39 - (فمن تاب من بعد ظلمه) رجع عن السرقة (وأصلح) عمله (فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) في التعبير بهذا ما تقدم فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال ، نعم بينت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الأمام سقط القطع وعليه الشافعي
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه : "فمن تاب"، من هؤلاء السراق ، يقول: من رجع منهم عما يكرهه الله من معصيته إياه ، إلى ما يرضاه من طاعته ، "من بعد ظلمه"، و "ظلمه"، هو اعتداؤه وعمله ما نهاه الله عنه من سرقة أموال الناس ، "وأصلح"، يقول : وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة الله ، والتوبة إليه مما كان عليه من معصيته.
وكان مجاهد - فيما ذكر لنا - يقول : توبته في هذا الموضع ، الحد الذي يقام عليه.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح"، فتاب عليه ، يقول : الحد.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا موسى بن داود قال ، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، "عن عبد الله بن عمرو قال : سرقت امرأة حلياً، فجاء الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله ، سرقتنا هذه المرأة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقطعوا يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك! قال : فأنزل الله جل وعز: "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه"".
وقوله : "فإن الله يتوب عليه"، يقول : فإن الله جل وعز يرجعه إلى ما يحب ويرضى، عما يكره ويسخط من معصيته.
وقوله : "إن الله غفور رحيم"، يقول : إن الله عز ذكره ساتر على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه ، بالعفو عن عقوبته محليها يوم القيامة، وتركه فضيحته بها على رؤوس الأشهاد، "رحيم"، به وبعباده التائبين إليه من ذنوبهم.
السادسة والعشرون- قوله تعالى :" فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح " شرط وجوابه " فإن الله يتوب عليه " ومعنى " من بعد ظلمه " من بعد السرقة فإن الله يتجاوز عنه والقطع لا يسقط بالتوبة وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق وقاله بعض الشافعية وعزاه إلى الشافعي قولاً، وتعلقوا بقول الله تعالى :" إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " وذلك استثناء من الوجوب، فوجب حمل جميع الحدود عليه . وقال علماؤنا: هذا بعينه دليلناً لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " وعطف عليه حد السارق وقال فيه: " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه " فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما. قال ابن العربي: ويا معشر الشافعية سبحان الله ! أين الدقائق الفقهية والحكم الشرعية التي تستنبطونها من غوامض المسائل؟ ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه ، المعتدي بسلاحه، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه استنزالاً عن تلك الحالة، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافاً على الإسلام، فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام ، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم ؟ أو كيف يجوز أن يقال: يقاس على المحارب وقد فرقت بينهما الحكمة والحالة، هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين وإذا ثبت أن الحد لا يسقط بالتوبة فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له وأصلح أي كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب وقيل: وأصلح أي ترك المعصية بالكلية فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة، وقيل: أن تقبل منه التوبة .
السابعة والعشرون- يقال: بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السارقة وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب أن يقال: لما كان حب المال على الرجال أغلب وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضعين هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة النور من البداية بها على الزاني إن شاء الله ثم جعل الله حد السرقة قطع اليد لتناول المال، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان: أحدها- أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن النزجر بها اعتاض بالثانية-وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه الثاني- أن الحد زجر للمحدود وغيره وقطع اليد في السرقة ظاهر، وقطع الذكر في الزنى باطن الثالث- أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطاله والله أعلم .
يقول تعالى حاكماً وآمراً بقطع يد السارق والسارقة, وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي, عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهذه قراءة شاذة, وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقاً لها لا بها, بل هو مستفاد من دليل آخر, وقد كان القطع معمولاً به في الجاهلية, فقرر في الإسلام, وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى, كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه وزيادات هي من تمام المصالح ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش, قطعوا رجلاً يقال له: دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة, كان قد سرق كنز الكعبة, ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده, وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئاً قطعت يده به, سواء كان قليلاً أو كثيراً لعموم هذه الآية "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" فلم يعتبروا نصاباً ولا حرزاً, بل أخذوا بمجرد السرقة .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي, قال: سألت ابن عباس عن قوله "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" أخاص أم عام ؟ فقال: بل عام, وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء, ويحتمل غير ذلك, فالله أعلم. وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده" وأما الجمهور, فاعتبروا النصاب في السرقة وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره, فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة, فعند الإمام مالك بن أنس رحمه الله النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة, فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه, وجب القطع, واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم, أخرجاه في الصحيحين, قال مالك رحمه الله: وقطع عثمان رضي الله عنه في أترجة قومت بثلاثة دراهم, وهو أحب ما سمعت في ذلك, وهذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه, عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقاً سرق في زمن عثمان أترجة, فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً, فقطع عثمان يده. قال أصحاب مالك: ومثل هذا الصنيع يشتهر, ولم ينكر, فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي, وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافاً للحنفية, وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافاً لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم, وللشافعية في اعتبار ربع دينار, والله أعلم .
وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعداً, والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طريق الزهري عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً" ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً" قال أصحابنا: فهذا الحديث فاصل في المسألة, ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه. قالوا: وحديث ثمن المجن, وأنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهماً, فهي ثمن ربع دينار, فأمكن الجمع بهذا الطريق, ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم, وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه, وإسحاق بن راهويه في رواية عنه, وأبو ثور وداود بن علي الظاهري, رحمهم الله .
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية عنه, إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي, فمن سرق واحداً منهما أو ما يساويه, قطع عملاً بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنها, ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اقطعوا في ربع دينار, ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك" وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم, والدينار اثني عشر درهماً. وفي لفظ للنسائي "لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن". قيل لعائشة: ما ثمن المجن ؟ قالت: ربع دينار, فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم, والله أعلم .
