(وإن خفتم) علمتم (شقاق) خلاف (بينهما) بين الزوجين ، والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما (فابعثوا) إليهما برضاهما (حكما) رجلا عدلا (من أهله) أقاربه (وحكما من أهلها) ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرِّقان إن رأياه ، قال تعالى: (إن يريدا) أي الحكمان (إصلاحا يوفق الله بينهما) بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق (إن الله كان عليما) بكل شيء (خبيرا) بالبواطن كالظواهر
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه "وإن خفتم شقاق بينهما"، وإن علمتم أيها الناس، "شقاق بينهما"، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور. فأما من المرأة، فالنشوز وتركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها. وأما من الزوج، فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان.
و الشقاق مصدر من قول القائل: شاق فلان فلاناً، إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور، فهو يشاقه مشاقة وشقاقاً، وذلك قد يكون عداوة، كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "وإن خفتم شقاق بينهما"، قال: إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقته، يقول: عادته.
وإنما أضيف الشقاق إلى البين، لأن البين قد يكون اسماً، كما قال جل ثناؤه: "لقد تقطع بينكم" [الأنعام: 94]، في قراءة من قرأ ذلك.
وأما قوله: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية: من المأمور ببعثة الحكمين؟.
فقال بعضهم: المأمور بذلك، السلطان الذي يرفع ذلك إليه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير: أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها. فإن انتهت، وإلا ضربها. فإن انتهت، وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: يفعل بها كذا، ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا. فأيهما كان الظالم رده السلطان وأخذ فوق يديه، وإن كانت ناشزاً أمره أن يخلع.
حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، قال: بل ذلك إلى السلطان.
وقال آخرون: بل المأمور بذلك: الرجل والمرأة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، إن ضربها. فإن رجعت، فإنه ليس له عليها سبيل. فإن أبت أن ترجع وشاقته، فليبعث حكماً من أهله، وتبعث حكماً من أهلها.
ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وكيف وجه بعثهما بينهما؟.
فقال بعضهم: يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما. وليس لهما أن يعملا شيئاً في أمرهما إلا ما وكلاهما به، أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه، أو توكيل من وكل منهما في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة قال: جاء رجل وامرأته بينهما شقاق إلى علي رضي الله عنه، مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي رضي الله عنه: ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها. ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا. قالت المرأة: رضيت بكتاب الله، بما علي فيه ولي. قال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال علي رضي الله عنه: كذبت والله، لا تنقلب حتى تقر بمثل الذي أقرت به.
حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا هشام بن حسان وعبد الله بن عون، عن محمد: أن علياً رضى الله عنه أتاه رجل وامرأته، ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهما علي رضي الله عنه أن يبعثا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، لينظرا. فلما دنا منه الحكمان، قال لهما علي رضي الله عنه: أتدريان ما لكما؟ لكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما. قال هشام في حديثه: فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي، فقال الرجل: أما الفرقة فلا! فقال علي: كذبت والله، حتى ترضى مثل ما رضيت به. وقال ابن عون في حديثه: كذبت والله، لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: شهدت علياً رضي الله عنه، فذكر مثله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: إذا هجرها في المضجع وضربها، فأبت أن ترجع وشاقته، فليبعث حكماً من أهله وتبعث حكماً من أهلها. تقول المرأة لحكمها: قد وليتك أمري، فإن أمرتني أن أرجع رجعت، وإن فرقت تفرقنا، وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئاً من الأشياء، وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع، أو تخبره أنها لا تريد الطلاق، ويبعث الرجل حكماً من أهله يوليه أمره، ويخبره يقول له حاجته: إن كان يريدها أو لا يريد أن يطلقها، أعطاها ما سألت وزادها في النفقة، وإلا قال له: خذ لي منها ما لها علي، وطلقها، فيوليه أمره، فإن شاء طلق، وإن شاء أمسك. ثم يجتمع الحكمان، فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه، ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه. فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز، إن طلقا وإن أمسكا. فهو قول الله: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما". فإن بعثت المرأة حكماً وأبى الرجل أن يبعث، فإنه لا يقربها حتى يبعث حكماً.
