33 - (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) على الكفر (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم) بدل من لمن (سقفا) بفتح السين وسكون القاف وبضمها جمعا (من فضة ومعارج) كالدرج من فضة (عليها يظهرون) يعلون إلى السطح
يقول تعالى ذكره : " ولولا أن يكون الناس أمة " : جماعة واحدة .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه ، لو فعل ما قال جل ثناؤه ، وما به لم يفعله من أجله ، فقال بعضهم ، ذلك اجتماعهم على الكفر . وقال : معنى الكلام : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر ، فيصير جميعهم كفاراً " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة " .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " يقول الله سبحانه : لولا أن أجعل الناس كلهم كفاراً ، لجعلت للكفار لبيوتهم سقفاً من فضة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة بن خليفة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " قال : لولا أن يكون الناس كفاراً أجمعون ، يميلون إلى الدنيا ، لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال . ثم قال : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها ، وما فعل ذلك ، فكيف لو فعله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " : أي كفاراً كلهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " قال : لولا أن يكون الناس كفاراً .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " يقول : كفاراً على دين واحد .
وقال آخرون : اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الآخرة . وقال : معنى الكلام : لولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الآخرة .
ذكر من قال ذلك : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " قال : لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم ، لجعلنا هذا لأهل الكفر .
وقوله : " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة " يقول تعالى ذكره : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن في الدنيا سقفاً ، يعني أعالي بيوتهم وهي السطوح ، فضة .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لبيوتهم سقفاً من فضة " السقف : أعلى البيوت .
واختلف أهل العربية في تكرير اللام التي في قوله : " لمن يكفر " ، وفي قوله : " لبيوتهم " ، فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : إن شئت جعلتها في " لبيوتهم " مكررة ، كما في "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " [ البقرة : 217 ] ، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين ، كأن الثانية في معنى على ، كأنه قال : جعلنا لهم على بيوتهم سقفاً . قال : وتقول العرب للرجل في وجهه : جعلت لك لقومك الأعطية : أي جعلته من أجلك لهم .
واختلفت القراء في قراءة قوله : < سقفاً > فقرأته عامة قراء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين < سقفاً > بفتح السين وسكون القاف اعتباراً منهم ذلك بقوله : " فخر عليهم السقف من فوقهم " [ النحل : 26 ] وتوجيهاً منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع . وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة " سقفاً " بضم السين والقاف ، ووجهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف . وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع ، لأن السقوف : جمع سقف ، ثم تجمع السقوف سقفاً ، فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه " فرهان مقبوضة " [ البقرة : 283 ] بضم الراء والهاء ، وهي الجمع ، واحدها رهان ورهون ، وواحد الرهون والرهان : رهن . وكذلك قراءة من قرأ " كلوا من ثمره " [ الأنعام : 141 ] بضم الثاء والميم ، ونظير قول الراجز :
حتى إذا ابتليت حلاقيم الحلق
وقد زعم بعضهم أن السقف بضم السين والقاف جمع سقف ، والرهن بضم الراء والهاء جمع رهن ، فأغفل وجه الصواب في ذلك ، وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعاً على فعل ، فيجعل السقف والرهن مثله .
والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، معروفتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
وقوله : " ومعارج عليها يظهرون " يقول : ومراقي ودرجاً عليها يصعدون ، فيظهرون على السقف . والمعارج : هي الدرج نفسها ، كما قال المثنى ين جندل :
يا رب البيت ذي المعارج
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " ومعارج " قال : معارج من فضة ، وهي درج .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ومعارج عليها يظهرون " : أي درجاً عليها يصعدون .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ومعارج عليها يظهرون " قال : المعارج : المراقي .
حدثنا محمد ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " ومعارج عليها يظهرون " قال : درج عليها يرفعون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ومعارج عليها يظهرون " قال : درج عليها يصعدون إلى الغرف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ومعارج عليها يظهرون " قال : المعارج : درج من فضة .