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه أبو يوسف ومحمد وزفر, وكذا سفيان الثوري, رحمهم الله, فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة, واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم . وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى, حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى, عن عطاء, عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم, ثم قال: حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن" وكان ثمن المجن عشرة دراهم, قالوا: فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن, فالاحتياط الأخذ بالأكثر, لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحداً منهما, يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر رحمهم الله تعالى. وقال بعض السلف: لا تقطع الخمس إلا في خمس, أي في خمسة دنانير أو خمسين درهماً, وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله. وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة "يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده" بأجوبة [أحدها] أنه منسوخ بحديث عائشة, وفي هذا نظر, لأنه لا بد من بيان التاريخ. [والثاني] أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن, قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه. [والثالث] أن هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده, ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير, فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة, وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد, اشتهر عنه أنه أورد إشكالاً على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار, ونظم في ذلك شعراً دل على جهله وقلة عقله, فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم, وقد أجابه الناس في ذلك, فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله أن قال: لما كانت أمينة, كانت ثمينة, ولما خانت هانت. ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة, فإن في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها. وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار, لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال, فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ولهذا قال: "جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم" أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم, فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك نكالا من الله, أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك, "والله عزيز" أي في انتقامه, "حكيم" أي في أمره ونهيه وشرعه وقدره .
ثم قال تعالى, "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه, فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور, وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها, وقد روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني من حديث... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق قد سرق شملة, فقال: ما إخاله سرق, فقال السارق: بلى يا رسول الله. قال "اذهبوا به فاقطعوه, ثم احسموه, ثم ائتوني به" فقطع فأتي به فقال "تب إلى الله" فقال: تبت إلى الله, فقال "تاب الله عليك". وقد روي من وجه آخر مرسلاً, ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمة رحمهما الله .
وروى ابن ماجه من حديث ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب, عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري, عن أبيه أن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس, جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني سرقت جملاً لبني فلان, فطهرني فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا, فأمر به فقطعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك, أردت أن تدخلي جسدي النار. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا موسى بن داود, حدثنا ابن لهيعة عن يحيى بن عبد الله, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو قال: سرقت امرأة حلياً فجاء الذين سرقتهم, فقالوا: يا رسول الله, سرقتنا هذه المرأة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقطعوا يدها اليمنى" فقالت المرأة: هل من توبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك", قال: فأنزل الله عز وجل "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم".
وقد رواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء بها إلى الذين سرقتهم, فقالوا: يا رسول الله, إن هذه المرأة سرقتنا. قال قومها: فنحن نفديها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقطعوا يدها", فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينار, فقال "اقطعوا يدها" فقطعت يدها اليمنى, فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله ؟ قال "نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك", فأنزل الله في سورة المائدة "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت, وحديثها ثابت في الصحيحين من رواية الزهري عن عروة, عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن المرأة التي سرقت, في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح, فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكلمه فيها أسامة بن زيد, فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أتشفع في حد من حدود الله عز وجل ؟" فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله, فلما كان العشي, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله, ثم قال "أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت, لقطعت يدها", ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد, وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا لفظ مسلم. وفي لفظ له عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها .
وعن ابن عمر قال: كانت امرأة مخزومية تستعير متاعاً على ألسنة جاراتها وتجحده, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها, رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهذا لفظه, وفي لفظ له أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتتب هذه المرأة إلى الله وإلى رسوله, وترد ما تأخذ على القوم", ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها". وقد ورد في أحكام السرقة أحاديث كثيرة مذكورة في كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة, ثم قال تعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض" أي هو المالك لجميع ذلك, الحاكم فيه, الذي لا معقب لحكمه, وهو الفعال لما يريد "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير"
قوله: 39- "فإن الله يتوب عليه" ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد استدل بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة، وليس هذا الاستدلال بصحيح، لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة، وإن الله يتوب على من تاب، وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب. وقد كان في زمن النبوة يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وجب عليه حد تائباً عن الذنب الذي ارتكبه طالباً لتطهيره بالحد فيحده النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه قال للسارق بعد قطعه: تب إلى الله، ثم قال: تاب الله عليك". أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة. وأخرج أحمد وغيره، أن هذه الآية نزلت في المرأة التي كانت تسرق المتاع، لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد قطعها: هل لي من توبة. وقد ورد في السنة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها.
39- " فمن تاب من بعد ظلمه "،أي سرقته، " وأصلح " العمل، " فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم "،هذا فيما بينه وبين الله تعالى ، فأما القطع فلا يسقط عنه بالتوبة عند الأكثرين ، قال مجاهد : قطع السارق توبته ، فإذا قطع حصلت التوبة. والصحيح أن القطع للجزاء على الجناية، كما قال:" جزاءً بما كسبا "، فلا بد من التوبة بعد ، وتوبته الندم على ما مضى والعزم على تركه في المستقبل، وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا غرم عليه و بالاتفاق إن كان المسروق باقياً عنده يسترد وتقطع يده لأن القطع حق الله تعالى والغرم حق العبد ، فلا يمنع أحدهما الآخر ، كاسترداد العين.
39" فمن تاب " من السراق. " من بعد ظلمه " أي بعد سرقته. " وأصلح " أمره بالتقصي عن التبعات والعزم على أن لا يعود إليها. " فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم " يقبل توبته فلا يعذبه في الآخرة. وأما القطع فلا يسقط بها عند الأكثرين لأن فيه حق المسروق منه.
39. But whoso repenteth after his wrongdoing and amendeth, lo! Allah will relent toward him. Lo! Allah is Forgiving, Merciful.
39 - But if the thief repent after his crime, and amend his conduct, God turneth to him in forgiveness; for God is oft forgiving, most merciful.