4 - (قال رب إني وهن) ضعف (العظم) جميعه (مني واشتعل الرأس) مني (شيبا) تمييز محول عن الفاعل أي انتشر الشيب في شعره كما ينتشر النار في الحطب وإني أريد أن ادعوك (ولم أكن بدعائك) أي بدعائي إياك (رب شقيا) أي خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : رغب زكريا في الولد، فقام فصلى ، ثم دعا ربه سراً، فقال "رب إني وهن العظم مني" إلى "واجعله رب رضيا" وقوله "قال رب إني وهن العظم مني" يقول تعالى ذكره ، فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال : "رب إني وهن العظم مني" يعني بقوله "وهن" ضعف ورق من الكبر.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "قال رب إني وهن العظم مني" أي ضعف العظم مني.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله "وهن العظم مني" قال : نحل العظم ، قال عبد الرزاق. قال الثوري : وبلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة.
وقد اختلف أهل العربية في وجه النصب في الشيب ، فقال بعض نحويي البصرة: نصب على المصدر من معنى الكلام ، كأنه حين قال : اشتعل ، قال : شاب ، فقال : شيباً على المصدر. قال : وليس هو في معنى : تفقأت شحماً وامتلأت ماء، لأن ذلك ليس بمصدر. وقال غيره : نصب الشيب على التفسير، لأنه يقال : اشتعل شيب رأسي ، واشتعل رأسي شيباً، كما يقال : تفقأت شحماً، وتفقأ شحمي .
وقوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" يقول : ولم أشق يا رب بدعائك ، لأنك لم تخيب دعاني قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك ، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك.
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، قوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" يقول : قد كنت تعرفني الإجابة فيما مضى.
قوله تعالى: " قال رب إني وهن العظم مني " فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " قال رب إني وهن " قرىء " وهن " بالحركات الثلاث أي ضعف. يقال: وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن. وقال أبو زيد يقال: وهن يهن ووهن يوهن. وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه. ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخر، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها.
الثانية: قوله تعالى: " واشتعل الرأس شيبا " أدغم السين في الشين أبو عمرو. وهذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب. والاشتعال انتشار شعاع النار، شبه به انتشار الشيب في الرأس، يقول: شخت وضعفت، وأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس. ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا عليه السلام. و " شيبا " في نصبه وجهان: أحدهما: أنه مصدر لأن معنى اشتعل شاب، وهذا قول الأخفش. وقال الزجاج : وهو منصوب على التمييز. النحاس : قول الأخفش: أولى لأنه مشتق من فعل فالمصدر أولى به. والشيب مخالطة الشعر الأبيض الأسود.
الثالثة: قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعلم الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع، لأن قوله تعالى: " وهن العظم مني " إظهار للخضوع. وقوله: " ولم أكن بدعائك رب شقيا " إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته، أي لم أكن بدعائي إياك شقياً، أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك، أي إنك عودتني الإجابة فيما مضى. يقال: شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده. وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إليه في وقت كذا، فقال: مرحباً بمن توسل بنا إلينا، وقضى حاجته.
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة, وقوله " ذكر رحمة ربك " أي هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا, وقرأ يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وزكريا يمد ويقصر, قراءتان مشهورتان وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل, وفي صحيح البخاري أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة. وقوله "إذ نادى ربه نداء خفياً" قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره, حكاه الماوردي وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله, كما قال قتادة في هذه الاية "إذ نادى ربه نداء خفياً" إن الله يعلم القلب التقي, ويسمع الصوت الخفي, وقال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه, فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب, يا رب, يا رب, فقال الله له: لبيك لبيك لبيك "قال رب إني وهن العظم مني" أي ضعفت وخارت القوى "واشتعل الرأس شيباً", أي اضطرم المشيب في السواد, كما قال ابن دريد في مقصورته:
أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة. وقوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء, ولم تردني قط فيما سألتك وقوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول, وعن الكسائي أنه سكن الياء, كما قال الشاعر:
كأن أيديهن في القاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الاخر:
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تغاير الشعر منه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال مجاهد وقتادة والسدي : أراد بالموالي العصبة. وقال أبو صالح : الكلالة . وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقرؤها "وإني خفت الموالي من ورائي" بتشديد الفاء بمعنى قلت عصباتي من بعدي, وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً, فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه, فأجيب في ذلك لا أنه خشي من وراثتهم له ماله, فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده, وأن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه.
