39 - (وأن) أنه (ليس للإنسان إلا ما سعى) من خير فليس له من سعى غيره للخير شيء
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه فلقي صديقا له فقال أعطني شيئا فقال أعطيك بكري هذا على أن لا تتحمل ذنوبي فقال له نعم فأنزل الله أفرأيت الذي تولى الآيات
وأخرج عن دراج أبي السميع قال خرجت سرية غازية فسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله فقال لا أجد ما أحملك عليه فانصرف حزينا فمر برجل رحاله منيخة بين يديه فشكا إليه فقال له الرجل هل لك أن أحملك فتلحق الجيش بحسناتك فقال نعم فركب فنزلت أفرأيت الذي تولى إلى قوله ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ان رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا أحمل كل عذاب كان عليك فأعطاه شيئا فقال زدني فتعاسرا حتى أعطاه شيئا وكتب كتابا وأشهد له ففيه نزلت هذه الآية أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى
كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " وقرأ " إن سعيكم لشتى " ( الليل : 4 ) قال : أعمالكم .
وذكر عن ابن عباس أنه قال هذه الآية منسوخة .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " قال : فأنزل الله بعد هذا " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " ( الطور : 21 ) فإدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة .
قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " روي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " فيحصل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه . ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء يدل على ذلك قوله تعالى " آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا " وقال أكثر أهل التأويل : هي محكمة ولا ينفع أحدا عمل أحد وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد . ولم يجز مالك الصيام والحج والصدقة عن الميت ، إلا أنه قال إن أوصى بالحج ومات جاز أن يحج عنه وأجاز الشافعي وغيره الحج التطوع عن الميت . وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه . و"روي أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي توفيت أفأتصدق عنها قال نعم فأي الصدقة أفضل قال : سقي الماء" وقد مضى جميع هذا مستوفى في البقرة وآل عمران والأعراف وقد قيل : إن الله عز وجل إنما قال : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه بما لا يجب له ، كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل . وقال الربيع بن أنس "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " يعني الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره .
قلت : وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول ، وأن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيره . وقد تقدم كثير منها لمن تأملها وليس في الصدقة اختلاف كما في صدر كتاب مسلم عن عبد الله بن المبارك وفي الصحيح :" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث . وفيه ولد صالح يدعو له " وهذا كله تفضل من الله عز وجل كما أن زيادة الأضعاف فضل منه كتب لهم بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف حسنة ، كما "قيل لأبي هريرة أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فقال سمعته يقول إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة "فهذا تفضل . وطريق العدل . "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " قلت : ويحتمل أن يكون قوله " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " خاص في السيئة بدليل ما في صحيح مسلم "عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتب عليه فإن عملها كتبتها سيئة واحدة " وقال أبو بكر الوراق : "إلا ما سعى " إلا ما نوى بيانه" قوله صلى الله عليه وسلم : يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم "
يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " "وأعطى قليلاً وأكدى" قال ابن عباس: أطاع قليلاً ثم قطعه, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد. قال عكرمة وسعيد: كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً, فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل فيقولون أكدينا ويتركون العمل.
وقوله تعالى: " أعنده علم الغيب فهو يرى " أي أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق وقطع معروفه, أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عياناً ؟ أي ليس الأمر كذلك. وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً, ولهذا جاء في الحديث "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" وقد قال الله تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"
وقوله تعالى: "أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ؟" قال سعيد بن جبير والثوري: أي بلغ جميع ما أمر به, وقال ابن عباس "وفى" لله بالبلاغ, وقال سعيد بن جبير "وفى" ما أمر به, وقال قتادة "وفى" طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه وهذا القول هو اختيار ابن جرير, وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال, فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله. قال الله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "وإبراهيم الذي وفى" قال "أتدري ما وفى ؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال "وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار" ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير وهو ضعيف.
وقال الترمذي في جامعه: حدثنا أبو جعفر السمناني, حدثنا أبو مسهر, حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير, عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" قال ابن أبي حاتم رحمه الله: وحدثنا أبي, حدثنا الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" حتى ختم الاية " .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعد عن زبان به, ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: " ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" أي كما لا يحمل عليه وزر غيره, كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه, ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه, أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى, لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء, ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم, ولو كان خيراً لسبقونا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والاراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له, أو صدقة جارية من بعده, أو علم ينتفع به" فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله, كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه, وقد قال تعالى: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" الاية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله, وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً". وقوله تعالى: "وأن سعيه سوف يرى" أي يوم القيامة كقوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وهكذا قال ههنا: "ثم يجزاه الجزاء الأوفى" أي الأوفر.
39- "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" عطف على قوله: " ألا تزر " وهذا أيضاً مما في صحف موسى، والمعنى: ليس له أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحداً عمل أحد، وهذا العموم مخصوص بمثل قوله سبحانه: " ألحقنا بهم ذريتهم "، وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد ومشروعية دعاء الأحياء للأموات ونحو ذلك، ولم يصب من قال: إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور، فإن الخاص لا ينسخ العام، بل يخصصه، فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصاً لما في هذه الآية من العموم.
39. " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "، أي: عمل، كقوله: " إن سعيكم لشتى " (الليل-4) وهذا أيضاً في صحف إبراهيم وموسى.
وقال ابن عباس: هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة، بقوله: " ألحقنا بهم ذريتهم " (الطور-21) فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء.
وقال عكرمة : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، فأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم، لما روي أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت: يارسول الله ألهذا حج؟ قال: (( نعم ولك أجر )).
وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: (( نعم )).
وقال الربيع بن أنس: (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) يعني الكافر، فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له.
وقيل: ليس للكافر من الخير إلا ما عمل هو، فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير.
ويروى أن عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه، فلما مات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفنه فيه، فلم يبق له حسنة في الآخرة يتاب عليها.
39-" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله ، وما جاء في الأخبار من أن الصدقة ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه .
39. And that man hath only that for which be maketh effort,
39 - That man can have nothing but what he strives for;