39 - (فسوف تعلمون من) موصولة مفعول العلم (يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل) ينزل (عليه عذاب مقيم)
قوله تعالى : "من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم" .
قوله تعالى: " فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه " تهديد، و ( من) متصلة ب ( ـسوف تعلمون) و ( تعلمون) هنا من باب التعدية إلى مفعول، أي فسوف تعلمون الذي يأتيه العذاب. ويجوز أن تكون ( من) استفهامة، أي أينا يأتيه العذاب؟. وقيل: ( من) في موضع رفع بالابتداء و ( يأتيه) الخبر، و ( يخزيه) صفة لـ ( ـعذاب). وحكى الكسائي : أن أناساً من أهل الحجاز يقولون: سو تعلمون، وقال من قال: ( ستعلمون) أسقط الواو والفاء جميعاً. وحكى الكوفيون: سف تعلمون، ولا يعرف البصريون إلا سوف تفعل، وستفعل لغتان ليست إحداهما من الأخرى " ويحل عليه " أي يجب عليه وينزل به. " عذاب مقيم " أي دائم، يريد عذاب الآخرة.
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبراً عنه أنه قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" فعند ذلك أوحى الله إليه "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم "واصنع الفلك" يعني السفينة "بأعيننا" أي بمرأى منا "ووحينا" أي تعليمنا لك ما تصنعه "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" فقال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار وأن يجعل لها جؤجؤاً أزورا يشق الماء, وقال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين وعن الحسن طولها ستمائة ذارع وعرضها ثلثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذارع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم, قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للإنس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثراً غريباً من حديث علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفاً من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح. قال فضرب الكثيب بعصاه قال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه السلام: أهكذا هلكت ؟ قال: لا. ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت, قال حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر, فقال له عيسى عليه السلام: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقلنا يا رسول الله: ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال فقال له: عد بإذن الله فعاد تراباً, وقوله: "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه" أي يهزءون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق "قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم" الاية وعيد شديد وتهديد أكيد "من يأتيه عذاب يخزيه" أي يهينه في الدنيا "ويحل عليه عذاب مقيم" أي دائم مستمر أبداً .
ثم هددهم بقوله: 39- "فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه" وهو عذاب الغرق في الدنيا "ويحل عليه عذاب مقيم" وهو عذاب النار الدائم، ومعنى يحل: يجعل المؤجل حالاً، مأخوذ من حلول الدين المؤجل، ومن موصولة في محل نصب، ويجوز أن تكون استفهامية في محل رفع: أي أينا يأتيه عذاب يخزيه، وقيل: في موضع رفع بالابتداء، ويأتيه الخبر، ويخزيه صفة لعذاب. قال الكسائي: إن ناساً من أهل الحجاز يقولون سوف تعلمون، قال: ومن قال ستعلمون أسقط الواو والفاء جميعاً، وجوز الكوفيون سوف تعلمون ومنعه البصريون، والمراد بعذاب الخزي: العذاب الذي يخزي صاحبه ويحل عليه العار.
39-"فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه"، يهينه، "ويحل عليه"، يجب عليه، "عذاب مقيم"، دائم.
39."فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه"يعني به إياهم وبالعذب الغرق ."ويحل عليه"وينزل عليه، أو يحل عليه حلول الدين الذي لا انفكاك عنه."عذاب مقيم"دائم وهو عذاب النار.
39. And ye shall know to whom a punishment that will confound him cometh, and upon whom a lasting doom will fall.
39 - But soon will ye know who it is on whom will descend a penalty that will cover them with shame, on whom will be unloosed a penalty lasting: