مَلِكِ يوم الدين) أي الجزاء وهو يوم القيامة ، وخُصَّ بالذكر لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله تعالى بدليل {لمن الملك اليوم لله} ومن قرأ {مالك} فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أو هو موصوف بذلك دائماً {كغافر الذنب} فصح وقوعه صفة لمعرفة
قال أبو جعفر: القراء مختلفون في تلاوة "مالك يوم الدين ". فبعضهم يتلوه "مالك يوم الدين "، وبعضهم يتلوه "مالك يوم الدين "، وبعضهم يتلوه "مالك يوم الدين " بنصب الكاف. وقد استقصينا حكاية الرواية عمن روي عنه في ذلك قراءة في كتاب القراآت، وأخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه، والعلة الموجبة صحة ما اخترنا من القراءة فيه. فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع، إذ كان الذي قصدنا له، في كتابنا هذا، البيان عن وجوه تأويل اي القرآن، دون وجوه قراءتها.
ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أن الملك من الملك مشتق، وأن المالك من الملك مأخوذ. فتأويل قراءة من قرأ ذلك " مالك يوم الدين"، أن لله الملك يوم الدين خالصًا دون جميع خلقه، الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكاً جبابرة ينازعونه الملك، ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية. فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة، وأن له من دونهم، ودون غيرهم الملك والكبرياء، والعزة والبهاء، كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله: " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار" (غافر: 16). فأخبر تعالى ذكره أنه المنفرد يومئذ بالملك دون ملوك الدنيا، الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلى ذلة وصغار، ومن دنياهم في المعاد إلى خسار.
وأما تأويل قراءة من قرأ "مالك يوم الدين"، فما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبدالله بن عباس: "مالك يوم الدين "، يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدنيا. ثم قال: "لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" (النبأ: 38). وقال: "وخشعت الأصوات للرحمن" (طه: 108). وقال: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" (الأنبياء: 28).
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، وأصخ القراءتين في التلاوة عندي، التأويل الأول، وهي قراءة من قرأ "ملك " بمعنى الملك. لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك، إيجابًا لانفراده بالملك، وفضيلة زيادة الملك على المالك، إذ كان معلومًا أن لا ملك إلا وهو مالك، وقد يكون المالك لا ملكاً.
وبعد، فإن الله جل ذكره، قد أخبر عباده في الآية التي قبل قوله " مالك يوم الدين " أنه مالك جميع العالمين، وسيدهم، ومصلحهم، والناظر لهم، والرحيم بهم في الدنيا والآخرة، بقوله: "الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم ". وإذ كان جل ذكره قد أنبأهم عن ملكه إياهم كذلك بقوله "رب العالمين" فأولى الصفات من صفاته جل ذكره أن يتبع ذلك، ما لم يحوه قوله "رب العالمين * الرحمن الرحيم "، مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة، إذ كانت حكمته الحكمة التي لا تشبهها حكمة، وكان في إعادة وصفه جل ذكره بأنه "مالك يوم الدين "، إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله "رب العالمين"، مع تقارب الآيتين وتجاور الصفتين. وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظ مختلفة بمعان متفقة، لا تفيد سامع ما كرر منه فائدة به إليها حاجة. والذي لم يحوه من صفاته جل ذكره ما قبل قوله "مالك يوم الدين "، المعنى الذي في قوله "مالك يوم الدين "، وهو وصفه بأنه الملك.
فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب، وأحق التأويلين بالكتاب، قراءة من قرأه "مالك يوم الدين "، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين، دون قراءة من قرأ "مالك يوم الدين " الذي بمعنى أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء، متفردًا به دون سائر خلقه.
فإن ظن ظان أن قوله "رب العالمين " نبأ عن ملكه إياهم في الدينا دون الآخرة، يوجب وصل ذلك بالنبأ عن نفسه أنه: من ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إياهم في الدنيا بقوله "مالك يوم الدين" فقد أغفل وظن خطأ.
وذلك أنه لو جاز لظان أن يظن أن قوله "رب العالمين" محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الاخرة، مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل، أو في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم به منقول، أو بحجة موجودة في المعقول لجاز لاخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله "رب العالمين "، دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين. إذ كان صحيحاً بما قد قدمنا من البيان، أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده.