وقال آخرون: إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه، لا التفريق بينهما.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن -وهو قول قتادة- أنهما قالا: إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه. وأما الفرقة، فليست في أيديهما ولم يملكا ذلك، يعني: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، الآية، إنما يبعث الحكمان ليصلحا. فإن أعياهما أن يصلحا، شهدا على الظالم بظلمه، وليس بأيديهما فرقة، ولا يملكان ذلك.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد قال: وسألت عن الحكمين، قال: ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز، يقول الله تبارك وتعالى: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما". قال: يخلو حكم الرجل بالزوج، وحكم المرأة بالمرأة، فيقول كل واحد منهما لصاحبه: اصدقني ما في نفسك. فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه، اجتمع الحكمان، وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقاً: لتصدقني الذي قال لك صاحبك، ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي، فذلك حين أرادا الإصلاح، يوفق الله بينهما. فإذا فعلا ذلك، اطلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه، فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما، فأتيا عليه فحكما عليه. فإن كان المرأة قالا: أنت الظالمة العاصية، لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحق وتطيعي الله فيه. وإن كان الرجل هو الظالم قالا: أنت الظالم المضار، لا تدخل لها بيتاً حتى تنفق عليها وترجع إلى الحق والعدل. فإن أبت ذلك كانت هي الظالمة العاصية، وأخذ منها ما لها، وهو له حلال طيب. وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضار لها طلقها، ولم يحل له من مالها شيء. فإن أمسكها، أمسكها بما أمر الله، وأنفق عليها وأحسن إليها.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين، حكماً من أهله وحكماً من أهلها. فيقول الحكم من أهلها: يا فلان، ما تنقم من زوجتك؟ فيقول: أنقم منها كذا وكذا. قال فيقول: أفرأيت إن نزعت عما تكره إلى ما تحب، هل أنت متقي الله فيها، ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها؟ فإذا قال: نعم، قال الحكم من أهله: يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان؟ فيقول مثل ذلك، فإن قالت: نعم، جمع بينهما. قال: وقال علي رضي الله عنه: الحكمان، بهما يجمع الله وبهما يفرق.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال الحسن: الحكمان يحكمان في الاجتماع، ولا يحكمان في الفرقة.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"، وهي المرأة التي تنشز على زوجها، فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك، وهو بعد ما تقول لزوجها: والله لا أبر لك قسماً ولآذنن في بيتك بغير أمرك! ويقول السلطان: لا نجيز لك خلعاً، حتى تقول المرأة لزوجها: والله لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك صلاة! فعند ذلك يقول السلطان: اخلع المرأة!.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن"، قال: تعظها، فإن أبت وغلبت، فاهجرها في مضجعها. فإن غلبت هذا أيضاً، فاضربها. فإن غلبت هذا أيضاً، بعث حكم من أهله وحكم من أهلها. فإن غلبت هذا أيضاً وأرادت غيره، فإن أبي قال -أو: كان أبي يقول-: ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء، إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا: أنت يا فلان ظالم، انزع! فإن أبى، رفعا ذلك إلى السلطان. وان رأياها ظالمة قالا لها: أنت ظالمة، انزعي! فإن أبت، رفعا ذلك إلى السلطان. ليس إلى الحكمين من الفراق شيء.
وقال آخرون: بل إنما يبعث الحكمين السلطان، على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، فهذا الرجل والمرأة، إذا تفاسد الذي بينهما، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل، ومثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء. فإن كان الرجل هو المسيء، حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا، فأمرهما جائز. فإن رأيا أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر، ثم مات أحدهما، فإن الذي رضي يرث الذي كره، ولا يرث الكاره الراضي. وذلك قوله: "إن يريدا إصلاحا"، قال: هما الحكمان، "يوفق الله بينهما".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح قال، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين: أن الحكم من أهلها والحكم من أهله، يفرقان ويجمعان إذا رأيا ذلك، "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها".