فيه خمس مسائل :
الأولى : قال العلماء : ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها ، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهباً وفضة ولولا غلبة حب الدنيا على القلوب ، فيحمل ذلك على الكفر ، قال الحسن : المعنى لولا أن يكفر الناس جميعاً بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه ، لهوان الدنيا عند الله عز وجل ، وعلى هذا أكثر المفسرين ابن عباس و السدي وغيرهم ، وقال ابن زيد : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة " في طلب الدنيا واختيارها على الآخرة " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة " وقال الكسائي : المعنى لولا أن يكون في الكفار غني وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها .
الثانية : قرأ ابن كثير و أبو عمرو (( سقفاً )) بفتح السين وإسكان القاف على الواحد ومعناه الجمع ، اعتباراً بقوله تعالى : " فخر عليهم السقف من فوقهم " [ النحل : 26 ] ، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع ، مثل رهن ورهن ، قال أبو عبيد : ولا ثالث لهما وقيل : هو جمع سقيف ، مثل كثيب وكثب ، ورغيف ورغف ، قاله الفراء ، وقيل : هو جمع سقوف ، فيصير جمع الجمع ، سقف وسقوف ، نحو فلس وفلوس ، ثم جعلوا فعولاً كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل ، وروي عن مجاهد (( سقفاً )) بإسكان القاف ، وقيل : اللام في (( لبيوتهم )) بمعنى على ، أي على بيوتهم ، وقيل : بدل ، كما تقول : فعلت هذا لزيد لكرامته ، قال الله تعالى : " ولأبويه لكل واحد منهما السدس " [ النساء : 11 ] ، كذلك قال هنا : " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم " .
الثالثة : قوله تعالى : " ومعارج " يعني الدرج ، قاله ابن عباس وهو قول الجمهور ، واحدها معراج والمعراج السلم ، ومنه ليلة المعراج ، والجمع معارج ومعاريج ، مثل مفاتح ومفاتيح ، لغتان (( ومعاريج )) قرأ أبو رجاء العطاردي و طلحة بن مصرف ، وهي المراقي والسلاليم ، قال الأخفش : إن شئت جعلت الواحد معرج ومعرج ، مثل مرقاة ومرقاة ، " عليها يظهرون " أي على المعارج يرتقون ويصعدون يقال : ظهرت على البيت أي علوت سطحه ، وهذا لأن من علا شيئاً وارتفع عليه ظهر للناظرين ، ويقال : ظهرت على الشيء أي علمته ، وظهرت على العدو أي غلبته ، و" أنشد نابغة بني جعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
علونا السماء عزة ومهابة وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي مصعدا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إلى أين ؟ قال إلى الجنة ، قال : أجل إن شاء الله " ، قال الحسن : والله قد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك ! فكيف لو فعل ؟ !
الرابعة : استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لا حق فيه لرب العلو ، لأن الله تعالى جعل السقوف كما جعل الأبواب لها ، وهذا مذهب مالك رحمه الله قال ابن العربي : وذلك لأن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب ، وفمن له البيت فله أركانه ولا خلاف أن العلو له إلى السماء ، واختلفوا في السفل ، فمنهم من قال هو له ، ومنهم من قال ليس له في باطن الأرض شيء ، وفي مذهبنا القولان ، وقد بين حديث الإسرائيلي الصحيح فيما تقدم : أن رجلاً باع من رجل داراً فبناها فوجد فيها جرة من ذهب ، فجاء بها إلى البائع فقال : إنما اشتريت الدار دون الجرة ، وقال البائع : إنما بعت الدار بما فيها : وكلهم تدافعها بينهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوج أحدهما ولده من بنت الآخر ويكون المال لهما والصحيح أن العلو والسفل له إلا أن يخرج عنهما بالبيع ، فإذا باع أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينتفع به وباقيه للمبتاع منه .