فإن غبي عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء، فإن في قول الله جل ثناؤه: "ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين" (الجاثية: 160) دلالة واضحة على أن عالم كل زمان، غير عالم الزمان الذي كان قبله، وعالم الزمان الذي بعده، إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية، وأخبرهم بذلك في قوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" الآية ( آل عمران: 110). فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة، المؤمنون به المتبعون منهاجه دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه.
وإذ كان بينا فساد تأويل متأول لو تأول قوله "رب العالمين " أنه معني به أن الله رب عالمي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، دون عالمي سائر الأزمنة غيره كان واضحاً فساد قول من زعم أن تأويله: رب عالم الدنيا دون عالم الآخرة، وأن "مالك يوم الدين " استحق الوصل به ليعلم أنه في الآخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا.
ويسأل زاعم ذلك، الفرق بينه وبين متحكم مثله في تأويل قوله "رب العالمين "، تحكم فقال: إنه إنما عنى بذلك أنه رب عالمي زمان محمد صلى الله عليه وسلم، دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله، والحادثة بعده، كالذي زعم قائل هذا القول: أنه عنى به عالمي الدنيا دون عالمي الآخرة من أصل أو دلالة. فلن يقول في أحدهما شيئاً إلا ألزم في الآخر مثله.
وأما الزاعم أن تأويل قوله "مالك يوم الدين" أنه الذي يملك إقامة يوم الدين، فإن الذي ألزمنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم. إذ كانت إقامة القيامة، إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك، في الدار التى أعد لهم فيها ما أعد. وهم العالمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله "رب العالمين ".
وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ "مالك يوم الدين "، فإنه أراد: يا مالك يوم الدين، فنصبه بنية النداء والدعاء، كما قال جل ثناؤه: "يوسف أعرض عن هذا" (يوسف: 29) بتأويل: يا يوسف أعرض عن هذا، وكما قال الشاعر من بني أسد، وهو شعر فيما يقال جاهلي:
إن كنت أزننتني بها كذبًا جزء، فلاقيت مثلها عجلا
يريد: يا جزء، وكما قال الآخر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها، بني شاب قرناها تصر وتحلب
يريد: يا بني شاب قرناها. وإنما أورطه في قراءة ذلك بنصب الكاف من "مالك "، على المعنى الذي وصفت حيرته في توجيه قوله: "إياك نعبد وإياك نستعين " وجهته، مع جر "مالك يوم الدين" وخفضه. فظن أنه لا يصح معنى ذلك بعد جره "مالك يوم الدين "، فنصب "مالك يوم الدين " ليكون "إياك نعبد" له خطابًا. كأنه أراد: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين. ولو كان علم تأويل أول السورة، وأن "الحمد لله رب العالمين " أمر من الله عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عباس: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ذكره: قل يا محمد، "الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين "، وقل أيضاً يا محمد: "إياك نعبد وإياك نستعين" وكان عقل عن العرب أن من شأنها إذا حكت أو أمرت بحكاية خبر يتلو القول، أن تخاطب ثم تخبر عن غائب، وتخبر عن غائب ثم تعود إلى الخطاب، لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب، كقولهم للرجل: قد قلت لأخيك: لو قمت لقمت، وقد قلت لأخيك: لو قام لقمت لسهل عليه مخرج ما استصعب عليه وجهته من جر "مالك يوم الدين ".
ومن نظير "مالك يوم الدين " مجرورًا، ثم عوده إلى الخطاب بـ "إياك نعبد"، كما ذكرنا قبل البيت السائر من شعر أبي كبير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جدة خالد وبياض وجهك للتراب الأعفر
فرجع إلي الخطاب بقوله وبياض وجهك ، بعد ما قد مضى الخبر عن خالد على معنى الخبر عن الغائب.
ومنه قول لبيد بن ربيعة:
باتت تشكى إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعًا بعد سبعينا
فرجع إلى مخاطبة نفسه، وقد تقدم الخبر عنها على وجه الخبر عن الغائب.
ومنه قول الله، وهو أصدق قيل وأثبت حجة: "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" (يونس: 22) فخاطب ثم رجع إلى الخبر عن الغائب، ولم يقل: وجرين بكم. والشواهد من الشعر وكلام العرب في ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه.
فقراءة "مالك يوم الدين " محظورة غير جائزة، لإجماع جميع الحجة من القراء وعلماء الأمة على رفض القراءة بها.
القول في تأويل قوله: " يوم الدين".
قال أبو جعفر: والدين في هذا الموضع، بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال، كما قال كعب بن جعيل:
إذا ما رمونا رميناهم ودناهم مثل ما يقرضونا
وكما قال الآخر:
واعلم وأيقن أن ملكك زائل واعلم بأنك ما تدين تدان
يعني: ما تجزي تجازى.
