33 - (جنات عدن) إقامة (يدخلونها) الثلاثة بالبناء للفاعل وللمفعول خبر جنات المبتدأ (يحلون) خبر ثان (فيها من) بعض (أساور من ذهب ولؤلؤا) مرصع بالذهب (ولباسهم فيها حرير)
يقول تعالى ذكره: بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، الذين اصطفيناهم من عبادنا يوم القيامة " يحلون فيها من أساور من ذهب " يلبسون في جنات عدن أسورة من ذهب " ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير " يقول: ولباسهم في الجنة حرير.
وقوله " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " اختلف أهل التأويل في الحزن الذين حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم، فقال بعضهم: ذلك الحزن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار، إذ كانوا خائفين أن يدخلوها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسي، قال: ثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قوله " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " قال: حزن النار.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( الفرقان: 63) قال: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت والله الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، وما بالقوم مرض، وإنهم لأصحة القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة،
الرابعة : قوله : " جنات عدن يدخلونها " جمعهم في الدخول لأنه ميراث ، والعاق والتبار في الميراث سواء إذا كانوا معترفين بالنسب ، فالعاصي والمطيع مقرون بالرب . وقرئ : (( جنة عدن )) على الإفراد ، كأنها جنة مختصة بالسابقين لقلتهم ، على ما تقدم . و(( جنات عدن )) بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر ، أي يدخلون جنات عدن يدخلونها . وهذا للجميع ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى . وقرأ أبو عمرو (( يدخلونها )) بضم الياء وفتح الخاء . قال : لقوله : (( يحلون )) . وقد مضى في (( الحج )) الكلام في قوله تعالى : " يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير " .
يخبر تعالى أن مأوى هؤلاء المصطفين من عباده الذين أورثوا الكتاب المنزل من رب العالمين يوم القيامة, مأواهم جنات عدن, أي جنات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على الله عز وجل "يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً" كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". "ولباسهم فيها حرير" ولهذا كان محظوراً عليهم في الدنيا, فأباحه الله تعالى لهم في الاخرة, وثبت في الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة" وقال"هي لهم في الدنيا, ولكم في الاخرة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن سواد السرحي , أخبرنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن أبا أمامة رضي الله عنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم, وذكر حلي أهل الجنة فقال "مسورون بالذهب والفضة مكللة بالدر, وعليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة, وعليهم تاج كتاج الملوك, شباب جرد مرد مكحولون "وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" وهو الخوف من المحذور, أزاحه عنا وأرحنا مما كنا نتخوفه ونحذره من هموم الدنيا والاخرة " . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم, وكأني بأهل لاإله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" رواه ابن أبي حاتم من حديثه.
وقال الطبراني : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي , حدثنا موسى بن يحيى المروزي , حدثنا سليمان بن عبد الله بن وهب الكوفي عن عبد العزيز بن حكيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في الموت ولا في القبور ولا في النشور, وكأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن, إن ربنا لغفور شكور" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: غفر لهم الكثير من السيئات, وشكر لهم اليسير من الحسنات "الذي أحلنا دار المقامة من فضله" يقولون الذي أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته, لم تكن أعمالنا تساوي ذلك, كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يارسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل" "لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب" أي لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء. والنصب واللغوب كل منهما يستعمل في التعب, وكأن المراد بنفي هذا وهذا عنهم, أنهم لا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم, والله أعلم, فمن ذلك أنهم كانوا يدئبون أنفسهم في العبادة في الدنيا, فسقط عنهم التكليف بدخولها, وصاروا في راحة دائمة مستمرة قال الله تبارك وتعالى: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية".
وارتفاع 33- "جنات عدن" على أنها مبتدأ وما عبدها خبرها، أو على البدل من الفضل لأنه لما كان هو السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب، وعلى هذا فتكون جملة "يدخلونها" مستأنفة وقد قدمنا أن الضمير في يدخلونها يعود إلى الأصناف الثلاثة، فلا وجه لقصره على الصنف الأخير، وقرأ زر بن حبيش والترمذي جنة بالإفراد، وقرأ الجحدري جنات بالنصب على الاشتغال، وجوز أبو البقاء أن تكون جنات خبراً ثانياً لاسم الإشارة، وقرأ أبو عمرو "يدخلونها" على البناء للمفعول، وقوله: "يحلون" خبر ثان لجنات عدن، أو حال مقدرة، وهو من حليت المرأة فهي حال، وفيه إشارة إلى سرعة الدخول، فإن في تحليتهم خارج الجنة تأخيراً للدخول، فلما قال "يحلون فيها" أشار أن دخولهم على وجه السرعة "من أساور من ذهب" من الأولى تبعيضية، والثانية بيانية: أي يحلون بعض أساور كائنة من ذهب، والأساور جمع أسورة جمع سوار، وانتصاب "لؤلؤاً" بالعطف على محل "من أساور" وقرئ بالجر عطفاً على ذهب "ولباسهم فيها حرير" قد تقدم تفسير الآية مستوفى في سورة الحج.
ثم أخبر بثوابهم فقال: 33- "جنات عدن يدخلونها"، يعني: الأصناف الثلاثة، قرأ أبو عمرو يدخلونها بضم الياء وفتح الحاء، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء، "يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير".
33 -" جنات عدن يدخلونها " مبتدأ وخبر الضمير للثلاثة أو لـ " الذين " أو للـ " مقتصد " والـ " سابق " ، فإن المارد بهما الجنس وقرئ (( جنة عدن )) و " جنات عدن " منصوب بفعل يفسره الظاهر ، وقرأ أبو عمرو (( يدخلونها )) على البناء للمفعول . " يحلون فيها " خبر ثان أو حال مقدرة ، وقرئ (( يحلون )) من حليت المرأة فهي حالية . " من أساور من ذهب " " من " الأولى للتبعيض والثانية للتبيين . " ولؤلؤاً " عطف على " ذهب " أي " من ذهب " مرصع باللؤلؤ ، أو " من ذهب " في صفاء اللؤلؤ ونصبه نافع و عاصم رحمهما الله تعالى عطفاً على محل " من أساور " . " ولباسهم فيها حرير " .
33. Gardens of Eden! They enter them wearing armlets of gold and pearl and their raiment therein is silk.
33 - Gardens of Eternity will they enter: therein will they be adorned with bracelets of gold and pearls; and their garments there will be of silk.