الخامسة : من أحكام العلو والسفل إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه ، فذكر سحنون عن أشهب أنه قال : إذا أراد صاحب السفل أن يهدم ، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة ، ويكون هدمه له أرفق لصاحب العلو ، لئلا ينهدم بانهدامه العلو ، وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئاً لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل ، ولو انكسرت خشبة من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم تكن أثقل منها ويخاف ضررها على ضحاب السقف ، قال أشهب : وباب الدار على صاحب السفل : قال : ولو أنهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه ، وليس على صاحب العلو أن يبني السفل ، فإن أبى صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني ، وروى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل والعلو لآخر فاعتل السفل ، فإن صلاحه على رب السفل وعليه تعليق العلو حتى يصلح سفله ، لأن عليه إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق ، وكذلك لو كان على العلو علو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط وقد قيل : إن تعليق العلو الثاني على رب العلو حتى يبني الأسفل ، وحديث النعمان بن بشير " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " ، أصل في هذا الباب ، وهو حجة لـ مالك و أشهب ، وفيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به ، وأنه إن أحدث عليه ضرراً لزمه إصلاحه دون صاحب العلو ، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر ، لقوله عليه السلام : " فإن أخذوا على أيديهم نجواً ونجوا جميعا ً " ، ولا يجوز الأخذ إلا على يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما لا يجوز له في السنة ، وفيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد مضى في (( الأنفال )) وفيه دليل على جواز القرعة واستعمالها ، وقد مضى في (( آل عمران )) فتأمل كلاً في موضعه تجده مبينا ، والحمد لله .
يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ووالد من بعث بعده من الأنبياء الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان, فقال: "إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه" أي هذه الكلمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان, وهي لا إله إلا الله أي جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام "لعلهم يرجعون" أي إليها.
قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله عز وجل: "وجعلها كلمة باقية في عقبه" يعني لا إله إلا الله لا يزال في ذريته من يقولها, وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة, ثم قال جل وعلا: "بل متعت هؤلاء" يعني المشركين "وآباءهم" أي فتطاول عليهم العمر في ضلالهم "حتى جاءهم الحق ورسول مبين" أي بين الرسالة والنذارة "ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون" أي كابروه وعاندوه ودفعوا بالصدور والراح كفراً وحسداً وبغياً "وقالوا" أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" أي هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف, قاله ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وابن زيد, وقد ذكر غير واحد منهم أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي وقال مالك عن زيد بن أسلم والضحاك والسدي: يعنون الوليد بن المغيرة ومسعود بن عمرو الثقفي. وعن مجاهد: يعنون عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي وعنه أيضاً أنهم يعنون عتبة بن ربيعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: جباراً من جبابرة قريش, وعنه رضي الله عنهما أنهم يعنون الوليد بن المغيرة وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي, وعن مجاهد: يعنون عتبة بن ربيعة بمكة وابن عبد ياليل بالطائف. وقال السدي: عنوا بذلك الوليد بن المغيرة وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي, والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان قال الله تبارك وتعالى راداً عليهم في هذا الإعتراض "أهم يقسمون رحمة ربك ؟" أي ليس الأمر مردوداً إليهم. بل إلى الله عز وجل, والله أعلم حيث يجعل رسالاته, فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلباً ونفساً. وأشرفهم بيتاً, وأطهرهم أصلاً.
ثم قال عز وجل مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة, فقال: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا" الاية. وقوله جلت عظمته: "ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً" قيل معناه ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا, وهذا إلى هذا, قاله السدي وغيره. وقال قتادة والضحاك ليملك بعضهم بعضاً وهو راجع إلى الأول: ثم قال عز وجل: "ورحمة ربك خير مما يجمعون" أي رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا, ثم قال سبحانه وتعالى: "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة" أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال هذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغيرهم "لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج" أي سلالم ودرجاً من فضة قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم "عليها يظهرون" أي يصعدون ولبيوتهم أبواباً أي أغلاقاً على أبوابهم "وسرراً عليها يتكئون" أي جميع ذلك يكون فضة "وزخرفاً" أي وذهباً, قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد.
