(وآتوا) أعطوا (النساء صَدُقاتهن) جمع صدُقة ، مهورهن (نِحلةً) مصدر ، عطية عن طيب نفس (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً) تمييز محول عن الفاعل ، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصِداق فوهبنه لكم (فكلوه هنيئاً) طيباً (مريئاً) محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة ، نزلت رداً على من كرَّه ذلك
قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان الرجل اذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك فأنزل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة، وفريضة لازمة.
يقال منه: نحل فلان فلاناً كذا فهو ينحله نحلة ونحلاً، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، يقول : فريضة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال : أخبرني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، يعني بـ النحلة، المهر.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، قال: فريضة مسماة.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد يقول في قوله: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، قال : النحلة في كلام العرب ، الواجب ، يقول : لا ينكحها إلا بشيء واجب لها، صدقة يسميها لها واجبة، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة، بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذباً بغير حق.
وقال آخرون: بل عنى بقوله : "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، أولياء النساء، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن سيار، عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوج أيمه أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك ، ونزلت : "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة".
وقال آخرون : بل كان ذلك من أولياء النساء، بأن يعطي الرجل أخته لرجل، على أن يعطيه الآخر أخته ، على أن لا كثير مهر بينهما، فنهوا عن ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرمي أن أناساً كانوا يعطي هذا الرجل أخته، ويأخذ أخت الرجل ، ولا يأخذون كثير مهر، فقال الله تبارك وتعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة".
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك ، التأويل الذي قلناه. وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساء، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن ، وعرفهم سبيل النجاة من ظلمهن. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين قيل لهم : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، هم الذين قيل لهم : "وآتوا النساء صدقاتهن"، وأن معناه : وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في أول [الآية]: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ولم يقل: فانكحوا، فيكون قوله : "وآتوا النساء صدقاتهن"، مصروفاً إلى أنه معني به أولياء النساء دون أزواجهن.
وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهن والمسمى لهن الصداق ، أن يؤتوهن صدقاتهن ، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسم لها في عقد النكاح صداق.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن وهب لكم، أيها الرجال ، نساؤكم شيئاً من صدقاتهن ، طيبة بذلك أنفسهن ، فكلوه هنيئاً مريئاً، كما:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا عمارة، عن عكرمة: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، قال: المهر.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني حرمي بن عمارة قال ، حدثنا شعبة، عن عمارة، عن عكرمة، عن عمارة في قول الله تبارك وتعالى: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، قال: الصدقات.
حدثني المثنى قال ، حدثني الحماني قال ، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، قال: الأزواج.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم، عن عبيدة قال ، قال لي إبراهيم: أكلت من الهنيء المريء! قلت : ما ذاك؟ قال : امرأتك أعطتك من صداقها.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه ، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره ، فقال له علقمة: ادن فكل من الهنيء المريء.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"، يقول: إذا كان غير إضرار ولا خديعة، فهو هنيء مريء، كما قال الله جل ثناؤه.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، قال : الصداق ، "فكلوه هنيئا مريئا".
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد يقول في قوله : "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" بعد أن توجبوه لهن وتحلوه ، "فكلوه هنيئا مريئا".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن أناساً كانوا يتأثمون أن يراجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته، فقال الله تبارك وتعالى: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا".
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"، يقول: ما طابت به نفساً في غير كره أو هوان، فقد أحل الله لك ذلك أن تأكله هنيئاً مريئاً.
وقال آخرون: بل عني بهذا القول أولياء النساء، فقيل لهم: إن طابت أنفس النساء اللواتي إليكم عصمة نكاحهن ، بصدقاتهن نفساً، فكلوه هنيئاً مريئاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا سيار، عن أبي صالح في قوله: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، قال: كان الرجل إذا زوج ابنته ، عمد إلى صداقها فأخذه ، قال : فنزلت هذه الآية في الأولياء: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا".
قال أبو جعفر وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، التأويل الذي قلنا، وأن الآية مخاطب بها الأزواج . لأن افتتاح الآية مبتدأ بذكرهم ، وقوله : "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، في سياقه.