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فقال: لم أولد إذ ذاك! فقلت: إنما أعني حكم الشقاق. قال: يقبلان على الذي جاء التداري من عنده. فإن فعل، وإلا أقبلا على الآخر. فإن فعل، وإلا حكما. فما حكما من شيء فهو جائز.
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسمعيل، عن عامر في قوله: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، قال: ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن داود، عن إبراهيم قال: ما حكما من شيء فهو جائز. إن فرقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين، فهو جائز. وإن فرقا بتطليقة فهو جائز. وإن حكما عليه بجزاء من ماله، فهو جائز. فإن أصلحا فهو جائز. وان وضعا من شيء فهو جائز.
حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا أبو جعفر، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، قال: ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما. إن طلقا ثلاثاً فهو جائز عليهما. وإن طلقا واحدة وطلقاها على جعل، فهو جائز، وما صنعا من شيء فهو جائز.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن شاء الحكمان أن يفرقا فرقا. وإن شاءا أن يجمعا جمعا.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم، عن حصين، عن الشعبي: أن امرأة نشزت على زوجها، فاختصموا إلى شريح، فقال شريح: ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها. فنظر الحكمان في أمرهما، فرأيا أن يفرقا بينهما، فكره ذلك الرجل، فقال شريح: ففيم كانا اليوم؟ وأجاز قولهما.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان رضي الله عنهما بعثهما، وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا ابن جريج قال، حدثني ابن أبي مليكة: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة، فكان بينهما كلام. فجاءت عثمان فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما! وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف! فأتياهما وقد اصطلحا.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، يكونان عدلين عليهما وشاهدين. وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان، جعل عليهما حكمين: حكماً من أهل الرجل، وحكماً من أهل المرأة، يكونان أمينين عليهما جميعاً، وينظران من أيهما يكون الفساد. فإن كان من قبل المرأة، أجبرت على طاعة زوجها، وأمر أن يتقي الله ويحسن صحبتها، وينفق عليها بقدر ما آتاه الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وإن كانت الإساءة من قبل الرجل، أمر بالإحسان إليها، فإن لم يفعل قيل له: أعطها حقها وخل سبيلها، وإنما يلي ذلك منهما السلطان.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في قوله: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، أن الله خاطب المسلمين بذلك، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض.
وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين، وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين، أو من أقامه فى ذلك مقام نفسه.
واختلفوا في الزوجين والسلطان، ومن المأمور بالبعثة في ذلك: الزوجان، أو السلطان؟ ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة فيه مختلفة.
وإذ كان الأمر على ما وصفنا، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصاً من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية، والأمر بقوله: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"، إذ كان مختلفاً بينهما: هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا؟ -وكان ظاهر الآية قد عمهما- فالواجب من القول، إذ كان صحيحاً ما وصفنا، صحيحاً أن يقال: إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكماً من قبله لينظر في أمرهما، وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك، لما له على صاحبه ولصاحبه عليه، فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه.
وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع، كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضياً جائزاً على ما وكله به. وذلك أن يوكله أحدهما بما له دون ما عليه.
وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه، أو بما له، أو بما عليه إلا الحكمين كليهما، لم يجز إلا ما اجتمعا عليه، دون ما انفرد به أحدهما.
وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء، وإنما بعثاهما للنظر بينهما، ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما، لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئاً غير ذلك من طلاق، أو أخذ مال، أو غير ذلك، ولم يلزم الزوجين ولا واحداً منهما شىء من ذلك.
فإن قال قائل: وما معنى الحكمين، إذ كان الأمر على ما وصفت؟
قيل: قد اختلف في ذلك.
فقال بعضهم: معنى الحكم، النظر العدل، كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه، الذي:
حدثنا يحيى بن أبي طالب، عن يزيد، عن جويبر عنه: لا، أنتما قاضيان تقضيان بينهما. على السبيل التي بينا من قوله.