ومن ذلك قول الله جل ثناؤه "كلا بل تكذبون بالدين " يعني: بالجزاء "وإن عليكم لحافظين" (الانفطار: 9، 115) يحصون ما تعملون من الأعمال، وقوله تعالى "فلولا إن كنتم غير مدينين" (الواقعة: 86) يعني غير مجزيين بأعمالكم ولا محاسبين.
وللدين معان في كلام العرب، غير معنى الحساب والجزاء، سنذكرها في أماكنها إن شاء الله.
وبما قلنا في تأويل قوله "يوم الدين"، جاءت الآثار عن السلف من المفسرين، مع تصحيح الشواهد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك.
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد ، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس: "يوم الدين "، قال: يوم حساب الخلائق، وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا، إلا من عفا عنه، فالأمر أمره. ثم قال: "ألا له الخلق والأمر" (الأعراف: 54).
حدثني موسى بن هرون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسمعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "مالك يوم الدين "، هو يوم الحساب.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "مالك يوم الدين " قال: يوم يدين الله العباد بأعمالهم.
حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج "مالك يوم الدين " قال: يوم يدان الناس بالحساب.
الرابعة عشرة : قوله تعالى : "مالك يوم الدين" قرأ محمد بن السميقع بنصب مالك ، وفيه أربع لغات : مالك وملك وملك ـ مخففة من ملك ـ ومليك ، قال الشاعر :
وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها ان ندينا
وقال آخر :
فاقنع بما قسم المليك فإنما قسم الخلائق بيننا علامها
الخلائق : الطبائع التي جبل الإنسان عليها . وروي عن نافع إشباع الكسرة في ملك فيقرأ ملكي على لغة من يشبع الحركات ، وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي وغيره .
الخامسة عشرة : اختلف العلماء أيما أبلغ : ملك أو مالك ؟ والقراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر . ذكرهما الترمذي ، فقيل : ملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك ، وليس كل ملك ملكا ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه ، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله ابو عبيدة والمبرد . وقيل : مالك أبلغ ، لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم ، إذ إليه إجراء قوانين الشرع ، ثم عنده زيادة التملك .
وقال ابو علي : حكى ابو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة بـ ملك ان الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله : "رب العالمين" فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرار . قال ابو علي : ولا حجة في هذا ، لأن في التنزيل اشياء على هذه الصورة ، تقدم العام ثم ذكر الخاص كقوله : "هو الله الخالق البارئ المصور" فالخالق يعم . وذكر المصور لما فيه من التنبيه على الصنعة ووجود الحكمة ، وكما قال تعالى : "وبالآخرة هم يوقنون" بعد قوله : "الذين يؤمنون بالغيب" . والغيب يعم الآخرة وغيرها ، ولكن ذكرها لعظمها ، والتنبيه على وجوب اعتقادها ، والرد على الكفرة الجاحدين لها ، وكما قال : "الرحمن الرحيم" فذكر الرحمن الذي هو عام وذكر الرحيم بعده ، لتخصيص المؤمنين به في قوله : "وكان بالمؤمنين رحيما" . وقال ابو حاتم : إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك ، و ملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ، والفرق بينهما ان المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله مالكاً كان ملكاً ، واختار هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي وذكر ثلاثة اوجه ، الأول : أنك تضيفه الى الخاص والعام ، فتقول : مالك الدار والأرض والثوب ، كما تقول : مالك الملوك . الثاني : انه يطلق على مالك القليل والكثير ، وإذا تأملت هذين القولين وجدتهما واحداً . والثالث : أنك تقول : مالك الملك ، ولا تقول : ملك الملك . قال ابن الحصار : إنما كان ذلك لأن المراد من مالك الدلالة على الملك ـ بكسر الميم وهو لا يتضمن الملك ـ بضم الميم ـ و ملك يتضمن الأمرين جميعاً فهو أولى بالمبالغة . ويتضمن ايضاً الكمال ، ولذلك استحق الملك على من دونه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : :"إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم" ، ولهذا قال عليه السلام :
"الإمامة في قريش" وقريش أفضل قبائل العرب ، والعرب أفضل من العجم وأشرف . ويتضمن الاقتدار والاختيار وذلك امر ضروري في الملك ، ان لم يكن قادراً مختاراً نافذاً حكمه وأمره ، قهره عدوه وغلبه غيره وازدرته رعيته ، ويتضمن البطش والأمر والنهي والوعد والوعيد ، الا ترى إلى قول سليمان عليه السلام : "ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنه عذابا شديدا" الى غير ذلك من الأمور العجيبة والمعاني الشريفة التي لا توجد في المالك .