ثم قال تبارك وتعالى: "وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا" أي إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى, أي يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ليوافوا الاخرة, وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها كما ورد به الحديث الصحيح. وورد في حديث آخر "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء" أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما أعطى كافراً منها شيئاً" ثم قال سبحانه وتعالى: " والآخرة عند ربك للمتقين " أي هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم, ولهذا لما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربة لما آلى صلى الله عليه وسلم من نسائه فرآه على رمال حصير قد أثر بجنبه, فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه, وأنت صفوة الله من خلقه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال: "أو في شاك أنت يا ابن الخطاب ؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" وفي رواية "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة". وفي الصحيحين أيضاً وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة, ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الاخرة" وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتهم كما روى الترمذي وابن ماجه من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء أبداً" قال الترمذي: حسن صحيح.
ثم بين سبحانه حاقرة الدنيا عنده فقال: 33- "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة" أي لولا أن يجتمعوا على الكفر ميلاً إلى الدنيا وزخرفها "لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة" جمع الضمير في بيوتهم وأفرده في يكفر باعتبار معنى من ولفظها، و لبيوتهم بدل اشتمال من الموصول والسقف جمع سقف. قرأ الجمهور بضم السين والقاف كرهن ورهن. قال أبو عبيدة: ولا ثالث لهما. وقال الفراء: هو جمع سقيف نحو كثير وكثب ورغيف ورغف، وقيل هو جمع سقوف فيكون جمعاً للجمع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد ومعناه الجمع لكونه للجنس. قال الحسن: معنى الآية: لولا أن يكفر الناس جميعاً بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله وقال أكثر المفسرين. وقال ابن زيد: لولا أن يكون الناس أمة واحدة في طلب الدنيا واختيارهم لها على الآخرة. وقال الكسائي: المعنى لولا أن يكون في الكفار غني وفقير، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها "ومعارج عليها يظهرون" المعارج: الدرج جمع معراج، والمعراج السلم. قال الأخفش: إن شئت جعلت الواحدة معرج ومعرج مثل: مرقاة ومرقاة، والمعنى: فجعلنا لهم معارج في فضة عليها يظهرون، أي على المعارج يرتقون ويصعدون، يقال ظهرت على البيت: أي علوت سطحه، ومنه قول النابغة:
بلغنا السماء مجدا وفخرا وسؤددا وإنا لنرجوا فوق ذلك مظهرا
أي مصعداً.
33. " ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً "، أي: لولا أن يصيروا كلهم كفاراً فيجتمعون على الكفر، " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة "، قرأ ابن كثير ، و أبو جعفر ، وأبو عمرو: ((سقفاً)) بفتح السين وسكون القاف على الواحد، ومعناه الجمع، كقوله تعالى: " فخر عليهم السقف من فوقهم " (النحل-26)، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع، وهي جمع ((سقف)) مثل: رهن ورهن، قال أبو عبيدة: ولا ثالث لهما. وقيل: هو جمع سقيف. وقيل: جمع سقوف جمع الجمع. " ومعارج "، مصاعد ودرجاً من فضة، " عليها يظهرون "، يعلون ويرتقون، يقال: ظهرت على السطح إذا علوته.
33-" ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً " لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه . " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج " ومصاعد جمع معراج ،وقرئ و معاريج جمع معراج . " عليها يظهرون " يعلون السطوح لحقارة الدنيا .
33. And were it not that mankind would have become one community, We might well have appointed, for those who disbelieve in the Beneficent, roofs of silver for their houses and stairs (of silver) whereby to mount,
33 - And were it not that (all) men might become of one (evil) way of life, we would provide, for everyone that blasphemes against (God) Most Gracious, silver roofs for their houses, and (silver) stair ways on which to go up.