وإن قال قائل: فكيف قيل : "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، وقد علمت أن معنى الكلام : فإن طابت لكم أنفسهن بشيء؟ وكيف وحدت النفس، والمعنى للجميع؟ وذلك أنه تعالى ذكره قال: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة".
قيل: أما نقل فعل النفوس إلى أصحاب النفوس ، فإن ذلك المستفيض في كلام العرب. من كلامها المعروف : ضقت بهذا الأمر ذراعاً وذرعاً، وقررت بهذا الأمر عيناً ، والمعنى: ضاق به ذرعي، وقرت به عيني ، كما قال الشاعر:
إذا التياز ذو العضلات قلنا: إليك، إليك! ضاق بها ذراعا
فنقل صفة الذراع إلى رب الذراع ، ثم أخرج الذراع مفسرة لموقع الفعل.
وكذلك وحد النفس في قوله : "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، إذ كانت النفس مفسرة لموقع الخبر.
وأما توحيد النفس من النفوس ، لأنه إنما أراد الهوى، و الهوى يكون جماعة، كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى، فأما عظامها فبيض، وأما جلدها فصليب
وكما قال الآخر:
في خلقكم عظم وقد شجينا
وقال بعض نحويي الكوفة: جائز في النفس في هذا الموضع الجمع والتوحيد، "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا"، و أنفساً و ضقت به ذراعاً و ذرعاً و أذرعاً، لأنه منسوب إليك وإلى من تخبر عنه ، فاكتفي بالواحد عن الجمع لذلك ، ولم يذهب الوهم إلى أنه ليس بمعنى جمع ، لأن قبله جمعاً.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن النفس وقع موقع الأسماء التي تأتي بلفظ الواحد، مؤديةً معناه إذا ذكر بلفظ الواحد، وأنه بمعنى الجمع عن الجميع.
وأما قوله: "هنيئا"، فإنه مأخوذ من: هنأت البعير بالقطران، إذا جرب فعولج به ، كما قال الشاعر:
متبذلاً تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب
فكان معنى قوله: "فكلوه هنيئا مريئا"، فكلوه دواء شافياً.
يقال منه: هنأني الطعام ومرأني، أي صار لي دواء وعلاجاً شافياً، وهنئني ومرئني بالكسر، وهي قليلة. والذين يقولون هذا القول ، يقولون: يهنأني ويمرأني ، والذين يقولون : هنأني يقولون: يهنيني ويمريني . فإذا أفردوا قالوا: قد أمرأني هذا الطعام إمراءً . ويقال : هنأت القوم إذا علتهم ، سمع من العرب من يقول: إنما سميت هانئاً لتهنأ، بمعنى: لتعول وتكفي.
فيه عشر مسائل:
الأولى- قوله تعالى:" وآتوا النساء صدقاتهن" الصدقات جمع الواحدة صدقة. قال الأخفش: وبنوا تميم يقولون صدقة والجمع صدقات، وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت. قال المازني: يقال صداق المرأة بالكسر، ولا يقال بالفتح، وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النحاس والخطاب في هذه الآية للأزواج قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وابن جريج أمرهم الله تعالى بأن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم وقيل: الخطاب للأولياء قاله أبو صلاح. وكان الولي يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها شيئاً، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهن. قال في رواية الكلبي: إن أهل الجاهلية كان الولي إذا زوجها فإن كانت معه في العشرة لم يعطها من مهرها كثيراً ولا قليلاً وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئاً غير ذلك البعير، فنزل :" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: زعم حضرمي أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور. والأول أظهر، فإن الضمائر واحدة وهي بجملتها للأزواج فهم المراد لأنه قال:" وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " إلى قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" وذلك يوجب تناسق الضمائر وأن يكون الأول فيها هو الآخر.
