36 - (وإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة (ينزغنك من الشيطان نزغ) أي يصرفك عن الخصلة وغيرها من الخير صارف (فاستعذ بالله) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك (إنه هو السميع) للقول (العليم) بالفعل
وقوله : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله " ... الآية . يقول تعالى ذكره : وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة ، ودعائك إلى مساءته ، فاستجر بالله واعتصم من خطواته ، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته ، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك ، العليم بما ألقى في نفسك من نزغاته ، وحدثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قلبك ، وغير ذلك من أمورك وأمور خلقه .
كما حدثنا محمد ، قا ل : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " قال : وسوسة وحديث النفس ، " فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " قال : هذا الغضب .
قوله تعالى : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " تقدم في آخر ( الأعراف ) مستوفى " فاستعذ بالله " من كيده وشره " إنه هو السميع " لاستعاذتك " العليم " بأفعالك وأقوالك .
يقول عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" أي دعا عباد الله إليه "وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" أي هو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى الخير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك كما قال محمد بن سيرين والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء كما ثبت في صحيح مسلم "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" وفي السنن مرفوعاً "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين" وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن الهروي حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "سهام المؤذنين عند الله تعالى يوم القيامة كسهام المجاهدين وهو بين الاذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله تعالى في دمه" قال: وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو كنت مؤذناً ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للمؤذنين" ثلاثاً, قال: فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال صلى الله عليه وسلم: "كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعافهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين" قال وقالت عائشة رضي الله عنها ولهم هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" قالت: فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل وعمل صالحاً يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة. ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين ـ صلاة ـ ثم قال في الثالثة ـ لمن شاء" وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال الثوري: لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به وقال الترمذي: هذا حديث حسن, ورواه النسائي أيضاً من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به. والصحيح أن الاية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الاية فإنه لم يكن الأذان مشروعاً بالكلية لأنها مكية والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه في منامه فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلقيه على بلال رضي الله عنه فإنه أندى صوتاً كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" فقال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله, وقوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" أي فرق عظيم بين هذه وهذه "ادفع بالتي هي أحسن" أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله عز وجل: "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك, ثم قال عز وجل: "وما يلقاها إلا الذين صبروا" أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والاخرة, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقوله تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقة الذي سلطه عليك فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه", وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" وفي سورة المؤمنين عند قوله: "ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون".
ثم أمره سبحانه بالاستعاذة من الشيطان فقال: 36- "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" النزغ شبيه النخس شبه به الوسوسة لأنها تبعث على الشر، والمعنى: وإن صرفك الشيطان عن شيء مما شرعه الله لك، أو عن الدفع بالتي هي أحسن فاستعذ بالله من شره، وجعل النزغ نازغاً على المجاز العقلي كقولهم: جد جده، وجملة "إنه هو السميع العليم" تعليل لما قبلها: أي السميع لكل ما يسمع، والعليم بكل ما يعلم، ومن كان كذلك فهو يعيذ من استعاذ به.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون: "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" وكان إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحب أن يسمع القرآن، فأنزل الله: "لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها". وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن قوله: " ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس " قال: هو ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس. وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه عن أنس قال: "قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال: قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها". وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ومسدد وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران عن أبي بكر الصديق في قوله: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال: الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن راهويه وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال: ما تقولون في هاتين الآيتين "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا"، و"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" قالوا: الذين قالوا ربنا الله ثم عملوا لها واستقاموا على أمره فلم يذنبوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا. قال: لقد حملتوهما على أمر شديد "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" يقول بشرك، والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة: ثم استقاموا على فرائض الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس "ثم استقاموا" قال: على شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر عن عمر بن الخطاب " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال: استقاموا بطاعة الله ولم يروغوا روغان الثعلب. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والبخاري في تاريخه ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن سفيان الثقفي "أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم، قلت: فما أتقي؟ فأوى إلى لسانه" قال الترمذي: حسن صحيح. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة في قوله: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" قالت: المؤذن "وعمل صالحاً" قالت: ركعتان فيما بين الأذان والإقامة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت: ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المؤذنين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن" قال: أمر المسلمين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم "كأنه ولي حميم". وأخرج ابن مردويه عنه "ادفع بالتي هي أحسن" قال: القه بالسلام فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: "وما يلقاها إلا الذين صبروا" قال: الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سليمان بن صرد قال: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: أمجنون تراني؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم "".
36. " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع "، لاستعاذتك وأقوالك، " العليم "، بأفعالك وأحوالك.
36-" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ ، وجعل النزغ نازغاً على طريقة جديدة ، أو أريد به نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر . " فاستعذ بالله " من شره ولا تطعه . " إنه هو السميع " لاستعاذتك . " العليم " بنيتك أو بصلاحك .
36. And if a whisper from the devil reach thee (O Muhammad) then seek refuge in Allah. Lo! He is the Nearer, the Knower.
36 - And if (at any time) an incitement to discord is made to thee by the Evil One, seek refuge in God. He is the One who hears and knows all things.