37 - قال تعالى (أهم خير أم قوم تبع) هو نبي أو رجل صالح (والذين من قبلهم) من الأمم (أهلكناهم) بكفرهم والمعنى ليسوا أقوى منهم وأهلكوا (إنهم كانوا مجرمين)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير ، أم قوم تبع ، يعني تبعاً الحميري .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل " أهم خير أم قوم تبع " ؟ قال : الحميري .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " أهم خير أم قوم تبع " ذكر لنا أن قوم تبعاً كان رجلاً من حمير ، سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها . وذكر لنا أنه كان إذا كتب باسم الذي تسمى وملك براً وبحراً وصحاً وريحاً . وذكر لنا أن كعباً كان يقول : نعت نعت الرجل الصالح ذم الله قومه لوم يذمه . وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعاً ، فإنه كان رجلاً صالحاً .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قالت عائشة : كان تبع رجلاً صالحاً . وقال كعب : ذم الله قومه لم يذمه .
حدثنا أبن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن تميم بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير ، أن تبعاً كسا البيت . ونهى سعيد عن سبه .
وقوله : " والذين من قبلهم " يقول تعالى ذكره : أهؤلاء ا لمشركون من قريش خير أم قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها ، يقول : فليس هؤلاء بخير من أولئك ، فنصفح عنهم ، ولا نهلكهم ، وهم بالله كافرون ، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم قبلهم كفاراً .
وقوله : " إنهم كانوا مجرمين " يقول : إن قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لإجرامهم ، وكفرهم بربهم . وقيل : إنهم كانوا مجرمين ، فكسرت ألف < إن > على وجه الابتداء ، وفيها معنى الشرط استغناءً بدلالة الكلام على معناها .
قوله تعالى : " أهم خير أم قوم تبع " هذا استفهام إنكار ، أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب ، إذ ليسوا خيراً من قوم تبع والأمم المهلكة ، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء ، وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً أم قوم تبع ، وقيل : أهم أعز وأشد وأمنع أم قوم تبع ، وليس المراد بتبع رجلاً واحداً بل المراد به ملوك اليمن ، فكانوا يسمون ملوكهم التبايعة ، فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين ، وكسرى للفرس ، وقيصر للروم ، وقال أبو عبيد : سمي كل واحد منهم تبعاً لأنه يتبع صاحبه ، قال الجوهري : والتبابعة ملوك اليمن ، واحدهم تبع ، والتبع أيضاً الظل ، وقال :
يرد المياه حضيرة ونفيضة ورد القطاة إذا اسمأل التبع
والتبع أيضاً ضرب من الطير ، وقال السهيلي : تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت ، وإن ملك اليمن وحدها لم يقل له تبع ، قاله المسعودي ، فمن التبابعة : الحارث الرائش ، وهو ابن همال ذي سدد وأبرهة ذو المنار ، وعمرو ذو الأذعار ، وشمر بن مالك ، الذي تنسب إليه سمرقند ، وأفريقيس بن قيس ، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان ، وبه سميت إفريقية .
والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحداً من هؤلاء ، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره ، ولذلك قال عليه السلام : " ولا أدري أتبع لعين أم لا " ، ثم قد روي عنه أنه قال : " لا تسبوا تبعاً فإنه كان مؤمناً " ، فهذا يدلك على أنه كان واحداً بعينه ، وهو الله أعلم ، أبو كرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه ، وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها ، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد ، وقال شعراً أودعه عند أهلها ، فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد ، وفيه :
شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيراً له وابن عم
وذكر الزجاج و ابن أبي الدنيا و الزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء ويقال بناحية حمير في الإسلام ، فوجد فيه امرأتان صحيحتان ، وعند روؤسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب ( هذا قبر حبي ولميس ) ويروي أيضاً : ( حبي وتماضر ) ويروى أيضاً : ( هذا قبر رضوى وقبر حبي ابنتا تبع ، ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئاً ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما ) .