الثانية- هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض أهل العلم من أهل العراق أن السيد إذا زوج عبده من أمته أنه لا يجب فيه صداق، وليس بشيء، لقوله تعالى:" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فعم وقال : "فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف" [النساء :25] وأجمع العلماء أيضاً أنه لا حد لكثيره واختلفوا في قليله على ما يأتي بيانه في قوله:" وآتيتم إحداهن قنطارا" [النساء: 20] وقرأ الجمهور صدقاتهن بفتح الصاد وضم الدال وقرأ قتادة صدقاتهن بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ النخعي وابن وثاب بضمهما والتوحيد صدقتهن.
الثالثة- قوله تعالى:" نحلة " النحلة والنحلة، بكسر النون وضمها لغتان. وأصلها من العطاء، نحلت فلاناً شيئاً أعطيته. فالصداق عطية من الله تعالى للمرأة. وقيل: نحلة أي عن طيب نفس من الأزواج من غير تنازع وقال قتادة: معنى نحلة فريضة واجبة.
ابن جريج وابن زيد: فريضة مسماه قال أبو عبيد: ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة وقال الزجاج: نحلة تديناً والنحلة الديانة والملة يقال: هذا نحلته أي دينه. وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية، حتى قال بعض النساء في زوجها :
لا يأخذ الحلوان من بناتنا
تقول : لا يفعل غيره. فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء، ونحلة منصوبة على أنها حال من الأزواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نحلة وقيل: هي نصب على التفسير. وقيل: هي مصدر على غير مصدر في موضع الحال.
الرابعة- قوله تعالى:" فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" مخاطبة للأزواج، ويدل بعمومة على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكراً كانت أو ثيباً جائزة، وبه قال جمهور الفقهاء ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن الملك لها. وزعم الفراء أنه مخاطبة للأولياء، لأنهم كانوا يأخذون الصداق ولا يعطون المرأة منه شيئاً، فلم يبح لهم منه إلا ما طابت به نفس المرأة. والقول الأول أصح، لأنه لم يتقدم للأولياء ذكر، والضمير في منه عائد على الصداق وكذلك قال عكرمة وغيره وسبب الآية فيما ذكر أن قوماً تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت " فإن طبن لكم".
الخامسة- واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه إلا أن شريحاً رأى الرجوع لها فيه، واحتج بقوله:" فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفساً. قال ابن العربي: وهذا باطل، لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها، إذ ليس المراد صورة الأكل وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال وهذا بين .
السادسة- فإن شرطت عليه عند عقد النكاح ألا يتزوج عليها، وحطت عنه لذلك شيئاً من صداقها، ثم تزوج عليها فلا شيء لها عليه في رواية ابن القاسم، لأنها شرطت عليه ما لا يجوز شرطه. كما اشترط أهل بريرة أن تعتقها عائشة والولاء لبائعها، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم العقد وأبطل الشرط. كذلك ههنا يصح إسقاط بعض الصداق عنه وتبطل الزيجة. وقال ابن عبد الحكم: إن كان بقي من صداقها مثل صداق مثلها أو أكثر لم ترجع عليه بشيء وإن كانت وضعت عنه شيئاً من صداقها فتزوج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها، لأنه شرط على نفسه شرطاً وأخذ عنه عوضاً كان لها واجباً أخذه منه فوجب عليه الوفاء "لقوله عليه السلام:
المؤمنون عند شروطهم"
السابعة- وفي الآية دليل على أن العتق لا يكون صداقاً، لأنه ليس بمال، إذ لا يمكن المرأة هبته ولا الزوج أكله. وبه قال مالك وأبو حنيفة وزفر ومحمد والشافعي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق ويعقوب: يكون صداقاً ولا مهر لها غير العتق، على حديث صفية -رواه الأئمة :
"إن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها". وروي عن أنس أنه فعله وهو راوي حديث صفية وأجاب الأولون بأن قالوا: لا حجة في حديث صفية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً في النكاح بأن يتزوج بغير صداق، وقد أراد زينب فحرمت على زيد فدخل عليها بغير ولي ولا صداق فلا ينبغي الاستدلال بمثل هذا والله أعلم.