وقال آخرون: معنى ذلك. أنهما القاضيان، يقضيان بينهما ما فوض إليهما الزوجان.
قال أبو جعفر: وأي الأمرين كان، فليس لهما، ولا لواحد منهما، الحكم بينهما بالفرقة، ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك، وإلا ما لزم من حق لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله، وذلك ما لزم الرجل لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف، إن كان هو الظالم لها.
فأما غير ذلك، فليس ذلك لهما، ولا لأحد من الناس غيرهما، لا السلطان ولا غيره. وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم للمرأة، فللإمام السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق. وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها الناشزة عليه، فقد أباح الله له أخذ الفدية منها، وجعل إليه طلاقها، على ما قد بيناه في سورة البقرة.
وإذ كان الأمر كذلك، لم يكن لأحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج، ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس.
وإن بعث الحكمين السلطان، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك، ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة. يدل على ذلك ما قد بيناه قبل من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك، والقائلين بقوله. ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين، ويتعرفا الظالم منهما من المظلوم، ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما.
وإنما قلنا: ليس لهما التفريق، للعلة التي ذكرناها آنفاً، وإنما يبعث السلطان الحكمين إذا بعثهما، إذا ارتفع إليه الزوجان، فشكا كل واحد منهما صاحبه، وأشكل عليه المحق منهما من المبطل. لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل، فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "إن يريدا إصلاحا"، إن يرد الحكمان إصلاحاً بين الرجل والمرأة -أعني: بين الزوجين المخوف شقاق بينهما- يقول: "يوفق الله" بين الحكمين فيتفقا على الإصلاح بينهما. وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه: من بعث للنظر في أمر الزوجين.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد في قوله: "إن يريدا إصلاحا"، قال: أما إنه ليس بالرجل والمرأة، ولكنه الحكمان.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"، قال: هما الحكمان، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما.
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"، وذلك الحكمان، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"، يعني بذلك الحكمين.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: "إن يريدا إصلاحا"، قال: إن يرد الحكمان إصلاحاً أصلحا.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي هاشم، عن مجاهد: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"، يوفق الله بين الحكمين.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك قوله: "إن يريدا إصلاحا"، قال: هما الحكمان إذا نصحا المرأة والرجل جميعاً.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: "إن الله كان عليما"، بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره، "خبيرا"، بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما، لا يخفى عليه شيء منه، حافظ عليهم، حتى يجازي كلاً منهم جزاءه، بالإحسان إحساناً، وبالإساءة غفراناً أو عقاباً.
فيه خمس مسائل :
الأولى- قوله تعالى :" وإن خفتم شقاق بينهما " قد تقدم معنى الشقاق في البقرة فكأن كل واحد من الزوجين يأخذ شقاً غير شق صاحبه، أي ناحية غير ناحية صاحبه والمراد إن خفتم شقاقاً بينهما، فأضيف المصدر إلى الظرف كقولك: يعجبني سير الليلة المقمرة وصوم يوم عرفة وفي التنزيل:" بل مكر الليل والنهار " [ سبأ:33] وقيل: إن بين أجري مجرى الأسماء وأزيل عنه الظرفية، إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما، أي وإن خفتم تباعد عشرتهما وصحبتهما " فابعثوا" و" خفتم " الخلاف المتقدم قال سعيد بن جبير: الحكم أن يعظها أولاً فإن قبلت وإلا هجرها فإن هي قبلت وإلا ضربها ، فإن هي قبلت وإلا بعث الحاكم حماً من أهله وحكماً من أهلها فينظران ممن الضرر،وعند ذلك يكون الخلع وقد قيل: له أن يضرب قبل الوعظ والأول أصح لترتيب ذلك في الآية .
