38 - (والشمس تجري) إلى آخره من جملة الآية لهم أو آية أخرى والقمر كذلك (لمستقر لها) إليه لا تتجاوزه (ذلك) جريها (تقدير العزيز) في ملكه (العليم) بخلقه
وقوله " والشمس تجري لمستقر لها " يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر الغفاري، قال: " كنت جالساً عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس، قال: يا أبا ذر هل تدري أين تذهب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها، وذلك مستقرها ".
وقال بعضهم في ذلك بما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " والشمس تجري لمستقر لها " قال: وقت واحد لا تعدوه.
وقال آخرون: معنى ذلك: تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه، قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع.
وقوله " ذلك تقدير العزيز العليم " يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفى عليه خافية.
قوله تعالى : " والشمس تجري لمستقر لها " يجوز أن يكون تقديره وآية لهم الشمس . ويجوز أن يكون < الشمس > مرفوعاً بإضمار فعل يفسره الثاني . ويجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء " تجري " في موضع الخبر أي جارية . وفي صحيح مسلم " عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : " والشمس تجري لمستقر لها " قال : < مستقرها تحت العرش > " . " وفيه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً : أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون متى ذلكم ذاك حين " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " [ الأنعام : 158 ] " . ولفظ البخاري " عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : تدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى : " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " " ولفظ الترمذي " عن أبي ذر قال : دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه ، قال قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها قال : ثم قرأ < ذلك مستقر لها > " قال : وذلك قراءة عبد الله . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال عكرمة : إن الشمس إذا غربت دخلت محراباً تحت العرش تسبح الله حتى تصبح ، فإذا أصبحت استعفت ربها من الخروج فيقول لها الرب : ولم ذاك ؟ قالت : إني إذا خرجت عبدت من دونك . فيقول الرب تبارك وتعالى : اخرجي فليس عليك من ذاك شيء ، سأبعث إليهم جهنم مع سبعين ألف ملك يقودونها حتى يدخلوهم فيها . وقال الكلبي وغيره : المعنى تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع إلى أدنى منازلها ، فمستقرها بلوغها الموضع الذي لا تتجاوزه بل ترجع منه ، كالإنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى مقصوده فيقضي وطره ، ثم يرجع إلى منزله الأول الذي ابتدأ منه سفره . وعلى تبليغ الشمس أقصى منازلها ، وهو مستقرها إذا طلعت الهنعة ، وذلك اليوم أطول الأيام في السنة ، وتلك الليلة أقصر الليالي ، فالنهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ، ثم يأخذ في النقصان وترجع الشمس ، فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار ، وكل واحد ثنتا عشرة ساعة ، ثم تبلغ أدنى منازلها وتطلع النعائم ، وذلك اليوم أقصر الأيام ، والليل خمس عشرة ساعة ، حتى إذا طلع فرغ الدلو والمؤخر استوى الليل والنهار ، فيأخذ الليل من النهار كل يوم عشر ثلث ساعة ، وكل عشرة أيام ثلث ساعة ، وكل شهر ساعة تامة ، حتى يستويا ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة ، ويأخذ النهار من الليل كذلك . وقال الحسن : إن للشمس في السنة ثلثمائة وستين مطلعاً ، تنزل في كل يوم مطلعاً ، ثم لا تنزله إلى الحول ، فهي تجري في تلك المنازل وهي مستقرها . وهو معنى الذي قبله سواء . وقال ابن عباس : إنها إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استقرت تحت العرش إلى أن تطلع .
قلت : ما قاله ابن عباس يجمع الأقوال فتأمله . وقيل : إلى انتهاء أمدها عند انقضاء الدنيا . وقرأ ابن مسعود و ابن عباس < والشمس تجري لامستقر لها > أي إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار ، إلى أن يكورها الله يوم القيامة . وقد احتج من خالف المصحف فقال : أنا أقرأ بقراءة ابن مسعود و ابن عباس . قال أبو بكر الأنباري : وهذا باطل مردود على من نقله ، لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عباس و ابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عباس < والشمس تجري لمستقر لها > فهذان السندان عن ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع - يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة ، وما اتفقت عليه الأمة .
قلت : والأحاديث الثابتة التي ذكرناها ترد قوله ، فما أجراه على كتاب الله ، قاتله الله . وقوله : " لمستقر لها " أي إلى مستقرها ، والمستقر موضع القرار . " ذلك تقدير " أي الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس تقدير " العزيز العليم " .