(الثاني) أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه, ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء, فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
(الثالث) أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث, ما تركنا فهو صدقة" وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح "نحن معشر الأنبياء لا نورث", وعلى هذا فتعين حمل قوله " فهب لي من لدنك وليا * يرثني " على ميراث النبوة, ولهذا قال "ويرث من آل يعقوب" كقوله "وورث سليمان داود" أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك, ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة, إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه, فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها, وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث, ما تركنا فهو صدقة".
قال مجاهد في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب " كان وراثته علماً, وكان زكريا من ذرية يعقوب, وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يكون نبياً كما كانت آباؤه أنبياء, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة , عن الحسن يرث نبوته وعلمه, وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. وعن مالك عن زيد بن أسلم "ويرث من آل يعقوب" قال نبوتهم. وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد , عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة, وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يرحم الله زكريا وما كان عليه من وراثة ماله, ويرحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد " . وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا جابر بن نوح عن مبارك هو ابن فضالة , عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب" وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح, والله أعلم. وقوله "واجعله رب رضيا" أي مرضياً عندك وعند خلقك, تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
4- "قال رب إني وهن العظم مني" هذه الجملة مفسرة لقوله: نادي ربه، يقال وهن يهن وهناً إذا ضعف فهو واهن، وقرئ بالحركات الثلاث، أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته، وذكر العظم، لأن عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعي وتساقطت قوته ولأن أشد ما في الإنسان صلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، ووحد العظم قاصداً إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام "واشتعل الرأس شيباً" قرأ أبو عمرو بإدغام السين في الشين، والباقون بعدمه، والاشتعال في الأصل انتشار شعاع النار، فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة، ثم أخرجه مخرج الإستعارة بالكناية، بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه، وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها. قال الزجاج: يقال للشيب إذا كثر جداً قد اشتعل رأس فلان، وأنشد للبيد:
فإن ترى رأس أمسى واضحاً سلط الشيب عليه فاشتعل
وانتصاب شيباً على التمييز قاله الزجاج. وقال الأخفش: انتصابه على المصدر، لأن معنى اشتعل شاب. قال النحاس: قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل، والمصدرية أظهر فيما كان كذلك، وكان الأصل اشتعل شيب رأسي، فأسند الإشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول "ولم أكن بدعائك رب شقياً" أي لم أكن بدعائي إياك خائباً في وقت من الأوقات، بل كلما دعوتك استجبت لي.
قال العلماء: يستحب المرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع، وذكر نعم الله عليه كما فعل زكرياء ها هنا، فإن في قوله: "وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً" غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه، وبلوغ مآربه، وفي قوله: "ولم أكن بدعائك رب شقياً" ذكر ما عوده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته، يقال شقي بكذا. أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه.
4 - " قال رب إني وهن " ، ضعف ورق ، " العظم مني " ، من الكبر . قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس ، " واشتعل الرأس " ، أي : ابيض شعر الرأس ، " شيباً " ، شمطاً ، " ولم أكن بدعائك رب شقياً " ، يقول : عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبنى .
وقيل : معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان .
4- " قال رب إني وهن العظم مني " تفسير للنداء والوهن الضعف ، وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بناءه ولأنه أصلب ما فيه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وتوحيده لأن المراد به الجنس، وقرئ و" هن" و" وهن" بالضم والكسر ونظيره كمل بالحركات الثلاث. " واشتعل الرأس شيباً " شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها، ثم أخرجه مخرج الاستعارة وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، وجعله مميزاً إيضاحاً للمقصود، واكتفى باللام على الإضافة للدلالة على أن علم الخاطب بتعين المراد يغني عن التقييد. " ولم أكن بدعائك رب شقياً " بل كلما دعوتك استجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الاستجابة، وتنبيه على أن المدعو له وإن لم يكن معتاداً فإجابته معتادة، وأنه تعالى عوده بالإجابة وأطمعه فيها، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه.
4. Saying: My Lord! Lo! the bones of me wax feeble and my head is shining with grey hair, and I have never been unblest in prayer to Thee, my Lord.
4 - Praying: O my Lord! Infirm indeed are my bones, and the hair of my head doth glisten with grey: but never am I unblest, O my Lord, in my prayer to thee!