39 - (وكلا ضربنا له الأمثال) في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار (وكلا تبرنا تتبيرا) أهلكنا إهلاكا بتكذيبهم أنبياءهم
القول في تأويل قوله تعالى : " وكلا ضربنا له الأمثال و كلا تبرنا تتبيرا " .
قوله تعالى :" وكلا ضربنا له الأمثال " قال الزجاج : أي وأنذرنا كلا ضربنا له الأمثال وبينا لهم الحجة ، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة . وقيل : انتصب على تقدير ذكرنا كلا ونحوه ، لأن ضرب الأمثال تذكير ووعظ ، ذكره المهدوي . والمعنى واحد . " وكلا تبرنا تتبيرا " أي أهلكنا بالعذاب . وتبرت الشي كسرته . وقال المؤرج و الأحفش : دمرناهم . تبدل التاء والباء من الدال والميم .
يقول تعالى متوعداً من كذب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه, ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله, فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيراً, أي نبياً مؤازراً ومؤيداً وناصراً, فكذبهما فرعون وجنوده " دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها " وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام, ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل, إذ لا فرق بين رسول ورسول, ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون, ولهذا قال تعالى: "وقوم نوح لما كذبوا الرسل" ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط, وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل, ويحذرهم نقمه "وما آمن معه إلا قليل" ولهذا أغرقهم الله جميعاً ولم يبق منهم أحداً, ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط "وجعلناهم للناس آية" أي عبرة يعتبرون بها, كما قال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق, وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره.
وقوله تعالى: "وعاداً وثمود وأصحاب الرس" قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة, كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة. وأما أصحاب الرس, فقال ابن جريج عن ابن عباس : هم أهل قرية من قرى ثمود. وقال ابن جريج : قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج, وهم أصحاب يس. وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله "وأصحاب الرس" قال: بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكير , عن عكرمة : الرس بئر رسوا فيها نبيهم, أي دفنوه بها.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود, وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود, ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها, ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم, قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره, ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاماً وشراباً, ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة, ويعينه الله تعالى عليها, فيدلي إليه طعامه وشرابه, ثم يردها كما كانت, قال: فكان ذلك ما شاء الله أن يكون, ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع, فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها, فلما أراد أن يحتملها وجد سنة, فاضطجع فنام, فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً, ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الاخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى, ثم إنه هب واحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار, فجاء إلى القرية فباع حزمته, ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع, ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه, فالتمسه فلم يجده, وكان قد بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه, قال: فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل, فيقولون له: لا ندري, حتى قبض الله النبي, هب الأسود من نومته بعد ذلك" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة" وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب مرسلاً, وفيه غرابة ونكارة, ولعل فيه إدراجاً, والله أعلم. وقال ابن جرير : لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن, لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم, وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم, والله أعلم. واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج, فا لله أعلم.
وقوله تعالى: "وقروناً بين ذلك كثيراً" أي وأمما أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة, ولهذا قال "وكلا ضربنا له الأمثال" أي بينا لهم الحجج ووضحنا لهم الأدلة, كما قال قتادة : وأزحنا الأعذار عنهم "وكلا تبرنا تتبيراً" أي أهلكنا إهلاكاً, كقوله تعالى: "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" والقرن هو الأمة من الناس, كقوله "ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين" وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة. وقيل بمائة. وقيل بثمانين, وقيل أربعين, وقيل غير ذلك, والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهم قرن آخر, كما ثبت في الصحيحين "خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم" الحديث "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء" يعني قرية قوم لوط, وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل, كما قال تعالى: "وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين" وقال "وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون" وقال تعالى: "وإنها لبسبيل مقيم" وقال "وإنهما لبإمام مبين" ولهذا قال "أفلم يكونوا يرونها" أي فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله "بل كانوا لا يرجون نشوراً" يعني المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً, أي معاداً يوم القيامة.
39- "وكلا ضربنا له الأمثال" قال الزجاج: أي وأنذرنا كلا ضربنا لهم الأمثال وبينا لهم الحجة، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة، فجعله منصوباً بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأن حذرنا وذكرنا وأنذرنا في معنى ضربنا، ويجوز أن يكون معطوفاً على ما قبله، والتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف، وهو الأمم: أي كل الأمم ضربنا لهم الأمثال "و" أما "كلا" الأخرى: فهي منصوبة بالفعل الذي بعدها، والتتبير: الإهلاك بالعذاب. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته. وقال المؤرج والأخفش: معنى "تبرنا تتبيراً" دمرنا تدميراً أبدلت التاء والباء من الدال والميم.
39- "وكلاً ضربنا له الأمثال"، أي: الأشباه في إقامة الحجة عليهم، فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار، "وكلاً تبرنا تتبيراً"، أي: أهلكنا إهلاكاً. وقال الأخفش: كسرنا تكسيراً. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته.
39ـ " وكلاً ضربنا له الأمثال " بينا له القصص العجيبة قصص
لأولين إنذاراً وإعذاراً فما أصروا أهلكوا كما قال : " وكلاً تبرنا تتبيراً " فتتناه
تفتيتاً ومنه التبر لفتات الذهب والفضة ، " وكلا " الأول منصوب بما دل عليه
" ضربنا " كأنذرنا والثاني بـ " تبرنا " لأنه فارغ .
39. Each (of them) We warned by examples, and each (of them) We brought to utter ruin.
39 - To each one We set forth parables and examples; and each one We broke to utter annihilation (for their sins).