قلت : وقد احتج بعضهم على أن مالكاً أبلغ لأن فيه زيادة حرف ، فلقارئه عشر حسنات زيادة عمن قرأ ملك . قلت : هذا نظر الى الصيغة لا الى المعنى ، وقد ثبتت القراءة بملك ، وفيه من المعنى ما ليس في مالك ، على ما بينا والله أعلم .
السادسة عشرة : لا يجوز ان يتسمى أحد بهذا الإسم ولا يدعى به إلا الله تعالى ، روى البخاري و مسلم عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض" وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"ان أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك" ـ زاد مسلم ـ " لا مالك إلا الله عز وجل" قال سفيان : مثل شاهان شاه . وقال أحمد بن حنبل : سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع ، فقال : اوضع . وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله سبحانه" . قال ابن الحصار : وكذلك "مالك يوم الدين" و "مالك الملك" لا ينبغي ان يختلف في أن هذا محرم على جميع المخلوقين كتحريم ملك الأملاك سواء ، واما الوصف بمالك وملك وهي :
السابعة عشرة : فيجوز ان يوصف بهما من اتصف بمفهومهما ، قال الله العظيم : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" . وقال صلى الله عليه وسلم :
"ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة" .
الثامنة عشرة : إن قال قائل : وكيف قال : "مالك يوم الدين" ويوم الدين لم يوجد بعد ، فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجده ؟ قيل له : اعلم أن مالكاً اسم فاعل من ملك يملك ، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف الى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل ويكون ذلك عندهم كلاماً سديداً معقولاً صحيحاً ، كقولك : هذا ضارب زيد غدا ، أي سيضرب زيداً . وكذلك : هذا حاج بيت الله في العام المقبل ، تأويله سيحج في العام المقبل ، أفلا ترى ان الفعل قد ينسب اليه وهو لم يفعله بعد ، وإنما أريد به الاستقبال ، فكذلك قوله عز وجل : "مالك يوم الدين" على تأويل الاستقبال أي سيملك يوم الدين أو في يوم الدين إذا حضر .
ووجه ثان : ان يكون تأويل المالك راجعاً الى القدرة ، أي إنه قادر في يوم الدين ، أو على يوم الدين وإحداثه ، لأن المالك للشيء هو المتصرف في الشيء والقادر عليه ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته ، لا يمتنع عليه منها شيء .
والوجه الأول أمس بالعربية وأنفذ في طريقها ، قاله أبو القاسم الزجاجي .
ووجه ثالث : فيقال لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره ؟ قيل له : لأن في الدنيا كانوا منازعين في الملك ، مثل فرعون ونمروذ وغيرهما ، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه ، وكلهم خضعوا له ، كما قال تعالى: "لمن الملك اليوم" فأجاب جميع الخلق : "لله الواحد القهار" فلذلك قال : مالك يوم الدين ، أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره ، سبحانه لا إله إلا هو .
التاسعة عشرة :إن وصف الله سبحانه بأنه ملك كان ذلك من صفات ذاته ، وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله .
الموفية العشرين : اليوم : عبارة عن وقت طلوع الفجر الى وقت غروب الشمس ، فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة الى وقت استقرار أهل الدارين فيهما . وقد يطلق اليوم على الساعة منه ، قال الله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم" . وجمع يوم أيام ، وأصله أيوام فأدغم ، وربما عبروا عن الشدة باليوم ، يقال : يوم أيوم ، كما يقال : ليلة ليلاء . قال الراجز .
نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي
وهو مقلوب منه ، أخر الواو وقدم الميم ثم قلبت الواو ياء حيث صارت طرفا ، كما قالوا : أدل فيجمع دلو .