الثانية - الجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله :" وإن خفتم " الحكام والأمراء وأن قوله :" إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " يعني الحكمين في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما أي إن يرد الحكمان إصلاحاً يوفق الله بين الزوجين، وقيل: المراد الزوجان أي إن يرد الزوجان إصلاحاً وصدقاً فيما أخبر به الحكمين " يوفق الله بينهما " وقيل: الخطاب للأولياء. يقول:" إن خفتم " أي علمتم خلافاً بين الزوجين " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة إذ هما اقعد بأحوال الزوجين ، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه فإن لم يوجد من أهلها من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الإساءة منهما فأما إن عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه ويجبر على إزالة الضرر، ويقال: إن الحكم من أهل الزوج يخلو به ويقول له : أخبرني بما في نفسك أتهواها أم لا حتى أعلم مرادك؟ فإن قال:لا حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينهما فيعرف أن من قبله النشوز، وإن قال: إني أهواها فأرضها من مالي بما شئت ولا تفرق بيني وبينها فليعم أنه ليس بناشز ويخلو الحكم بالمرأة ويقول لها: أتهوي زوجك أم لا ، فإن قالت: فرق بين وبينه وأعطه من مالي ما أراد، فيعلم أن النشوز من قبلها، وإن قالت: لا تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسن إلي. على أن النشوز ليس من قبلها، فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قبله يقبلان عليه بالعظة والزجر والنهي فذلك قوله تعال " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها".
الثالثة - قال العلماء: قسمت هذه الآية النساء تقسيماً عقلياً لأنهن إما طائعة وأما ناشز والنشوز إما أن يرجع إلى الطواعية أو لا ، فإن كان الأول تركاً، لما رواه النسائي أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فكان إذا دخل عليها تقول: يا بني هاشم والله لا يحبكم قلبي أبداً أين الذين أعناقهم كأربايق الفضة ترد أنوافهم قبل شفاههم أين عتبة بن ربيعة ابن شيبة بن ربيعة فيسكت عنها حتى دخل عليها يوماً وهو برم فقالت له : أين عتبة بن ربيعة فقال: على يسارك في النار إذا دخلت فنشرت عليها ثيابها، فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فأتياهما فوجداهما قد سدا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فإن وجداهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعياً في الألفة جهدهما وذكرا بالله وبالصحبة ، فإن أنابا ورجعا تركاهما وإن كانا غير ذلك ورأيا الفرقة فرقا بينهما وتفريقهما جائز على الزوجين وسواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه، وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن وقال قوم: ليس لهما الطلاق ما لم يوكلهما الزوج في ذلك وليعرفا الإمام، وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان، ثم الإمام يفرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق، وهذا أحد قولي الشافعي، وبه قال الكوفيون وهو قول عطاء وابن زيد والحسن وبه قال أبو ثور ، والصحيح الأول وأن للحكمين التطليق دون توكيل، وهو قول مالك والأوزاعي وإسحاق وروي عن عثمان وعلي وابن عباس، وعن الشعبي والنخعي وهو قول الشافعي لأن الله تعالى قال: " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " وهذا نص من الله سبحانه بأنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان، وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى وللحم اسم في الشريعة ومعنى فإذا تبين الله كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذ فكيف لعالم أن يكرب معنى أحدهما على الآخر وقد روى الدارقطني من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة في هذه الآية " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" قال : جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الزوج: أما الفرقة فلا فقال علي: كذبت والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به وهذا إسناد صحيح ثابت روي عن علي من وجوه ثابتة عن ابن سيرين عن عبيدة قاله أبو عمر: فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما: أتدريان ما عليكما ؟ إنما كان يقول : أتدريان بما وكلتما ؟ وهذا بين. احتج أبو حنيفة بقول علي رضي الله عنه للزوج: لا تبرح حتى ترضى بما رضيت به . فدل على أن مذهبه أنهما لا يفرقان إلا برضا الزوج، وبأن الأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه وجعله مالك ومن تابعه من باب الطلاق السلطان على المولى والعنين .
