37 - (وقالوا) أي كفار مكة (لولا) هلا (نزل عليه آية من ربه) كالناقة والعصا والمائدة (قل) لهم (إن الله قادر على أن ينزِّل) بالتشديد والتخفيف (آية) مما اقترحوا (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء العادلون بربهم ، المعرضون عن آياته: "لولا نزل عليه آية من ربه"، يقول : قالوا: هلا نزل على محمد آية من ربه ؟ كما قال الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى، لولا الكمي المقنعا
بمعنى : هلا الكمي .
و الآية ، العلامة .
وذلك أنهم قالوا : "مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها" [الفرقان : 7، 8]، قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، لقائلي هذه المقالة لك : "إن الله قادر على أن ينزل آية"، يعني : حجة على ما يريدون ويسألون ، "ولكن أكثرهم لا يعلمون"، يقول : ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية، لا يعلمون ما عليهم في الآية إن نزلها من البلاء، ولا يدرون ما وجه ترك إنزال ذلك عليك . ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنزلها عليك ، لم يقولوا ذلك ، ولم يسألوكه ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
ثم آنسه بقوله " ولقد كذبت رسل من قبلك"وقرئ يكذبونك مخففاً ومشدداً قيل: هما بمعنى واحد كحزنه وأحزنته واختار أبو عبيد قراءة التخفيف وهي قراءة علي رضي الله عنه وروى عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل :" فإنهم لا يكذبونك " قال النحاس: وقد خولف أبو عبيد في هذا وروى : لا نكذبك فأنزل الله عز وجل: "لا يكذبونك " ويقوي هذا أن رجلاً قرأ على ابن عباس " فإنهم لا يكذبونك " مخففاً فقال له ابن عباس " فإنهم لا يكذبونك " لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم : الأمين. ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة ينسبونك إلى الكذب ويردون عليك ما قلت ومعنى لا يكذبونك أي لا يجدونك تأتي بالكذب كما تقول: أكذبته وجدته كذاباً وأبخلته وجدته بخيلاً أي لا يجدونك كاذباً إن تدبروا ما جئت به ويجوز أن يكون المعنى: لا يثبتون عليك أنك كاذب، لأنه يقال: أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب. وعلى التشديد: لا يكذبونك بحجة ولا برهان، ودل على هذا " ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " قال النحاس: والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لأن علياً كرما الله وجهه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف، وحكى الكسائي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته إذا أخبرت أنه كاذب وكذلك قال الزجاج: كذبته إذا قلت له كذبت وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب .
قوله تعالى :" فصبروا على ما كذبوا " أي فاصبر كما صبروا " وأوذوا حتى أتاهم نصرنا " أي عوننا، أي فسيأتيك ما وعدت به " ولا مبدل لكلمات الله " مبين لذلك النصر أي ما وعد الله عز وجل به فلا يقدر أحد أن يدفعه، لا ناقض لحكمه ، ولا خلف لوعده، و" لكل أجل كتاب " [الرعد: 38] " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " [ غافر : 51] " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون " [الصافات :173] " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " [المجادلة:21] " ولقد جاءك من نبإ المرسلين " فاعل جاءك مضمر المعنى : جاءك من نبإ المرسلين نبأ .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين, أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه, أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون, ومما يتعنتون كقولهم "لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً" الايات "قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي هو تعالى قادر على ذلك, ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك, لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا, لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة, كما قال تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وقال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين". وقوله "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة, والإنس أمة, والجن أمة, وقال السدي "إلا أمم أمثالكم" أي خلق أمثالكم.
وقوله "ما فرطنا في الكتاب من شيء" أي الجميع علمهم عند الله, ولا ينسى واحداً من جميعها من رزقه وتدبيره, سواء كان برياً أو بحرياً, كقوله "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها, وحاصر لحركاتها وسكناتها, وقال تعالى: "وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" وقد قال الحافظ أبو يعلى, حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد, حدثني محمد بن عيسى بن كيسان, حدثنا محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله, قال: قل الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها, فسأل عنه فلم يخبر بشيء, فاغتم لذلك, فأرسل راكباً إلى كذا, وآخر إلى الشام, وآخر إلى العراق, يسأل هل رؤي من الجراد شيء أم لا ؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد, فألقاها بين يديه, فلما رآها كبر ثلاثاً, ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خلق الله عز وجل ألف أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". وقوله "ثم إلى ربهم يحشرون" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبيه, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله "ثم إلى ربهم يحشرون" قال: حشرها الموت, وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل, عن سعيد عن مسروق, عن عكرمة عن ابن عباس, قال: موت البهائم حشرها, وكذا رواه العوفي عنه, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك مثله: (والقول الثاني) إن حشرها هو يوم بعثها يوم القيامة, لقوله "وإذا الوحوش حشرت" وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن سليمان, عن منذر الثوري, عن أشياخ لهم, عن أبي ذر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان, فقال "يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان ؟" قال: لا, قال "لكن الله يدري وسيقضي بينهما" ورواه عبد الرزاق, عن معمر, عن الأعمش, عمن ذكره, عن أبي ذر, قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ انتطحت عنزان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون فيم انتطحتا ؟" قالوا: لا ندري, قال "لكن الله يدري وسيقضي بينهما" رواه ابن جرير, ثم رواه من طريق منذر الثوري, عن أبي ذر, فذكره, وزاد: قال أبو ذر: ولقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء, إلا ذكر لنا منه علماً, وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد, وأبو يحيى البزار, قالا: حدثنا حجاج بن نصير, حدثنا شعبة, عن العوام بن مراجم من بني قيس بن ثعلبة, عن أبي عثمان النهدي, عن عثمان رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة" وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن جعفر بن برقان, عن يزيد بن الأصم, عن أبي هريرة, في قوله "إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة, البهائم والدواب والطير وكل شيء, فيبلغ من عدل الله يومئذ, أن يأخذ للجماء من القرناء, ثم يقول كوني تراباً, فلذلك يقول الكافر "يا ليتني كنت تراباً" وقد روي هذا مرفوعاً في حديث الصور.
وقوله "والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات" أي مثلهم في جهلهم, وقلة علمهم, وعدم فهمهم. كمثل أصم, وهو الذي لا يسمع, أبكم وهو الذي لا يتكلم, وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر, فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق, أو يخرج مما هو فيه, كقوله "مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون" وكما قال تعالى: " أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " ولهذا قال " من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم " أي هو المتصرف في خلقه بما يشاء .
هذا كان منهم تعنتاً ومكابرة حيث لم يقتدوا بما قد أنزله الله على رسوله من الآيات البينات التي من جملتها القرآن، وقد علموا أنهم قد عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله، ومرادهم بالآية هنا هي التي تضطرهم إلى الإيمان كنزول الملائكة بمرأى منهم ومسمع، أو نتق الجبل كما وقع لبني إسرائيل، فأمره الله سبحانه أن يجيبهم بأن الله قادر على أن ينزل على رسوله آية تضطرهم إلى الإيمان، ولكنه ترك ذلك لتظهر فائدة التكليف الذي هو الابتلاء والامتحان، وأيضاً لو نزل آية كما طلبوا لم يمهلهم بعد نزولها بل سيعاجلهم بالعقوبة إذا لم يؤمنوا. قال الزجاج: طلبوا أن يجمعهم على الهدى، يعني جمع إلجاء "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أن الله قادر على ذلك، وأنه تركه لحكمة بالغة لا تبلغها عقولهم.
37- قوله عز وجل : " وقالوا "، يعني: رؤساء قريش، " لولا "، هلا، " نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آيةً ولكن أكثرهم لا يعلمون "، ما عليهم في إنزالها .
37" وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه " أي آية بما اقترحوه ، أو آية أخرى سوى ما أنزل من الآيات المتكاثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا . " قل إن الله قادر على أن ينزل آية " مما اقترحوه ، أو آية تضطرهم إلى الإيمان كنتق الجبل ، أو آية إن جحدوها هلكوا . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أن الله قادر على إنزالها ، وأن إنزالها يستجلب عليهم البلاء ، وأن لهم فيما أنزل مندوحة عن غيره ، وقرأ ابن كثير ينزل بالتخفيف والمعنى واحد . [نائل1]
[نائل1]
37. They say: Why hath no portent been sent down upon him from his Lord? Say: Lo! Allah is Able to send down a portent. But most of them know not.
37 - They say: why is not a sign sent down to him from his lord? say: God hath certainly power to send down a sign: but most of them understand not.