الحادية عشرة : الدين : الجزاء على الأعمال والحساب بها ، كذلك قال ابن عباس وابن مسعود و ابن جريج و قتادة وغيرهم ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدل عليه قوله تعالى : "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" أي حسابهم . وقال : "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت" و "اليوم تجزون ما كنتم تعملون" وقال : " أإنا لمدينون " أي مجزيون محاسبون . وقال لبيد :
حصادك يوما ما زرعت وإنما يدان الفتى يوما ما هو دائن
وقال آخر :
إذا ما رمونا رميناهم ودناهم مثل ما يقرضونا
وقال آخر:
واعلن يقينا أن ملكك زائل واعلم بأن كما تدين تدان
وحكى أهل اللغة : دنته بفعله ديناً ( بفتح الدال ) وديناً ( بكسرها ) جزيته ، ومنه الديان في صفة الرب تعالى أي المجازي ، وفي الحديث :
الكيس من دان نفسه أي حاسب . وقيل : القضاء . روي عن ابن عباس أيضاً ، ومنه قول طرفة :
لعمرك ما كانت حمولة معبد على جدها حربا لدينك من مصر
ومعاني هذه الثلاثة متقاربة . والدين أيضاً :الطاعة ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا
فعلى هذا هو لفظ مشترك وهي :
الثانية والعشرون قال ثعلب : دان الرجل إذا اطاع ،ودان إذا عصى ، ودان إذا عز ، ودان إذا ذل ، ودان إذا قهر ، فهو من الأضداد . ويطلق الدين على العادة والشأن ،كما قال :
كدينك من أم الحويرث قبلها
وقال المثقب يذكر ناقته :
تقول إذا درأت لها وضيني أهذا دينه ابداً وديني
والدين سيرة الملك . قال زهير :
لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أراد في موضع طاعة عمرو . والدين : الداء ، عن اللحياني . وأنشد :
يا دين قلبك من سلمي وقد دينا
قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع ، ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها ، ويقال مليك أيضاً وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ (ملكي يوم الدين) وقد رجح كلاً من القراءتين مرجحون من حيث المعنى وكلتاهما صحيحة حسنة ، ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله : "لمن الملك اليوم" وقوله : "قوله الحق وله الملك" وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ : " مالك يوم الدين " على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي ، حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون (مالك يوم الدين) قال ابن شهاب وأول من أحدث ملك مروان (قلت) مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب والله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها (مالك يوم الدين) ومالك مأخوذ من الملك كما قال تعالى : "إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" وقال " قل أعوذ برب الناس * ملك الناس " وملك مأخوذ من الملك كما قال تعالى : "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" وقال "قوله الحق وله الملك" وقال : "الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً" وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عام في الدنيا والاخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى : "يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً" وقال تعالى : "وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً" وقال تعالى : "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد" وقال الضحاك عن ابن عباس "مالك يوم الدين" يقول لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا ، قال : ويوم الدين يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر إلا من عفا عنه ، وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف هو ظاهر وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى أن تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ثم شرع يضعفه والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم وأن كلاً من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الاخر ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال تعالى : "الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً" والقول الثاني يشبه قوله تعالى : "ويوم يقول كن فيكون" والله أعلم . والملك في الحقيقة هو الله عز وجل ، قال الله تعالى : "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً "أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله" وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون ؟" وفي القرآن العظيم "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار" فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً" "وكان وراءهم ملك" "إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا" وفي الصحيحين "مثل الملوك على الأسرة" .
والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى : "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" وقال " أإنا لمدينون " أي مجزيون محاسبون ، وفي الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" أي حاسب نفسه كما قال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" .
ثم ذكر بقية الفاتحة 4- " مالك يوم الدين " قرئ ملك ومالك وملك بسكون اللام وملك بصيغة الفعل. وقد اختلف العلماء أيما أبلغ ملك أو مالك؟ فقيل: إن ملك أعم وأبلغ من مالك، إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا ينصرف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيد والمبرد ورجحه الزمخشري. وقيل: مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم. وقال أبو حاتم: إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك. وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي. والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر، فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله. ويوم الدين: يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال: " وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله " وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، ويوم الدين وإن كان متأخراً فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك: هذا ضارب زيداً غداً. وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ملك بغير ألف". وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس. وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرأون مالك بالألف". وأخرج نحوه سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعاً. وأخرج نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن الزهري يرفعه مرسلاً. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً. وقد روي هذا من طرق كثيرة، فهو أرجح من الأول. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين" وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعاً. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب. وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: يوم الدين يوم يدين الله العباد بأعمالهم.