الثامنة- قوله تعالى:" نفسا" قيل: هو منصوب على البيان ولا يجيز سيبويه ولا الكوفيون أن يتقدم ما كان منصوباً على البيان، وأجاز ذلك المازني وأبو العباس المبرد إذا كان العامل فعلاً. وأنشد:
وما كان نفساً بالفراق تطيب
وفي التنزيل" خشعا أبصارهم يخرجون" [القمر:7]فعلى هذا يجوز شحماً تفقأت ووجها حسنت وقال أصحاب سيبويه : إن نفسا منصوبة بإضمار فعل تقديره أعني نفساً وليست منصوبة على التمييز، وإذا كان هذا فلا حجة فيه وقال الزجاج: الرواية:
وما كان نفسي.....
واتفق الجميع على أنه لا يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غير متصرف كعشرين درهماً.
التاسعة -قوله تعالى:" فكلوه" ليس المقصود صورة الأكل، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان، وهو المعني بقوله في الآية التي بعدها" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء :10] وليس المراد نفس الأكل إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالمال عبر عن التصرفات بالأكل. ونظيره قوله تعالى:" إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " [الجمعة :9] يعلم أن صورة البيع غير مقصودة، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره، ولكن ذكر البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى.
العاشرة- قوله تعالى:" هنيئا مريئا" منصوب على الحال من الهاء في كلوه وقيل: نعت لمصدر محذوف أي أكلاً هنيئاً بطيب الأنفس، هنأه الطعام والشراب يهنئه وما كان هنيئاً، ولقد هنؤ، والمصدر الهنء. وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنيء. وهنيء اسم فاعل من هنؤ كظريف من ظرف، وهنيء يهنأ فهو هنئ على فعل كزمن. وهنأني الطعام ومرأني على الإتباع، فإذا لم يذكر هنأني قلت: أمرأني الطعام بالألف، أي انهضم قال أبو علي: وهذا كما جاء في الحديث:
" ارجعن مأزورات غير مأجورات" فقلبوا الواو من الموزورات ألفاً إتباعاً للفظ مأجورات، وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال هنئ وهنأني ومرأني وأمرأني ولا يقال مرئني حكاه الهروي وحكى القشيري أنه يقال: هنئني ومرئني بالكسر يهنأني ويمرأني وهو قليل. وقيل: هنيئاً لا إثم فيه، و مرئياً لا داء فيه قال كثير:
هنيئاً مرئياً غير داء مخامر لعزة من أعرضنا ما استحلت
ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئاً وهبته امرأته من مهرها فقال له: كل من الهنيء المريء، وقيل: الهنيء الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء والمريء المحمود العاقبة، التام الهضم الذي لا يضر ولا يؤذي يقول: لا تخالفون في الدنيا به مطالبة ولا في الآخرة تبعة. يدل عليه ما "روى ابن عباس عن النبي صلى الله عله وسلم أنه سئل عن هذه الآية " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه " فقال:
إذا جادت لزوجها بالعطية طائعةً غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله تعالى به في الآخرة" وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته درهماً من صداقها ثم ليشتر به عسلا فليشربه بماء السماء فيجمع الله عز وجل له الهنيء والمرء والماء المبارك والله أعلم .