يقول تعالى ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة, خلق الليل والنهار هذا بظلامه وهذا بضيائه, وجعلهما يتعاقبان يجيء هذا فيذهب هذا, ويذهب هذا فيجيء هذا, كما قال تعالى: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً" ولهذا قال عز وجل ههنا: "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" أي نصرمه منه, فيذهب فيقبل الليل, ولهذا قال تبارك وتعالى: "فإذا هم مظلمون" كما جاء في الحديث "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس, فقد أفطر الصائم" هذا هو الظاهر من الاية, وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" وقد ضعف ابن جرير قول قتادة ههنا, وقال: إنما معنى الإيلاج الأخذ من هذا في هذا, وليس هذا مراداً في هذه الاية, وهذا الذي قاله ابن جرير حق.
وقوله جل جلاله: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" في معنى قوله: "لمستقر لها" قولان(أحدهما) أن المراد مستقرها المكاني, وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب, وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات, لأنه سقفها, وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة, وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة, وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس, فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون إلى العرش, فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل, صارت أبعد ما تكون إلى العرش, فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث.
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم , حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم: في المسجد عند غروب الشمس, فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش, فذلك قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"".
حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي , حدثنا وكيع , حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه: قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: "والشمس تجري لمستقر لها" قال صلى الله عليه وسلم: مستقرها تحت العرش" هكذا أورده ههنا, وقد أخرجه في أماكن متعددة, ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن الأعمش به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس, فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل, فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها, وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت, فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها ـ ثم قرأ ـ "والشمس تجري لمستقر لها" " وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش, فتستأذن فيؤذن لها, ويوشك أن تسجد, فلا يقبل منها ؟ وتستأذن فلا يؤذن لها, ويقال لها ارجعي من حيث جئت, فتطلع من مغربها, فذلك قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"".
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, قال في قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها" قال: إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم, حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت يؤذن لها, حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها, فتقول إن المسير بعيد, وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ماشاء الله أن تحبس, ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت, قال: فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل, أو كسبت في إيمانها خيراً. وقيل: المراد بمستقرها هو انتهاء سيرها, وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها, ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.
(والقول الثاني) أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة, يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور, وينتهي هذا العالم إلى غايته, وهذا هو مستقرها الزماني. قال قتادة "لمستقر لها" أي لوقتها ولأجل لا تعدوه, وقيل: المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها, ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها, يروى هذا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم "والشمس تجري لمستقر لها" أي لا قرار لها ولا سكون, بل هي سائرة ليلاً ونهاراً, لا تفتر ولا تقف, كما قال تبارك وتعالى: "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين" أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة "ذلك تقدير العزيز" أي الذي لا يخالف ولا يمانع "العليم" بجميع الحركات والسكنات, وقد قدر ذلك ووقته على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس, كما قال عز وجل: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم" وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله تعالى: "ذلك تقدير العزيز العليم".
ثم قال جل وعلا: "والقمر قدرناه منازل" أي جعلناه يسير سيراً آخر يستدل به على مضي الشهور, كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار, كما قال عز وجل: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج". وقال تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" الاية, وقال تبارك وتعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً" فجعل الشمس لها ضوء يخصها, والقمر له نور يخصه, وفاوت بين سير هذه وهذا, فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد, ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاء, يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل, ثم يطول الليل ويقصر النهار, وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري, وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلاً قليل النور, ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة, ثم كلما ارتفع ازداد ضياءً وإن كان مقتبساً من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة, ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهو أصل العذق. وقال مجاهد : العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى, وكذا قال غيرهما, ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديداً أول الشهر الاخر, والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر, فيسمون الثلاث الأول غرر, واللواتي بعدها نقل واللواتي بعدها تسع, لأن أخراهن التاسعة واللواتي بعهدها عشر, لأن أولاهن العشرة, واللواتي بعدها البيض, لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن, واللواتي بعدهن درع جمع درعاء, لأن أولهن أسود لتأخر القمر في أولهن منه, ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود, وبعدهن ثلاث ظلم, ثم ثلاث حنادس, وثلاث دآدى, وثلاث محاق لانمحاق القمر أو الشهر فيهن. وكان أبو عبيدة رضي الله عنه ينكر التسع والعشر. كذا قال في كتاب غريب المصنف.