4.قوله " مالك يوم الدين " قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب : " مالك " وقرأ الآخرون " ملك " قال قوم: معناهما واحد مثل فرهين وفارهين، وحذرين وحاذرين ومعناهما الرب يقال رب الدار ومالكها. وقيل المالك والملك هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ولا يقدرعليه أحد غير الله. قال أبو عبيدة: مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب ولا يقال ملك هذه الأشياء. ,لأنه لا يكون مالكاً لشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه. وقال قوم: ملك أولى لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً ولأنه أوفق لسائر القرآن مثل قوله تعالى: " فتعالى الله الملك الحق " (114 - طه) " الملك القدوس " (23 - الحشر) قال مجاهد : الدين الحساب، قال الله تعالى: " ذلك الدين القيم " (36 - التوبة) أي الحساب المستقيم و " ملك الناس " ( سورة الناس ) قال ابن عباس و مقاتل و السدي : ملك يوم الدين قاضي يوم الحساب وقال قتادة : الدين الجزاء. ويقع على الجزاء في الخير والشر جميعاً يقال: كما تدين تدان.
قال محمد بن كعب القرظي : ملك يوم لا ينفع فيه إلا الدين، وقال يمان بن (رباب) : الدين القهر. يقال دنته فدان أي قهرته فذل. وقيل: الدين الطاعة أي يوم الطاعة. وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر إلا له، قال الله تعالى: " الملك يومئذ الحق للرحمن " (26 - الفرقان) وقال: " لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار " (16 - غافر) وقال: " والأمر يومئذ لله " (19 - الانفطار) وقرأ أبو عمرو: (( الرحيم ملك )) بادغام الميم في الميم وكذلك يدغم كل حرفين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج سواء كان الحرف ساكناً أو متحركاً إلا أن يكون الحرف الأول مشدداً أو منوناً أو منقوصاً أو مفتوحاً أو تاء الخطاب قبله ساكن من غير المثلين فإنه لا يدغمهما، وإدغام المتحرك يكون في الإدغام الكبير وافقه حمزة في إدغام المتحرك في قوله " بيت طائفة " (81 - النساء)، " والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا " (1-3 الصافات) " والذاريات ذرواً " (1- الذاريات) أدغم التاء فيما بعدها من الحروف، وافقه الكسائي و حمزة في إدغام الصغير، وهو إدغام الساكن في المتحرك إلا في الراء عند اللام والدال عند الجيم وكذلك لا يدغم حمزة - وبرواية خلاد وخلف - الدال عند السين والصاد والزاي، ولا إدغام لسائر القراء إلا في أحرف معدودة.
4- " مالك يوم الدين " قراءة عاصم و الكسائي و يعقوب ويعضده قوله تعالى : " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله " وقرأ الباقون " ملك " . وهو المختار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله تعالى : " لمن الملك اليوم " . ولما من التعظيم . والمالك هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف يشاء من الملك . والملك هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك . وقرئ ملك بالتخفيف وملك بلفظ العمل . ومالكا بالنصب على المدح أو الحال ، ومالك بالرفع منوناً ومضافاً على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وملك مضافاً بالرفع والنصب . ويوم الجزاء ومنه " كما تدين تدان " وبيت الحماسة :
ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا
أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار ، ومعناه ، ملك الأمور يوم الدين على طريقة " ونادوا أصحاب الجنة " . أوله في هذا اليوم ، على وجه الاستمرار لتكون الإضافة حقيقية معدة لوقوعه صفة للمعرفة ، وقيل : " الدين " الشريعة ، وقيل : الطاعة . والمعنى يوم جزاء الدين ، وتخصيص اليوم بالإضافة : إما لتعظيمه ، أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمر فيه ، وإجراء هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجداً للعالمين رباً لهم منعماً عليهم بالنعم كلها ظاهرها وباطنها عاجلها وآجلها ، مالكاً لأمورهم يوم الثواب والعقاب ، للدلالة على أنه الحقيق بالحمد لا أحد أحق به منه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه فإن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته له ، وللإشعار من طريق المفهوم على أن من لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل لأن يحمد فضلاً عن أن يعبد ، فيكون دليلاً على ما بعده فالوصف الأول لبيان ما هو الموجب للحمد ، وهو الإيجاد والتربية . والثاني والثالث للدلالة علىأنه متفضل بذلك مختار فيه ، ليس يصدر منه لإيجاب بالذات أو وجوب عليه قضية لسوابق الأعمال حتى يستحق به الحمد . والرابع لتحقيق الاختصاص فإنه مما لا يقبل الشركة فيه بوجه ما ، وتضمين الوعد للحامدين والوعيد للمعرضين .
4. Owner of the Day of Judgment,
4 - Master of the Day of judgment