35 - (لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد) زيادة على ما عملوا وطلبوا
وقوله : " لهم ما يشاؤون فيها " يقول : لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أزلفت لهم من كل ما تشتهييه نفوسهم ، وتلذه عيونهم .
وقوله " ولدينا مزيد " يقول : وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه . وقيل إن ذلك لمزيد : النظر إلى الله جل ثناؤه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن سهيل الواسطي قال : ثنا قرة بن عيسى قال : ثنا النضر بن عربي جده ، عن أنس إن الله عزوجل إذا أسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، هبط إلى مرج من الجنة أفيح ، فمد بينه وبين خلقه حجبا من لؤلؤ وحجبا من نور ، ثم وضعت منابر النور وسرر النور وكراسي النور ، ثم أذن لرجل على الله عزوجل بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل : هذا المجعول بيده ، والمعلم الأسماء ، والذي أمرت الملائكة فسجدت له ، والذي له أبيحت الجنة ، آدم عليه السلام ، قد أذن له على الله تعالى ، قال: ثم يؤذن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور ، يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم ، فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد إذن له علىالله ؟ فقيل : هذا الذي اتخذه الله خليلا ، وجعل عليه النار بردا وسلاما ، إبراهيم قد أذن له على الله . قال : ثم أذن لرجل آخر على الله ، بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم ، فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل : هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقربه نجيا ، وكلمه [كلاما ] موسى عليه السلام ، قد أذن له على الله . قا ل : ثم يؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النبيين قبله ، بين يديه أمثال الجبال [ من نور ] يسمع دوي تسبيح الملائكة معه ، وصفق أجنحتهم ، فمد أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي الذي قد أذن له على الله ؟ فقيل : هذا أول شافع ، وأول مشفع ، وأكثر الناس واردة ، وسيد ولد آدم ، وأول من تنشق عن ذؤابتيه الأرض ، وصاحب لواء الحمد ، أحمد صلى الله عليه وسلم ، قد أذن له على الله . قال : فجلس النبيون على منابر النور ، [ والصديقون على سرر النور ، والشهداء على كراسي النور ] وجلس سائر الناس على كثبان المسك الأذفر الأبيض ، ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، . يا ملائكتي ، انهضوا إلى عبادي ، فأطعموهم . قال : فقربت إليهم من لحوم طير ، كأنها البخت لا ريش لها ولا عظم ، فأكلوا ، قال : ثم ناداهم الرب من وراء الحجاب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا ، اسقوهم قال:فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة ، لذة آخرها كلذة أولها ، لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، ثم ناداهم الرب من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا ، فكهوهم قال : فيقرب إليهم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان ، ومن الرطب الذي سمى الله ، أشد بياضا من اللبن وأطيب عذوبة من العسل . قال : فأكلوا ثم ناداهم الرب من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، وفكهوا ، اكسوهم قال : ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنورالرحمن فألبسوها . قال ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا ، وشربوا ، وفكهوا ، وكسوا ، طيبوهم قال : فهاجت عليهم ريح يقال لها المثيرة ، بأباريق المسك [ الأبيض ] الأذفر ، فنفحت على وجوههم من غير غبار ولا قتام . قال : ثم ناداهم الرب عزوجل من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا وفكهوا ، وكسوا وطيبوا ، وعزتي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي قال : فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد ، قال : فتجلى لهم الرب عزوجل ، ثم قال : السلام عليكم عبادي ، انظروا إلي فقد رضيت عنكم . قال : فتداعت قصور الجنة وشجرها : سبحانك اربع مرات ، وخر القوم سجدا ، قال : فناداهم الرب تبارك وتعالى : عبادي ارفعوا روؤسكم فإنها ليست بدار عمل ، ولا دار نصب إنما هي دار جزاء وثواب ، وعزتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم ، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي
حدثنا علي بن الحسين بن أبجر قال : ثنا عمر بن يونس اليمامي قال : ثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال : ثني أبو طيبة عن معاوية العبسي عن عثمان بن عمير عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل عليه السلام وفي كفه مرآة بيضاء ، فيها نكتة سوداء فقلت : يا جبريل ما هذه؟ قال : هذه الجمعة ،قلت : فما هذه النكتة السوداء فيها ؟ قال : هي الساعة تقوم يوم الجمعة وهو سيد الأيام عندنا ، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد ، قلت : ولم تدعونه يوم المزيد ؟ قال : إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور ، ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم تجيئ أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب فيتجلى لهم ربهم عزوجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول : أنا الذي صدقتكم عدتي ، وأتممت عليكم نعمتي ، فهذا محل كرامتي ، فسلوني ، فيسألونه الرضا ، فيقول : رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي سلوني! فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر عل قلب بشر ، إلى مقدار منصرف الناس من الجمعة حتى يصعدعلى كرسيه فيصعد معه الصديقون والشهداء ، وترجع أهل الجنة إلى غرفهم درة بيضاء ، لا نظم فيها ولا فصم ، أو ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء ، منها غرفها وأبوابها ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ، ليزدادوا منه كرامة ،وليزداوا نظرا إلى وجهه ، ولذلك دعي يوم المزيد "
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث علي بن الحسين .