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة, وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم, ولهذا قال: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم, يقول: لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً. وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زائفاً وتأخذ جيداً. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم, ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة, ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم. وقوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً. وقوله: "إنه كان حوباً كبيراً" قال ابن عباس: أي إثماً كبيراً عظيماً. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "حوباً كبيراً" قال: "إثماً كبيراً" ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكديمي وهو ضعيف وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود "اغفر لنا حوبنا وخطايانا". وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى أبي عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس, أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوباً" قال ابن سيرين: الحوب الإثم, ثم قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي حدثنا بشر بن موسى, حدثنا هوذة بن خليفة, حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب, فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن طلاق أم أيوب لحوب" فأمسكها, ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل, سمعت أنس بن مالك أيضاً يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه. وقوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ", أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء, فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج, أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق, وكان يمسكها عليه, ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه " وإن خفتم أن لا تقسطوا " أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ثم قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ", قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها, فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن. ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية فأنزل الله "ويستفتونك في النساء", قالت عائشة: وقول الله في الاية الأخرى "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال, فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال. وقوله: "مثنى وثلاث ورباع" أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثاً, وإن شاء أربعاً. كما قال الله تعالى: "جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" أي منهم من له جناحان, ومنهم من له ثلاثة, ومنهم من له أربعة, ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه, بخلاف قصر الرجال على أربع, فمن هذه الاية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء, لأن المقام مقام امتنان وإباحة, فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة, وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة, أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم: بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين, وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري: وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة, ودخل منهن بثلاث عشرة, واجتمع عنده إحدى عشرة, ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع, ولنذكر الأحاديث في ذلك, قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري, قال ابن جعفر في حديثه: أنبأنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اختر منهن أربعاً" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه, وقسم ماله بين بنيه, فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك, ولعلك لا تمكث إلا قليلا. وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولامرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال. وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم, من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس, وعبد الرحمن بن محمد المحاربي, والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ, عن معمر بإسناده مثله إلى قوله: "اختر منهن أربعاً" وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد, وهي زيادة حسنة وهي مضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له سمعت البخاري يقول: هذا الحديث غير محفوظ. والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري. حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة ـ فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم, عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وهذا التعليل فيه نظر, والله أعلم ـ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً. وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. وقال البيهقي: ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد. وقال أبو حاتم: وهذا وهم إنما هو الزهري, عن محمد بن سويد. بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكره. قال البيهقي: ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد بن أبي سويد وهذا كما علله البخاري وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد, رجاله ثقات على شرط الشيخين ثم قد روي من غير طريق معمر بل والزهري. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو علي الحافظ, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا أبو بريد عمرو بن يزيد الجرمي, أخبرنا سيف بن عبيد الله حدثنا سرار بن مجشر, عن أيوب, عن نافع وسالم, عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً. هكذا أخرجه النسائي في سننه, قال أبو علي بن السكن: تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة. وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي: وكذا رواه السميدع بن واهب عن سرار. قال البيهقي: وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس, وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة. فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال, فإذا كان هذا في الدوام, ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, (حديث آخر في ذلك) روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل وعند ابن ماجه بنت الشمردل, حكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث, وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً", وهذا الإسناد حسن: ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد. (حديث آخر في ذلك) قال الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه, قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها. فهذه كلها شواهد بصحة ما تقدم من حديث غيلان كما قاله البيهقي رحمه الله. وقوله: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ", أي فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن, كما قال تعالى, " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن, ولكن يستحب فمن فعل فحسن, ومن لا فلا حرج, وقوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم, قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي رحمهم الله, وهو مأخوذ من قوله تعالى: "وإن خفتم عيلة" أي فقراً "فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء" وقال الشاعر:
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وتقول العرب: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ولكن في هذا التفسير ههنا نظر, فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضاً والصحيح قول الجمهور " ذلك أدنى أن لا تعولوا " أي لا تجوروا, يقال: عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار, وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل
وقال هشيم عن أبي إسحاق قال: كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان لا أعول. رواه ابن جرير, وقد روى ابن أبي حاتم وأبو حاتم ابن مردويه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم, حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن هشام بن عروة, عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال: "لا تجوروا" قال ابن أبي حاتم: قال أبي, هذا حديث خطأ, والصحيح: عن عائشة موقوف, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وأبي رزين والنخعي والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: لا تميلوا, وقد استشهد عكرمة رحمه الله ببيت أبي طالب الذي قدمناه, ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة, وقد رواه ابن جرير ثم أنشده جيداً واختار ذلك. وقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: النحلة المهر, وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: نحلة فريضة, وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة أي فريضة. زاد ابن جريج: مسماة, وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب, يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها, وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب, ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذباً بغير حق, ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتماً, وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنع المنيحة ويعطي النحلة طيباً بها كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً, ولهذا قال: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بها عسلاً ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئاً مريئاً شفاء مباركاً. وقال هشيم عن سيار عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك, ونزل "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قالوا: يا رسول الله فما العلائق بينهم ؟ قال: "ما تراضى عليه أهلوهم" وقد روى ابن مردويه من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمر بن الخطاب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنكحوا الأيامى ـ ثلاثا ـ" فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ما العلائق بينهم ؟ قال: "ماتراضى عليه أهلوهم" ابن البيلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضاً.