الرابعة- فإن اختلف الحكمان لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شي إلا ما اجتمعا عليه وكذلك كل حكمين حكما في أمر، فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها الآخر، أو حكم أحدهما بمال وأبى الآخر فليس بشيء حتى يتفقا، وقال مالك في الحكمين يطلقان ثلاثاً قال: تلزم واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة وهو قول ابن القاسم: وقال ابن القاسم أيضاً: تلزمه الثلاث إن اجتمعا عليها، وقاله المغيرة وأشهب وابن الماجشون وأصبغ، وقال ابن المواز: إن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة وحكي ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشيء.
الخامسة- ويجزئ إرسال الواحد لأن الله سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود ثم قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيساً وحده وقال له :
"إن اعترفت فارجمها" وكذلك قال عبد الملك في المدونة .
قلت: وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكم الزوجان واحداً لأجزأ وهو بالجواز أولى إذا رضيا بذلك وإنما خاطب الله بالإرسال الحكام دون الزوجين فإن أرسل الزوجان حكمين وحكما نفذ حكمهما لأن التحكيم عندنا جائز، وينفذ فعل الحكم في كل مسألة وهذا إذا كان كل واحد منهما عدلاً ولو كان غير عدل قال عبد الملك : حكمه منقوض لأنهما تخاطرا بما لا ينبغي من الغرر، قال ابن العربي: والصحيح نفوذه، لأنه إن كان توكيلاً ففعل الوكيل نافذ وإن كان تحكيماً فقد قدماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثر فيه كما لو يؤثر في باب التوكيل، وباب القضاء مبني على الغرر كله، وليس يلزم فيه معرفة المحكوم عليه بما يؤول إليه الحكم وقال ابن العربي: مسألة الحكمين نص الله عليها وحكم بها عند ظهور الشقاق بين الزوجين واختلاف ما بينهما، وهي مسألة عظيمة اجتمعت الأمة على أصلها في البعث وإن اختلفوا في تفاصيل ما ترتب عليه، وعجباً لأهل بلدنا حيث غفلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذلك وقالوا يجعلان على يدي أمين، وفي هذا من معاندة النص ما لا يخفى عليكم فلا بكتاب الله ائتمروا ولا بالأقيسة اجتزأوا وقد ندبت إلى ذلك فيما أجابني إلى بعث الحكمين عند الشقاق إلا قاض واحد ولا بالقضاء باليمين مع الشاهد إلا آخر، فلا ملكني الله الأمر أجريت السنة كما ينبغي ، ولا تعجب لأهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة، ولكن أعجب لأبي حنيفة ليس للحكمين عنده خبر بل اعجب مرتين للشافعي،فإنه قال: الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين معاً حتى يشتبه فيه حالاهما، قال : وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج بأن يصطلحا وأذن في خوفهما ألا يقيما حدود الله بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئاً إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل على أن حكمهما غير حكم الأزواج، فإذا كان كذلك بعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك، وذلك يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين، قال ابن العربي: هذا منتهى كلام الشافعي، وأصحابه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إلية ولا يشبه نصابه في العلم وقد تولى الرد عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الأكثر أما قوله : الذي يشبه ظاهرا لآية أنهما فيما عم الزوجين فليس بصحيح بل هو نصه وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جلاء فإن الله تعالى قال: "الرجال قوامون على النساء " ومن خاف من امرأته نشوزاً وعظها، فإن أنابت وإلا هجرها في المضجع، فإن ارعوت وإلا ضربها، فإن استمرت في غلوائها مشى الحكمان إليهما، وهذا إن لم يكن نصاً فليس في القرآن بيتان ودعه لا يكون نصاً يكون ظاهراً فأما أن يقول الشافعي: يشبه الظاهر فلا ندري ما الذي أشبه الظاهر ؟ ثم قال: وأذن في خوفهما ألا يقيما حدود الله بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة بل يجب أن يكون كذلك وهو نصه ثم قال : فما أمر بالحكمين علمنا أن حكمهما غير حكم الأزواج ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتحقق الغيرية فأما إذا أنفذا عليهما ما وكلاهما به فلم يحكما بخلاف أمرهما فلم تتحقق الغيرية. وأما قوله برضى الزوجين وتوكيلهما فخطأ صراح فإن الله سبحانه خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين، وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه هذا وجه الإنصاف والتحقيق في الرد عليه. وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم وليس كما تقول الخوراج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى . وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل.
ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة. ثم ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور من الزوجين, فقال تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها" وقال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين, أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم, فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما, بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق, وتشوف الشارع إلى التوفيق, ولهذا قال تعالى: "إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله عز وجل أن يبثعوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل,. ورجلاً مثله من أهل المرأة, فينظران أيهما المسيء, فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة, وإن كانت المرأة هي المسيئة, قصروها على زوجها ومنعوها النفقة, فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا, فأمرهما جائز, فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الاخر, ثم مات أحدهما, فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الكاره الراضي, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس, عن عكرمة بن خالد, عن ابن عباس, قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين, قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما, وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا, وقال: أنبأنا ابن جريج, حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ؟ فقالت: تصير إلي وأنفق عليك, فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ؟, فقال: على يسارك في النار إذا دخلت, فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك, فضحك, فأرسل ابن عباس ومعاوية, فقال ابن عباس, لأفرقن بينهما, فقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف, فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا, وقال عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن أيوب, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة قال: شهدت علياً وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس , فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكماً, فقال علي للحكمين: أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما, فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي, وقال الزوج: أما الفرقة فلا, فقال علي: كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك, رواه ابن أبي حاتم, ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب, عن ابن سيرين, عن عبيدة, عن علي مثله, ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين, عن عبيدة عن علي به, وقد أجمع جمهور العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا, وهو رواية عن مالك, وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة, وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم, وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود, ومأخذهم قوله تعالى: "إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما" ولم يذكر التفريق, وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف, وقد اختلف الأئمة في الحكمين, هل هما منصوبان من جهة الحاكم, فيحكمان وإن لم يرض الزوجان . أو هما وكيلان من جهة الزوجين ؟ على قولين والجمهور على الأول, لقوله تعالى: "فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها" فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه, وهذا ظاهر الاية, والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه, الثاني منهما بقول علي رضي الله عنه للزوج حين قال: أما الفرقة فلا, قال: كذبت حتى تقر بما أقرت به, قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج, والله أعلم, قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الاخر, وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان, واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة, ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضاً من غير توكيل.
قد تقدم معنى الشقاق في البقرة، وأصله أن كل واحد منهم يأخذ شقاً غير شق صاحبه: أي ناحية غير ناحيته وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى: "بل مكر الليل والنهار" وقول الشاعر:
يا سارق الليلة أهل الدار
والخطاب للأمراء والحكام، والضمير في قوله 35- "بينهما" للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما، وهو ذكر الرجال والنساء "فابعثوا" إلى الزوجين "حكماً" يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلاً وديناً وإنصافاً وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقعد بمعرفة أحوالهما، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم، وهذا إذ أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسيء منهما، فأما إذا عرف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه، وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما، فإن قدرا على ذلك عملا عليه، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين. وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق، وهو مروي عن عثمان وعلي وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي، وحكاه ابن كثير عن الجمهور، قالوا: لأن الله قال "فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها" وهذا نص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان. وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولي الشافعي: إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم، لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق، ويرشد إلى هذا قوله "إن يريدا" أي الحكمان "إصلاحاً" بين الزوجين "يوفق الله بينهما" لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق. ومعنى: " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " أي: يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة. ومعنى الإرادة: خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين، وقيل: إن الضمير في قوله "يوفق الله بينهما" للحكمين كما في قوله "إن يريدا إصلاحاً" أي: يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما، وقيل: كلا الضميرين للزوجين: أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق، وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله "وإن خفتم شقاق بينهما" قال: هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل ورجلاً مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا امرأته عنه وقسروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ذلك ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي "إن يريدا إصلاحاً" قال: هما الحكمان "يوفق الله بينهما" وكذلك كل مصلح يوفقه للحق والصواب. وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني في هذه الآية قال: جاء رجل وامرأة إلى علي ومعهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال: كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، فقيل لنا: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، والذي بعثهما عثمان. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن قال: إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه، فأما الفرقة فليست بأيديهما. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج البيهقي عن علي قال: إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا.