حدثنا الربيع بن سليمان قال : ثنا أسد ن موسى قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم عن صالح بن حيان عن أبي بريدة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن عليه قال : أخبرنا ابن عون عن محمد قال : حدثنا - أو قال : قالوا -إن أدنى أهل الجنة منزلة ، الذي يقال له تمن ، ويذكره أصحابه فيتمنى ، ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه . قال : قال ابن عمر : ذلك لك وعشرة أمثاله ، وعند الله مزيد .
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أنه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأته فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيءما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ، ويسألها من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليها من التيجان ، وإن لؤلؤة فيها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " .
قوله تعالى : " لهم ما يشاؤون فيها " يعني ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم "ولدينا مزيد " من النعم مما لم يخطر على بالهم . وقال أنس وجابر : المزيد النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف . وقد ورد ذلك في أخبار مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " قال : الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم . وذكر بن المبارك ويحيى بن سلام قالا : أخبرنا المسعوديعن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : تسارعوا إلى الجمعة فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب . قال ابن المبارك : على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا . وقال يحيى بن سلام لمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا . وزاد فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك . قال يحيى وسمعت غير المسعودي يزيد فيه قوله تعالى "ولدينا مزيد " قلت قوله في كثيب يريد أهل الجنة أي وهم على كثب كما في مرسل الحسن قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة ينظرون ربهم في كل يوم جمعة على كثيب من كافور " الحديث وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وقيل إن المزيد ما يزوجون به من الحور العين . رواه أبو سعيد الخدري مرفوعا .
يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت ؟ وذلك أنه تبارك وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين, فهو سبحانه وتعالى يأمر بمن يأمر به إليها ويلقى وهي تقول: هل من مزيد أي هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر في سياق الاية وعليه تدل الأحاديث. قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود, حدثني حرمي بن عمارة, حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه قتقول: قط قط" وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وعزتك وكرمك, ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الله تعالى في فضول الجنة" ثم رواه مسلم من حديث قتادة بنحوه, ورواه أبان العطار وسليمان التيمي عن قتادة بنحوه.
(حديث آخر) قال البخاري: حدثنا محمد بن موسى القطان, حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي, حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه, رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: "يقال لجهنم هل امتلأت, وتقول هل من مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط" ورواه أبو أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين به.
(طريق أخرى) قال البخاري: وحدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن همام بن منبه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين, وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله عز وجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي , وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها, فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط فهنالك تمتلىء وينزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً, وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقاً آخر".
(حديث آخر) قال مسلم في صحيحه. حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجت الجنة والنار فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون, وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم فقضى بينهما فقال للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي, وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها" انفرد به مسلم دون البخاري من هذا الوجه والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أبي سعيد رضي الله عنه بأبسط من هذا السياق فقال: حدثنا حسن وروح قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب, عن عبيد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افتخرت الجنة والنار فقالت النار يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف, وقالت الجنة أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء, وقال للجنة أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد, قال ويلقى فيها وتقول هل من مزيد, ويلقى فيها وتقول هل من مزيد, حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتنزوي وتقول قدني قدني, وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء تعالى أن يبقى فينشىء الله سبحانه وتعالى لها خلقاً ما يشاء".
(حديث آخر) وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثني عقبة بن مكرم, حدثنا يونس, حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت, عن زر بن حبيش, عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعرفني الله تعالى نفسه يوم القيامة, فأسجد سجدة يرضى بها عني ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني, ثم يؤذن لي في الكلام, ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم, فيمرون أسرع من الطرف والسهم وأسرع من أجود الخيل, حتى يخرج الرجل منها يحبو وهي الأعمال, وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وأنا على الحوض" قيل: وما الحوض يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل, وأبرد من الثلج. وأطيب ريحاً من المسك, وآنيته أكثر من عدد النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبداً ولا يصرف فيروى أبداً" وهذا القول هو اختيار ابن جرير.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو يحيى الحمامي عن نصر الجزار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد" قال: ما امتلأت قال تقول وهل من مكان يزاد في, وكذا رواه الحاكم بن أبان عن عكرمة "وتقول هل من مزيد" وهل في مدخل واحد قد امتلأت. قال الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهداً يقول: لا يزال يقذف فيها حتى تقول امتلأت فتقول: هل من مزيد, وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا فعند هؤلاء أن قوله تعالى: "هل امتلأت" إنما هو بعدما يضع عليها قدمه فتنزوي وتقول حينئذ هل بقي في مزيد يسع شيئاً ؟ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة, والله أعلم.