قوله 4- "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" الخطاب للأزواج، وقيل: للأولياء. والصدقات بضم الدال جمع صدقة كثمرة، قال الأخفش: وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات، وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت. والنحلة بكسر النون وضمها لغتان، وأصلها العطاء نحلت فلاناً: أعطيته، وعلى هذا فهي منصوبة على المصدرية، لأن الإيتاء بمعنى الإعطاء، وقيل: النخلة التدين فمعنى نحلة تدينا، قاله الزجاج، وعلى هذا فهي منصوبة على المفعول له. وقال قتادة: النحلة الفريضة، وعلى هذا فهي منصوبة على الحال، وقيل: النحلة طيبة النفس، قال أبو عبيد: ولا تكون النحلة إلا عن طيبة نفس. ومعنى الآية على كون الخطاب للأزواج: أعطوا النساء اللاتي نكحتموهن مهورهن التي لهن عليكم عطية أو ديانة منكم أو فريضة عليكم أو طيبة من أنفسكم. ومعناها على كون الخطاب للأولياء: أعطوا النساء من قراباتكم التي قبضتم مهورهن من أزواجهن تلك المهور. وقد كان الولي يأخذ مهر قريبته في الجاهلية ولا يعطيها شيئاً، حكي ذلك عن أبي صالح والكلبي. والأول أولى لأن الضمائر من أول السياق للأزواج. وفي الآية دليل على أن الصداق واجب على الأزواج للنساء، وهو مجمع عليه كما قال القرطبي، قال: وأجمع العلماء أنه لا حد لكثيره، واختلفوا في قليله. وقرأ قتادة صدقاتهن بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ النخعي وابن وثاب بضمهما. وقرأ الجمهور بفتح الصاد وضم الدال. قوله "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" الضمير في منه راجع إلى الصداق الذي هو واحد الصدقات أو إلى المذكور وهو الصدقات، أو هو بمنزلة اسم الإشارة، كأنه قال من ذلك، ونفساً تمييز. وقال أصحاب سيبويه: منصوب بإضمار فعل لا تمييز: أي أعني نفساً. والأول أولى. وبه قال الجمهور. والمعنى: فإن طبن: أي النساء لكم أيها الأزواج أو الأولياء عن شيء من المهر "فكلوه هنيئاً مريئاً" وفي قوله "طبن" دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس، فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما. وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن وسرعة انخداعهن وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب. وقوله "هنيئاً مريئاً" منصوبان على أنهما صفتان لمصدر محذوف: أي أكلاً هنيئاً مريئاً أو قائمان مقام المصدر، أو على الحال، يقال: هناه الطعام الشراب يهينه ومرأه وأمرأه من الهنيء والمريء، والفعل هنأ ومرأ: أي أتى من غير مشقة ولا غيظ، وقيل: هو الطيب الذي لا تنغيص فيه، وقيل: المحمود العاقبة الطيب الهضم، وقيل: ما لا إثم فيه، والمقصود هنا أنه حلال لهم خالص عن الشوائب، وخص الأكل لأنه معظم ما يراد بالمال وإن كان سائر الانتفاعات به جائزة كالأكل.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "خلقكم من نفس واحدة" قال: آدم "وخلق منها زوجها" قال: حواء من قصرى آدم: أي قصيرى أضلاعه. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر قال: خلقت حواء من خلف آدم الأيسر. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: من ضلع الخلف وهو من أسفل الأضلاع. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "واتقوا الله الذي تساءلون به" قال: تعاطون به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال: تعاقدون وتعاهدون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: يقول أسألك بالله والرحم. وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اتقوا الله الذي تساءلون به واتقوا الأرحام وصلوها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد "إن الله كان عليكم رقيباً" قال: حفيظاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: إن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمه، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت "وآتوا اليتامى أموالهم" يعني الأوصياء، يقول: أعطوا اليتامى أموالهم "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" يقول: لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال: مع أموالكم تخلطونها فتأكلونها جميعاً "إنه كان حوباً" إثماً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار يأخذه الأكبر، فنصيبه من الميراث طيب وهذا الذي يأخذ خبيث. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال مع أموالكم. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم، وجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله "يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" قال: فخالطوهم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة سأل عائشة عن قول الله عز وجل: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " قالت: يابن أختي هذه اليتيمى تكون في حجر وليها تشركه في مالها ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سننهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، وأن الناس قد استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله "ويستفتونك في النساء" قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال. وأخرج البخاري عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق فكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. وقد روي هذا المعنى من طرق. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى. وأخرج خأسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى " قال: كان الرجل يتزوج ما شاء فقال: كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا فيهن فقصرهم على الأربع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشراً من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: كما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهن عندكم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عنه قال: فإن خفتم الزنا فانكحوهن، يقول: كما خفتم في أموال اليتامى ألا تقسطوا فيها فكذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك "ما طاب لكم" قال: ما أحل لكم. وأخرج ابن جرير عن الحسن وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عائشة نحوه. وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجه والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر "أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن" وفي لفظ "أمسك منهن أربعاً وفارق سائرهن" هذا الحديث أخرجه هؤلاء المذكورين من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر وزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس وعبد الرحمن بن محمد المحاربي والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكره. وقد علل البخاري هذا الحديث فحكى عنه الترمذي أنه قال: هذا حديث غير محفوظ. والصحيح ما روي عن شعيب وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة، فذكره، وأما حديث الزهري عن أبيه: أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وقد رواه معمر عن الزهري مرسلاً، وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. ورواه عقيل عن الزهري بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبو سويد قال: أبو حاتم: وهذا وهم، إنما هو الزهري بلغنا عن عثمان بن أبي سويد. وقد سامه أحمد برجال الصحيح فقال: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري قال أبو جعفر في حديثه: أخبرنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان فذكره وقد روي من غير طريق معمر والزهري، فأخرجه البيهقي عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان فذكره. وأخرج أبو داود وابن ماجه في سننهما عن عمير الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر منهن أربعاً. قال ابن كثير: إن إسناده حسن. وأخرج الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعاً وفارق الأخرى". وأخرج ابن ماجه والنحاس في ناسخه عن قيس بن الحارث الأسدي قال: "أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: اختر منهن أربعاً وخل سائرهن، ففعلت" وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقي. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن الحكم قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول: إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث وإلا فثنتين وإلا فواحدة، فإن خفت ألا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك. وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله. وأخرج أيضاً عن الضحاك " فإن خفتم أن لا تعدلوا " قال: في المجامعة والحب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي: "أو ما ملكت أيمانكم" قال: السراري. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال: ألا تجوروا. قال ابن أبي حاتم قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله " أن لا تعولوا " قال: ألا تميلوا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ألا تميلوا، ثم قال: أما سمعت قول أبي طالب:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة ووازن صدق وزنه غير عائل
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد: قال: ألا تميلوا. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين وأبي مالك والضحاك مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية، قال: ذلك أدنى ألا يكثر من تعولوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة: قال: ألا تفتقروا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج أيمة أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك ونزلت "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "نحلة" قال: يعني بالنحلة المهر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة " نحلة " قالت : واجبة . وأخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن جريج "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قال: فريضة مسماة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير "فإن طبن لكم" قال: هي للأزواج. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة "فإن طبن لكم عن شيء منه" قال: من الصداق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً" يقول: إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء كما قال الله.