35-قوله تعالى:"وإن خفتم شقاق بينهما"،يعني: شقاقاً بين الزوجين،[والخوف بمعنى اليقين، وقيل: هو بمعنى الظن يعني: إن ظننتم شقاق بينهما.
وجملته : أنه إذا ظهر بين الزوجين] شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى مالا يحل قولاً وفعلاً بعث الإمام حكماً من أهله إليه وحكماً من أهلها إليها، رجلين حرين عدلين، ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الوصلة أو في الفرقة ، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليها رأيهما من الصلاح، فذلك قوله عز وجل :"فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً" يعني: الحكمين،"يوفق الله بينهما"، يعني: بين الزوجين، وقيل: بين الحكمين،"إن الله كان عليماً خبيراً".[أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا الثففي عن أيوب عن ابن سيرين عن] عبيدة أنه قال في هذه الآية" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها"، قال: جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل أحد منهما فئام من النس ، فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ثم قال للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ أن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، فقال الرجل: أما لا فرقة فلا ، فقال علي رضي الله عنه: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به.
واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين: وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما، ولي سلحكم الزوج أن يطلق دون رضاه، ولا لحكم المرأة أن يخالع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي لأن علياً رضي الله عنه ، حين قال الرجل: أما لا فرقة فلا ، قال: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرب به. فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقرارة ورضاه.
والقول الثاني: يجوز بعث الحكمين دون رضاهما، ويجوز لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ولحكم المرأة أن يخلق دون رضاها، إذا رأيا الصلاح ، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفق مرادهما، وبه قال مالك، ومن قال بهذا قال: ليس المراد من قول علي رضي الله عنه لرجل تقر: أن رضاه شرط ، بل معناه:أن المرأة رضيت بما في كتاب الله [فقال الرجل: أما الفرقة فلا ، يعني: الفرقة ليست في الكتاب الله ] فقال علي: كذبت حيث أنكرت أن الفرقة في كتاب الله ، بل هي في كتاب الله، [فإن قوله تعالى:"يوفق الله بينهما" يشتمل على الفراق وغيره] لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوزر وذلك تارة يكون بالفرقة وتارةً بصلاح حالهما في الوصلة.
35" وإن خفتم شقاق بينهما " خلافاً بين المرأة وزوجها، أضمرها وإن لم يجر ذكرهما لجرى ما يدل عليهما وإضافة الشقاق إلى الظرف إما لإجرائه مجرى المفعول به كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار أو لفاعل كقوله نهارك صائم. " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " فابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما لتبيين الأمر أو إصلاح ذات البين، رجلاً وسطاً يصلح للحكومة والإصلاح من أهله وآخر من أهلها، فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح، وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز. وقيل الخطاب للأزواج والزوجات واستدل به على جواز التحكيم، والأظهر أن النصب لإصلاح ذات البين أو لتبيين الأمر ولا يليان الجمع والتفريق إلا بإذن الزوجين، وقال مالك لهما أن يتخالعا إن وجدا الصلاح فيه. " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين، أي إن قصدا الإصلاح أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين،. وقيل كلاهما للحكمين أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما. وقيل للزوجين أي إن أرادا الإصلاح وزوال الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق، وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه. " إن الله كان عليما خبيرا " بالظواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.
35. And if ye fear a breech between them twain (the man and wife), appoint an arbiter from his folk and an arbiter from her folk. If they desire amendment Allah will make them of one mind. Lo! Allah is ever Knower, Aware.
35 - If ye fear a breach between them twain, appoint (two) arbiters, one from his family, and the other from hers; if they wish for peace, God will cause their reconciliation: for God hath full knowledge, and is acquainted with all things.