا قال تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" وذلك أن العرب كانوا قديماً متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام, فبدلوه وغيروه وقلبوه وخالفوه واستبدلوا بالتوحيد شركاً وباليقين شكاً, وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله, وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها, فبعث الله محمداً صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق, فيه هدايتهم والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم, والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا الله عنهم, والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله تعالى حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الأصول والفروع, وجمع له تعالى وله الحمد والمنة جميع المحاسن ممن كان قبله وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين ولا يعطيه أحداً من الاخرين, فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين.
وقوله تعالى: " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم" قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله, حدثنا سليمان بن بلال عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" قالوا: من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثاً, وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال ـ أو رجل ـ من هؤلاء" ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير من طرق, عن ثور بن زيد الديلي عن سالم أبي الغيث عن أبي هريرة به, ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية وعلى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس, لأنه فسر قوله تعالى: "وآخرين منهم" بفارس, ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم, يدعوهم إلى الله عز وجل وإلى اتباع ما جاء به, ولهذا قال مجاهد وغير واحد في قوله تعالى: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" قال: هم الأعاجم وكل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم من غير العرب, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا أبو محمد عيسى ابن موسى عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب" ثم قرأ: " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" يعني بقية من بقي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: "وهو العزيز الحكيم" أي: ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره, وقوله تعالى: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" يعني ما أعطاه الله محمداً صلى الله عليه وسلم من النبوة العظيمة وما خص به أمته من بعثته صلى الله عليه وسلم إليهم.
والإشارة بقوله: 4- "ذلك" إلى ما تقدم ذكره. وقال الكلبي: يعني الإسلام. وقال قتادة: يعني الوحي والنبوة. وقيل إلحاق العجم بالعرب، وهو مبتدأ وخبره "فضل الله يؤتيه من يشاء" أي يعطيه من يشاء من عباده "والله ذو الفضل العظيم" الذي لا يساويه فضل ولا يداينه.
4- "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، يعني الإسلام والهداية. "والله ذو الفضل العظيم".
4-" ذلك فضل الله " ذلك الفضل الذي امتاز به عن أقرانه فضله . " يؤتيه من يشاء " تفضلاً وعطية . "والله ذو الفضل العظيم " الذي يستحقر دونه نعيم الدنيا ، أو نعيم الآخرة أو نعيمهما .
4. That is the bounty of Allah; which he giveth unto whom he will. Allah is of infinite bounty.
4 - Such is the Bounty of God, which He bestows on whom He will: and God is the Lord of the highest bounty.