وقوله تبارك وتعالى: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" قال مجاهد : لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه, إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا, وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا, وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله تعالى: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" قال: ذلك ليلة الهلال. وروى ابن أبي حاتم ههنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: إن للريح جناحاً, وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء. وقال الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح : لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا. وقال عكرمة في قوله عز وجل: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" يعني أن لكل منهما سلطاناً! فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله تعالى: "ولا الليل سابق النهار" يقول: لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار, فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل. وقال الضحاك : لا يذهب الليل من ههنا حتى يجيء النهار من ههنا, وأومأ بيده إلى المشرق. وقال مجاهد "ولا الليل سابق النهار" يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الاخر, والمعنى في هذا أنه لا فترة بين الليل والنهار, بل كان منهما يعقب الاخر بلا مهلة ولا تراخ, لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلباً حثيثاً.
وقوله تبارك وتعالى: "وكل في فلك يسبحون" يعني الليل والنهار والشمس والقمر, كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء, قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض, ورواه ابن أبي حاتم , وهو غريب جداً بل منكر. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف: في فلكة كفلكة المغزل. وقال مجاهد : الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل, لا يدور المغزل إلا بها, ولا تدور إلا به.
38- "والشمس تجري لمستقر لها" يحتمل أن تكون الواو للعطف على الليل، والتقدير: وآية لهم الشمس، ويجوز أن تكون الواو ابتدائية، والشمس مبتدأ، وما بعدها الخبر، ويكون الكلام مستأنفاً مشتملاً على ذكر آية مستقلة. قيل وفي الكلام حذف، والتقدير: تجري لمجرى مستقر لها، فتكون اللام للعلة: أي لأجل مستقر لها، وقيل اللام بمعنى إلى وقد قرئ بذلك. قيل والمراد بالمستقر: يوم القيامة، فعنده تستقر ولا يبقى لها حركة، وقيل مستقرها هو أبعد ما تنتهي إليه ولا تجاوزه، وقيل نهاية ارتفاعها في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء، وقيل مستقرها تحت العرش، لأنها تذهب إلى هنالك فتسجد فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وهذا هو الراجح. وقال الحسن: إن للشمس في اسنة ثلثمائة وستين مطلعاً تنزل في كل يوم مطلعاً ثم لا تنزل إلى الحول، فهي تجري في تلك المنازل، وهو مستقرها، وقيل غير ذلك. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وزين العابدين وابنه الباقر والصادق بن الباقر لا مستقر لها بلا التي لنفي الجنس، وبناء مستقر على الفتح. وقرأ ابن أبي عبلة: لا مستقر بلا التي بمعنى ليس، ومستقر اسمها، ولها خبرها، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى جري الشمس: أي ذلك الجري "تقدير العزيز" أي الغالب القاهر "العليم": أي المحيط علمه بكل شيء، ويحتمل أن تكون الإشارة راجعة إلى المستقر: أي ذلك المستقر: تقدير الله.
38. " والشمس تجري لمستقر لها "، أي: إلى مستقر لها، أي: إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة.
وقيل: إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزه.
وقيل: مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف، ونهاية هبوطها في الشتاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مستقرها تحت العرش ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن اسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن أبي ذر قال:" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: " والشمس تجري لمستقر لها "، قال: مستقرها تحت العرش" .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا الحميدي ، أخبرنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبيه، عن أبي ذر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم "".
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس: (( والشمس تجري لا مستقر لها )) وهي قراءة ابن مسعود، أي: لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبداً " ذلك تقدير العزيز العليم ".
38 -" والشمس تجري لمستقر لها " لحد معين ينتهي غليه دورها ، فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره ، أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال :
والشمس حيرى لها بالجو تدويم
أو لاستقرار لها على نهج مخصوص ، أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلثمائة وستين مشرقاً ومغرباً ، تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل ، أو لمنقطع جريها عند خراب العالم . وقرئ (( لا مستقر لها )) أي لا سكون فإنها متحركة دائماً و (( لا مستقر )) على أن (( لا )) بمعنى ليس . " ذلك " الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن أحصائها . " تقدير العزيز " الغالب بقدرته على كل مقدور . " العليم " المحيط علمه بكل معلوم .
38. And the sun runneth on unto a resting place for him. That is the measuring of the Mighty, the Wise.
38 - And the Sun runs his course for a period determined for him: that is the decree of (Him), The Exalted in Might, the All knowing.