قلت : وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه : ( أما بعد ، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على دينك وسنتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء ، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام ، فإن أدركتك فبها ونعمت ، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة ، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة إبراهيم عليه السلام ، ثم ختم الكتاب ونقش عليه : لله الأمر من قبل ومن بعد ) وكتب على عنوانه ( إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله ، خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبع الأول ) وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية لـ الفارابي رحمه الله ، وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص .
واختلف هل كان نبياً أو ملكاً ، فقال ابن عباس : كان تبع نبياً ، وقال كعب : كان تبع ملكاً من الملوك ، وكان قومه كهاناً وكان معهم قوم من أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقترب كل فريق مهم قرباناً ففعلوا ، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم ، وقالت عائشة رضي الله عنها ، لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً ، وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حمير ، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها ، حكاه الماوردي ، وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري ، وكان سار بالجنور حتى عبر الحيرة ، وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد ، وقال الكلبي : تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب ، وإنما سمي تبعاً لأنه تبع من قبله ، وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات ، وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه ، وضرب بهم لقريش مثلاً لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم ، فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم لأنهم كانوا مجرمين ، كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك ، وافتخر أهل اليمن بهذه الآية ، إذ جعل الله قوم تبع خيراً من قريش ، وقيل : سمي أولهم تبعاً لأنه اتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر .
قوله تعالى : " والذين من قبلهم أهلكناهم " ( الذين ) في موضع رفع عطف على ( قوم تبع ) ، ( أهلكناهم ) صلته ، ويكون ( من قبلهم ) متعلقاً به ، ويجوز أن يكون ( من قبلهم ) صلة ( الذين ) ويكون في الظرف عائد إلى الموصول ، وإذا كان كذلك كان ( أهلكناهم ) على أحد أمرين : إما أن يقدر معه ( قد ) فيكون في موضع الحال ، أو يقدر حذف موصوف ، كأنه قال : قوم أهلكناهم ، والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين ، ويجوز أن يكون (( والذين من قبلهم ) ابتداء خبره ( أهلكناهم ) ويجوز أن يكون ( الذين ) في موضع جر عطفاً على ( تبع ) كأنه قال : قوم تبع المهلكين من قبلهم ويجوز أن يكون ( الذين ) في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه ( أهلكناهم ) والله أعلم .
يقول تعالى منكراً على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد وأنه ما ثم إلا هذه الحياة الدنيا ولا حياة بعد الممات ولا بعث ولا نشور, ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا فإن كان البعث حقاً " فاتوا بآبائنا إن كنتم صادقين " وهذه حجة باطلة وشبه فاسدة, فإن المعاد إنما هو يوم القيامة لا في الدار الدنيا بل بعد انقضائها وذهابها وفراغها, يعيد الله العالمين خلقاً جديداً, ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوداً, يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً, ثم قال تعالى متهدداً لهم ومتوعداً ومنذراً لهم بأسه الذي لا يرد كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين المنكرين للبعث كقوم تبع, وهم سبأ, حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر, كما تقدم ذلك في سورة سبأ وهي مصدرة بإنكار المشركين للمعاد, وكذلك ههنا شبههم بأولئك وقد كانوا عرباً من قحطان, كما أن هؤلاء عرب من عدنان, وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تبعاً, كما يقال كسرى لمن ملك الفرس, وقيصر لمن ملك الروم, وفرعون لمن ملك مصر كافراً, والنجاشي لمن ملك الحبشة وغير ذلك من أعلام الأجناس.
ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه, واتسعت مملكته وبلاده وكثرت رعاياه وهو الذي مصر الحيرة, فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية, فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار, وجعلوا يقرونه بالليل فاستحيا منهم وكف عنهم, واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة, فإنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان, فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن, فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه عن ذلك أيضاً وأخبراه بعظمة هذا البيت, وأنه من بناء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام, وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان, فعظمها وطاف بها وكساها الملاء والوصائل والحبر, ثم كر راجعاً إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه, وكان إذ ذاك دين موسى عليه الصلاة والسلام فيه من يكون من الهداية قبل بعثة المسيح عليه الصلاة والسلام, فتهود معه عامة أهل اليمن, وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة, وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا ومما لم نذكر. وذكر أنه ملك دمشق وأنه كان إذا استعرض الخيل صفت له من دمشق إلى اليمن. ثم ساق من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا ؟ ولا أدري تبع لعيناً كان أم لا ؟ ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم ملكاً ؟" وقال غيره "عزير أكان نبياً أم لا ؟" وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن حماد الظهراني عن عبد الرزاق قال الدارقطني: تفرد به عبد الرزاق, ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً "عزير لا أدري أنبياً أم لا ؟ ولا أدري ألعين تبع أم لا ؟" ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وكأنه والله أعلم كان كافراً ثم أسلم وتابع دين الكليم على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح عليه السلام, وحج البيت في زمن الجرهميين وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة آلاف بدنة وعظمه وأكرمه. ثم عاد إلى اليمن.
وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر من طرق متعددة مطولة مبسوطة عن أبي بن كعب, وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم, وكعب الأحبار وإليه المرجع في ذلك كله, وإلى عبد الله بن سلام أيضاً وهو أثبت وأكبر وأعلم. وكذا روى قصته وهب بن منبه ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور فيها. وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة تبع هذا بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل, فإن تبعاً هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه, ثم لما توفي عادوا بعده إلى عبادة النيران والأصنام فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ, وقد بسطنا قصتهم هنالك ولله الحمد والمنة, وقال سعيد بن جبير: كسا تبع الكعبة وكان سعيد ينهى عن سبه, وتبع هذا هو تبع الأوسط, واسمه أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليماني, ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستاً وعشرين سنة, ولم يكن في حمير أطول مدة منه, وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من سبعمائة سنة. وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة مهاجر نبي في آخر الزمان اسمه أحمد, قال في ذلك شعراً واستودعه عند أهل المدينة, فكانوا يتوارثونه ويروونه خلفاً عن سلف, وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره وهو:
شهدت على أحمد أنــــــه رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمـره لـــــكنت وزيراً له وابن عم
وجاهدت بالسيف أعداءه وفرجــت عن صدره كل غم
وذكر ابن ابي الدنيا أنه حفر قبر بصنعاء في الإسلام فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين, وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب: هذا قبر حيي وتميس, وروي حيي وتماضر ابنتي تبع, ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئاً, وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما. وقد ذكرنا في سورة سبأ شعراً في ذلك أيضاً. قال قتادة: ذكر لنا أن كعباً كان يقول في تبع نعت نعت الرجل الصالح: ذم الله تعالى قومه ولم يذمه. قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: لا تسبوا تبعاً فإنه قد كان رجلاً صالحاً. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا صفوان, حدثنا الوليد, حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي زرعة ـ يعني عمرو بن جابر الحضرمي, قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا تبعاً فإنه قد كان أسلم".
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة به وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار, حدثنا أحمد بن محمد بن أبي برزة, حدثنا مؤمل بن إسماعيل, حدثنا سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم" وقال عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أدري تبع نبياً كان أم غير نبي" وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر "لا أدري تبع كان لعيناً أم لا " فالله أعلم ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى البدي عن عكرمة عن ابن عباس موقوفاً. وقال عبد الرزاق: أخبرنا عمران أبو الهذيل, أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال: قال عطاء بن أبي رباح لا تسبوا تبعاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سبه, والله تعالى أعلم.
ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله: 37- "أهم خير أم قوم تبع" أي أهم خير في القوة والمنعة: أم قوم تبع الحميري الذي دار في الدنيا بجيوشه وغلب أهلها وقهرهم، وفيه وعيد شديد. وقيل المراد بقوم تبع جميع أتباعه لا واحد بعينه. وقال الفراء: الخطاب في قوله: " فاتوا بآبائنا " لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده كقوله: "رب ارجعون" والأولى أنه خطاب له ولأتباعه من المسلمين "و" المراد بـ "الذين من قبلهم" عاد وثمود ونحوهم، وقوله: "أهلكناهم" جملة مستأنفة لبيان حالهم وعاقبة أمرهم، وجملة "إنهم كانوا مجرمين" تعليل لإهلاكهم، والمعنى: أن الله سبحانه قد أهلك هؤلاء بسبب كونهم مجرمين، فإهلاكه لمن هو دونهم بسبب كونه مجرماً مع ضعفه وقصور قدرته بالأولى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولقد فتنا" قال: ابتلينا " قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم " قال: هو موسى " أن أدوا إلي عباد الله " أرسلوا معي بني إسرائيل "وأن لا تعلوا على الله" قال: لا تعثوا "إني آتيكم بسلطان مبين" قال: بعذر مبين "وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون" قال: بالحجارة "وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون" أي خلوا سبيلي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله: "أن أدوا إلي عباد الله" قال: يقول اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق، وفي قوله: "وأن لا تعلوا على الله" قال: لا تفتروا وفي قوله: "أن ترجمون" قال: تشتمون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "رهواً" قال: سمتاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "رهواً" قال: كهيئته وامضه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً أنه سأل كعباً عن قوله: "واترك البحر رهواً" قال: طريقاً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أيضاً قال: الرهو أن يترك كما كان. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "ومقام كريم" قال: المنابر. وأخرج ابن مردويه عن جابر مثله. وأخرج الترمذي وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد إلا وله بابان: باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه، وتلا هذه الآية "فما بكت عليهم السماء والأرض" وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملاً صالحاً تبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام صالح فتفقدهم فتبكي عليهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب نحوه من قول ابن عباس. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: يقال الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه، إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "فما بكت عليهم السماء والأرض" ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر". وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا من طريق المسيب بن رافع عن علي بن أبي طالب قال: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، ثم تلا الآية. وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: إن الأرض لتبكي على ابن آدم أربعين صباحاً ثم قرأ الآية. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم". وأخرجه أحمد والطبراني وابن ماجه وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وروي نحو هذا عن غيرهما من الصحابة والتابعين.
37. " أهم خير أم قوم تبع "، أي ليسوا خيراً منهم، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع. قال قتادة : هو تبع الحميري، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة، وبنى سمرقند وكان من ملوك اليمن، سمي تبعا لكثرة أتباعه، وكل واحد منهم يسمى: ((تبعاً)) لأنه يتبع صاحبه، وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير، فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره.
وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا: كان تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب بن مليك [جاء بكرب] حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة، فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل، فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام، إذ جاءه حبران اسمهما: كعب وأسد من أحبار بني قريظة، عالمان وكانا ابني عم، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له: أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة. فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد، مولده مكة، وهذه دار هجرته. ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه، وفي عدوهم. قال تبع: من يقاتله وهو نبي؟ قالا: يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا، فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا: إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة، قال: أي بيت؟ قالوا: بيت بمكة، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار، فقالوا: ما نعلم لله في الأرض بيتاً غير هذا البيت، فاتخذه مسجداً وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا هلك، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح، وكسا البيت الوصائل، وهو أول من كسا البيت، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف، فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه، قالوا: لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فقال تبع: أنصفتم، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجهما الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن.
وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال: كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة.
وذكر لنا أن كعباً كان يقول: ذم الله قومه ولم يذمه.
وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً.
وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت.
أخبرنا سعيد الشريحي ، أخبرنا إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن سهل بن سعد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم ".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أدري تبع نبياً كان أو غير نبي ". " والذين من قبلهم "، من الأمم الكافرة. " أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ".
37-" أهم خير " في القوة والمنعة . " أم قوم تبع " تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند . وقيل هدمها وكان مؤمناً وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه . وعنه عليه الصلاة والسلام : " ما أدري أكان تبع نبياً أم غير نبي " . وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون . " والذين من قبلهم " كعاد وثمود . " أهلكناهم " استئناف بمآل قوم تبع ، " والذين من قبلهم " هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به . " إنهم كانوا مجرمين " بيان للجامع المقتضي للإهلاك .
37. Are they better, or the folk of Tubba and those before them? We destroyed them, for surely they were guilty.
37 - What! are they better than the people of Tubba and those who were before them? We destroyed them because they were guilty of sin.