37 - (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) أي الآيات الأربع (إن كنتم إياه تعبدون)
يقول تعالى ذكره : ومن حجج الله تعالى على خلقه ودلالته على وحدانيته ، وعظيم سلطانه ، اختلاف الليل والنهار ، ومعاقبة كل واحد منهما صاحبه ، والشمس والقمر ، لا الشمس تدرك القمر " ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " [ يس : 40 ] لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر ، فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم ، فإنما يجريان بها لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما ، لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما ، أو يستطيعان لكم نفعاً أو ضراً ، وإنما الله مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم ، فله فاسجدوا ، وإياه فاعبدوا دونهما ، فإنه إن شاء طمس ضوءهما ، فترككم حيارى في ظلمة لا تهتدون سبيلاً ، ولا تبصرون شيئاً . وقيل : " اسجدوا لله الذي خلقهن " فجمع بالهاء والنون ، لأن المراد من الكلام : واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، وذلك جمع وأنت كنايتهن ، وإن كان من شأن العرب إذا جمعوا الذكر إلى الإنثى أن يخرجوا كنايتهما بلفظ كناية المذكر فيقولوا : أخواك وأختاك كلموني ، ولا يقولوا : كلمني ، لأن من شأنها أن يؤنثوا أخبار الذكور من غير بني آدم في الجمع ، فيقولوا : رأيت مع عمرو أثواباً فأخذتهن منه ، وأعجبني خواتيم لزيد فبقضهن منه .
وقوله : " إن كنتم إياه تعبدون " يقول : إن كنتم تعبدون الله ، وتذلون له بالطاعة ، وإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة ، ولا تشركوا في طاعتكم إياه وعبادتكموه شيئاً سواه ، فإن العبادة لا تصلح لغيره ولا تنبغي لشيء سواه .
قوله تعالى : " ومن آياته " علامته الدالة على وحدانيته وقدرته " الليل والنهار والشمس والقمر " وقد مضى في غير موضع . ثم نهى عن السجود لهما ، لأنها وإن كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العابدة مع الله ، لأن خلقهما هوالله ولو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما . " واسجدوا لله الذي خلقهن " وصورهن وسخرهن ، فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار . وقيل : للشمس والقمر خاصة ، لأن الاثنين جمع . وقيل : الضمير عائد على معنى الآيات " إن كنتم إياه تعبدون " وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على طرق التغليب للذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل .
يقول تعالى منبهاً خلقه على قدرته وأنه الذي لا نظير له على ما يشاء قادر "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر" أي أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه وهما متعاقبان لا يفترقان, والشمس نورها وإشراقها والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه واختلاف سيره في سمائه ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار والجمع والشهور والأعوام, ويتبين حلول الحقوق وأوقات العبادات والمعاملات. ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده تحت قهره وتسخيره فقال: "لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون" أي ولا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره فإنه لا يغفر أن يشرك به ولهذا قال تعالى: "فإن استكبروا"أي عن إفراد العبادة له وأبوا إلا أن يشركوا معه غيره "فالذين عند ربك" يعني الملائكة "يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون" كقوله عز وجل: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين". وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا سفيان يعني ابن وكيع حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الليل ولا النهار ولا الشمس ولا القمر ولا الرياح فإنها ترسل رحمة لقوم وعذاباً لقوم". وقوله: "ومن آياته" أي على قدرته على إعادة الموتى "أنك ترى الأرض خاشعة" أي هامدة لا نبات فيها بل هي ميتة "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" أي أخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار "إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير".
شرع سبحانه في بيان بعض آياته البديعة الدالة على كمال قدرته وقوة تصرفه للاستدلال بها على توحيده فقال: 37- "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر" ثم لما بين أن ذلك من آياته نهاهم عن عبادة الشمس والقمر، وأمرهم بأن يسجدوا لله عز وجل فقال " لا تسجدوا للشمس ولا للقمر " لأنهما مخلوقان من مخلوقاته، فلا يصح أن يكونا شريكين له في ربوبيته "واسجدوا لله الذي خلقهن" أي خلق هذه الأربعة المذكورة، لأن جمع ما لا يعقل حكمه حكم جمع الإناث، أو الآيات، أو الشمس والقمر، لأن الاثنين جمع عند جماعة من الأئمة "إن كنتم إياه تعبدون" قيل كان ناس يسجدون للشمس والقمر كاصابئين في عبادتهم الكواكب، ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن ذلك، فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بلا خلاف، وإنما اختلفوا في مواضع السجدة، فقيل موضعه عند قوله: "إن كنتم إياه تعبدون" لأنه متصل بالأمر، وقيل عند قوله: "وهم لا يسأمون" لأنه تمام الكلام.
37. قوله عز وجل: " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن "، تإنما قال: ((خلقهن)) بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير، ولم يجرها على طريق التغليب للمذكر على المؤنث، " إن كنتم إياه تعبدون ".
37-" ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر " لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم . " واسجدوا لله الذي خلقهن " الضمير للأربعة المذكورة ، والمقصود تعليق الفعل بهما إشعاراً بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار . " إن كنتم إياه تعبدون " فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به ، وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى .
37. And of His portents are the night and the day and the sun and the moon. Adore not the sun nor the moon; but adore Allah Who created them, if it is in truth Him whom ye worship.
37 - Among His Signs are the Night and the Day, and the Sun and the Moon. Adore not the sun and the moon, but adore God, Who created them, if it is Him ye wish to serve.