وقوله تعالى: "وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد" قال قتادة وأبو مالك والسدي "وأزلفت" أدنيت وقربت من المتقين "غير بعيد" وذلك يوم القيامة, وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب "هذا ما توعدون لكل أواب" أي راجع تائب مقلع "حفيظ" أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه, وقال عبيد بن عمرو: الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلساً فيقوم حتى يستغفر الله عز وجل "من خشي الرحمن بالغيب" أي من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله عز وجل كقوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل ذكر الله تعالى خالياً, ففاضت عيناه" "وجاء بقلب منيب" أي ولقي الله عز وجل يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه "ادخلوها" أي الجنة "بسلام" قال قتادة سلموا من عذاب الله عز وجل, وسلم عليهم ملائكة الله, وقوله سبحانه وتعالى: "ذلك يوم الخلود" أي يخلدون في الجنة فلا يموتون أبداً, ولا يظعنون أبداً ولا يبغون عنها حولاً, وقوله جلت عظمته: " لهم ما يشاؤون فيها " أي مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا عمر بن عثمان, حدثنا بقية عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال: من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم, قال كثير: لئن أشهدني الله تعالى ذلك لأقولن أمطرينا جواري مزينات.
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً" وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي عن عامر الأحول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة" ورواه الترمذي وابن ماجه عن بندار عن معاذ بن هشام به. وقال الترمذي حسن غريب وزاد: كما اشتهى, وقوله تعالى: "ولدينا مزيد" كقوله عز وجل: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقد روى البزار وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل: "ولدينا مزيد" قال: يظهر لهم الرب عز وجل في كل جمعة, وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعاً فقال في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد, حدثني موسى بن عبيدة, حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أتى جبرائيل عليه الصلاة والسلام بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه ؟" فقال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك, فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير, ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن, يدعو الله تعالى فيها بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل وما يوم المزيد ؟" قال عليه السلام: إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب المسك, فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تعالى ما شاء من ملائكته, وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين, وحفت تلك المنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون, فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب, فيقول الله عز وجل: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم, فيقولون: ربنا نسألك رضوانك, فيقول: قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم تبارك وتعالى من الخير, وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة. هكذا أورده الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الجمعة من الأم, وله طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه, وقد أورد ابن جرير هذا الحديث من رواية عثمان بن عمير عن أنس رضي الله عنه بأبسط من هذا, وذكر ههنا أثراً مطولاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفاً وفيه غرائب كثيرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل في الجنة ليتكىء في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول, ثم تأتيه امرأة تضرب على منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة, وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام فيسألها من أنت ؟ فتقول أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون حلة أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك, وإن عليها من التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" وهكذا رواه عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به.
35- " لهم ما يشاؤون فيها " أي في الجنة ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير "ولدينا مزيد" من النعم التي لم تخطر لهم على بال ولا مرت لهم في خيال.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل الله من ابن آدم أربع منازل: هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "من حبل الوريد" قال: عروق العنق. وأخرج ابن المنذر عنه قال: هو نياط القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً، في قوله: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت وشربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره، فذلك قوله: " يمحو الله ما يشاء ويثبت ". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: إنما يكتب الخير والشر، لا يكتب يا غلام اسرج الفرس، يا غلام اسقني الماء. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله عبد ولينظر ما يقول". وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً مثله. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى، وابن مردويه والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن عثمان بن عفان أنه قرأ "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" قال: سائق يسوقها إلى أمر الله. وشهيد يشهد عليها بما عملت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة في الآية قال: السائق الملك، والشهيد العمل. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: السائق من الملائكة، والشهيد شاهد عليه من نفسه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "لقد كنت في غفلة من هذا" قال: هو الكافر. وأخرجابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً "فكشفنا عنك غطاءك" قال: الحياة بعد الموت. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً، و"قال قرينه" قال شيطانه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: "لا تختصموا لدي" قال: إنهم اعتذروا بغير عذر فأبطل الله حجتهم ورد عليهم قولهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً. في قوله: "وما أنا بظلام للعبيد" قال: ما أنا بمعذب من لم يجترم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً، في قوله: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد" قال: وهل في من مكان يزداد في. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط، وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم في فضول الجنة". وأخرجا أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "لكل أواب حفيظ" قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أنس، في قوله: "ولدينا مزيد" قال: يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى في كل جمعة. وأخرج البيهقي في الرؤية والديلمي عن علي في الآية قال: يتجلى لهم الرب عز وجل، وفي الباب أحاديث.
35. " لهم ما يشاؤون فيها "، وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاؤوا، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: " ولدينا مزيد "، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه الله الكريم.
35-" لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد " وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
35. There they have all that they desire, and there is more with Us.
35 - There will be for them therein all that they wish, and more besides in Our Presence.