4-"وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، قالالكلبيومجاهد: هذا الخطاب للأولياء ، وذلك أن ولي المرأة كان إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلاً ولا كثيراً، وإن كان زوجها غريباً حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك ، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله.
قالالحضرمي: كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته، ولا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر في العقد . أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناأبو اسحق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك بن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار."
والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق.
وقال الآخرون: الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق، وهذا أصح لأن الخطاب فيما قبل مع الناكحين ، والصدقات : المهور، واحدها صدقة "نحلة" قالقتادة: فريضة ، وقال ابن جريج : فريضة مسماة ،قال أبو عبيدة: ولا تكون النحلة إلا مسماةً معلومة ، وقالالكلبي : عطية وهبة ، وقال أبو عبيدة: عن طيب نفس وقال الزجاج : تدنياً.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله النعيميانا محمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيلأناعبد الله بن يوسفأخبرناالليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عنأبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
"فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً"، يعني: فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم، فنقل الفعل من النفوس إلى أصحابها فخرجت النفس مفسراً، فذلك وحد النفس، كما قال الله تعالى:"وضاق بهم ذرعاً" (هود-77)
(العنكبوت -33)"وقري عيناً"(مريم026) وقيل: لفظها واحد ومعناها جمع،"فكلوه هنيئاً مريئاً" ، سائغاً طيباً ، يقال هنأ في الطعام يهنئ بفتح النون في الماضي وكسرها في الباقي ، وقيل: الهنيء : الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر ، قرأ أبو جعفر " هنيئا مريئا " بتشديد الياء فيهما من غير همز، وكذلك بري، وبريون،وبرياًوكهية والآخرون يهمزونها.
4" وآتوا النساء صدقاتهن " مهورهن. وقرئ بفتح الصاد وسكون الدال على التخفيف، وبضم الصاد وسكون الدال، جمع صدقة كغرفة، وبضمهما على التوحيد وهو تثقيل صدقة كظلمة في ظلمة. " نحلة " أي عطية يقال نحلة كذا نحلة ونحلاً إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا توقع عوض، ومن فسرها بالفريضة ونحوها نظر إلى مفهوم الآية لا إلى موضوع اللفظ، ونصبها على المصدر لأنها في معنى الإيتاء أو الحال من الواو، أو الصدقات أي آتوهن صدقاتهن ناحلين أو منحولة. وقيل المعنى نحلة من الله وتفضلاً منه عليهن فتكون حالاً من الصدقات. وقيل ديانة من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به على أنه مفعول له، أو حال من الصدقات أي ديناً من الله تعالى شرعه، والخطاب للأزواج، وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور مولياتهم. " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " للصداق حملاً على المعنى أو جرى مجرى اسم الإشارة كقول رؤبة:
كأنه في الجلد توليع البهق
إذ سئل فقال: أردت كأن ذاك. وقيل للإيتاء، ونفساً تمييز لبيان الجنس ولذلك وحد، والمعنى فإن وهبن لكم شيئاً من الصداق عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز، وقال منه بعثاً لهن على تقليل الموهوب " فكلوه هنيئا مريئا "فخذوه وأنفقوه حلالاً بلا تبعة. والهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا ساغ من غير غصص، أقيمتا مقام مصدريهما أو وصف بهما المصدر أو جعلتا حالاً من الضمير. وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان، والمريء ما تحمد عاقبته. روي: أن ناساً كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئاً مما ساق إليها. فنزلت.
4. And give unto the women, (whom ye marry) free gift of their marriage portions; but if they of their own accord remit unto you a part thereof, then ye are welcome to absorb it (in your wealth).
4 - And give the women (on marriage) their dower as a free gift; but if they, of their own good pleasure, remit any part of it to you, take it and enjoy it with right good cheer.