34 - (الذين يحشرون على وجوههم) يساقون (إلى جهنم أولئك شر مكانا) هو جهنم (وأضل سبيلا) أخطأ طريقا من غيرهم وهو كفرهم
القول في تأويل قوله تعالى : " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا و أضل سبيلا " .
قال تعالى : " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " تقدم في " سبحان " " أولئك شر مكانا " لأنهم في جهنم . وقال مقاتل : قال الكفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هو شر الخلق ، فنزلت الآية " وأضل سبيلا " أي ديناً وطريقاً . ونظم الآية : ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق ، وأنت منصور عليهم بالحجج الواضحة ، وهم محشورون على وجوههم .
يقول تعالى مخبراً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم, حيث قالوا "لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة" أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة, كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة, كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية, فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث, وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به, كقوله "وقرآنا فرقناه" الاية, ولهذا قال "لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً", قال قتادة : بيناه تبيينا. وقال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم : وفسرناه تفسيراً "ولا يأتونك بمثل" أي بحجة وشبهة "إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" أي ولا يقولون قولاً يعارضون به الحق, إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس "ولا يأتونك بمثل" أي بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول "إلا جئناك بالحق" الاية, أي إلا نزل جبريل من الله تعالى بجوابهم وما هذا إلا اعتناء وكبير شرف للرسول صلى الله عليه وسلم, حيث كان يأتيه الوحي من الله عز وجل بالقرآن صباحاً ومساء, وليلاً ونهاراً, سفراً وحضراً, وكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة, فهذا المقام أعلى وأجل وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله, ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم نبي أرسله الله تعالى, وقد جمع الله للقرآن الصفتين معاً, ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا, ثم أنزل بعد ذلك إلى الأرض منجماً بحسب الوقائع والحوادث. وقال أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر, ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة, قال الله تعالى: "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" وقال تعالى: "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً".
ثم قال تعالى مخبراً عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة, وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات "الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلاً". وفي الصحيح عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله, كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال "إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من المفسرين.
فقال: 34- "الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم" أي يحشرون كائنين على وجوههم، والموصول مبتدأ وخبره: أولئك، أو هو خبر مبتدأ محذوف: أي هم الذين، ويجوز نصبه على الذم. ومعنى يحشرون على وجوههم: يسحبون عليها إلى جهنم "أولئك شر مكاناً" أي تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان، وقد قيل إن هذا متصل بقوله: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً".
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً" قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق، فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون لا ثم تنشق السماء الثانية وذكر مثل ذلك، ثم كذلك في كل سماء إلى السماء السابعة، وفي كل سماء أكثر من السماء التي قبلها، ثم ينزل ربنا في ظل من الغمام وحوله الكروبيون، وهم أكثر من أهل السموات السبع والإنس والجن وجميع الخلق، لهم قرون ككعوب القثاء، وهم تحت العرش، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى، ما بين إخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام. وإسناده عند ابن جرير هكذا: قال حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني الحجاج بن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس فذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد هكذا: قال حدثنا محمد بن عمار بن الحرث مأمول، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد به. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند، قال السيوطي: صحيح من طريق سعيد بن جبر عن ابن عباس: أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أو معيط، وقدم خليله من الشام ليلاً فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد ما كان أمراً، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية، فقال: مالك لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال نعم، قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله في جدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل الله في أبي معيط "ويوم يعض الظالم على يديه" إلى قوله: "وكان الشيطان للإنسان خذولاً". وأخرج أبو نعيم هذه القصة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وذكر أن خليل أبي معيط: هو أبي بن خلف. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً في قوله: "ويوم يعض الظالم على يديه" قال: أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وهما الخليلان في جهنم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين" قال: كان عدو النبي صلى الله عليه وسلم أبو جهل وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قال المشركون: لو كان محمد كما يزعم نبياً فلم يعذبه ربه؟ ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة، ينزل عليه الآية والآيتين والسورة والسورتين، فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا "وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة" إلى "وأضل سبيلاً". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "لنثبت به فؤادك" قال: لنشدد به فؤادك ونربط على قلبك "ورتلناه ترتيلاً" قال: رسلناه ترسيلاً، يقول شيئاً بعد شيء "ولا يأتونك بمثل" يقول: لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة، ثم سألوك لم يكن عنده ما يجيب، ولكن نمسك عليك، فإذا سألوك أجبت.
ثم ذكر مآل هؤلاء المشركين فقال:
34- "الذين"، أي: هم الذين، "يحشرون على وجوههم"، فيساقون ويجرون، "إلى جهنم أولئك شر مكاناً"، أي: مكانة ومنزلة، ويقال: منزلاً ومصيراً، "وأضل سبيلاً"، أخطأ طريقاً.
34ـ " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " أي مقلوبين أو مسحوبين عليها ، أو متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها . " وعنه عليه الصلاة السلام يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ، صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه " وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبدأ خبره . " أولئك شر مكاناً وأضل سبيلاً " والمفضل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى : " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه " كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكاناً وأضل سبيلاً ، وقيل إنه متصل بقوله " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً " ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة .
34. Those who will be gathered on their faces unto Hell: such are worse in plight and further from the right road.
34 - Those who will be gathered to Hell (prone) on their faces, they will be in an evil plight, and, as to Path, most astray.