كلتا الجنتين) كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ (آتت) خبره (أكلها) ثمرها (ولم تظلم) تنقص (منه شيئا وفجرنا) أي شققنا (خلالهما نهرا) يجري بينهما
وقوله " كلتا الجنتين آتت أكلها" يقول : كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النخل والكروم وصنوف الزرع . وقال : كلتا الجنتين ، ثم قال : آتت ، فوحد الخبر، لأن كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كل ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا، ويذهبون بها وهي مفردة إلى التثنية، قال بعض الرجاز في ذلك :
في كلت رجليها سلامى واحدة كلتاهما مقرونة بزائده
يريد بكلت : كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلى معرفة، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد. وقوله " ولم تظلم منه شيئا" يقول ولم تنقص من الأكل شيئا، بل آتت ذلك تاما كاملا ومنه قولهم : ظلم فلان فلانا حقه :
إذا بخسه ونقصه ، كما قال الشاعر:
تظلمني مالي كذا ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ولم تظلم منه شيئا" : أي لم تنقص منه شيئا.
وقوله " وفجرنا خلالهما نهرا" . بقول تعالى ذكره : وستلنا خلال هذين البستانين نهرا ، يعني بينهما وبين أشجارهما نهرا . وقيل " وفجرنا" فثقل الجيم منه ، لأن التفجير في النهر كله ، وذلك أنه يميد ماء فيسيل بعضه بعضا.
قوله تعالى : " وفجرنا خلالهما نهرا " أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر .
" وكان له ثمر" قرأ أبو جعفر و شيبة و عاصم و يعقوب و ابن إسحاق ( ثمر ) بفتح الثاء والميم ، وكذلك قوله " وأحيط بثمره " جمع ثمرة . قال الجوهري : الثمرة ثمر ، مثل كتاب وكتب ، وجمع الثمر أثمار ، مثل أعناق وعنق . والثمر أيضاً المال المثمر ، ينخفف ويثقل . وقرأ أبو عمرو ( وكان لهثمر ) بضم الثاء وإسكان الميم ، وفسره بأنواع المال . الباقون بضمها في الحرفين . قال ابن عباس : ذهب وفضة وأموال . وقد مضى في ( الأنعام ) نحو هذا مبيناً . وذكر النحاس : حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال هارون قال حدثني أبان عن ثعلب عن الأعمش أن الحجاج قال : لو سمعت أحداً يقرأ ( وكان ثمر ) لقطعت لسانه ، فقلت للأعمش ان الحجاج قال : لو سمعت أحداً يقرأ ( وكان له ثمر ) لقطعت لسانه ، فقالت للأعمش : أتأخذ بذلك ؟ فقال : لا ! ولانعمة عين . فكان يقرأ (ثمر) وبأخذه من جميع الثمر . قال النحاس : فالتقدير على هذا القول أنه جمع ثمرة على ثمار ثم جمع ثمار على ثمر ، وهو حسن في العربية إلا أن الأول أشبه والله أعلم ، لأن قوله " كلتا الجنتين آتت أكلها " يدل على أن له ثمراً .
قوله تعالى : " فقال لصاحبه وهو يحاوره " أي يراجعه في الكلام ويجاوبه . والمحاورة المجاوبة ، والتحاور التجاوب . ويقال : كلمته فما أحار إلى جواباً ، وما رجع إلى حويراً ولا حويرة ولا محورى ولا حواراً ، أي ما رد جواباً .
يقول تعالى بعد ذكره المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين, وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم, فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لأحدهما جنتين, أي بستانتين من أعناب, محفوفتين بالنخيل, المحدقة في جنباتهما وفي خلالهما الزورع, وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجودة, ولهذا قال: "كلتا الجنتين آتت أكلها" أي أخرجت ثمرها, "ولم تظلم منه شيئاً" أي ولم تنقص منه شيئاً, "وفجرنا خلالهما نهراً" أي والأنهار متفرقة فيهما ههنا وههنا, "وكان له ثمر" قيل: المراد به المال, روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة . وقيل: الثمار, وهو أظهر ههنا ويؤيده القراءة الأخرى "وكان له ثمر" بضم الثاء وتسكين الميم, فيكون جمع ثمرة كخشبة وخشب. وقرأ آخرون ثمر بفتح الثاء والميم, فقال أي صاحب هاتين الجنتين لصاحبه وهو يحاوره, أي يجادله, ويخاصمه يفتخر عليه ويترأس "أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" أي أكثر خدماً وحشماً وولداً, قال قتادة : تلك والله أمنية الفاجر, كثرة المال وعزة النفر.
وقوله: "ودخل جنته وهو ظالم لنفسه" أي بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكار المعاد "قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً" وذلك اغتراراً منه لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار, والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها, ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف, ذلك لقلة عقله, وضعف يقينه بالله, وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها, وكفره بالاخرة, ولهذا قال: "وما أظن الساعة قائمة" أي كائنة "ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً" أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي, ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا, كما قال في الاية الأخرى "ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى" وقال "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً" أي في الدار الاخرة تألى على الله عز وجل. وكان سبب نزولها في العاص بن وائل , كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله, وبه الثقة وعليه التكلان.
ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدي حملها وما فيها، فقال: 33- "كلتا الجنتين آتت أكلها" أخبر عن "كلتا" بآتت، لأن لفظه مفرد، فراعى جانب اللفظ. وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى. وقال الفراء: هو مثنى، وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية. وقال سيبويه: ألف كلتا للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل، وهي واو، والأصل كلوا. وقال أبو عمرو: التاء ملحقة وأكلهما: هو ثمرهما. وفيه دلالة على أنه قد صار صالحاً للأكل. وقرأ عبد الله بن مسعود كل الجنتين آتى أكله "ولم تظلم منه شيئاً" أي لم تنقص من أكلها شيئاً، يقال ظلمه حقه: أي نقصه، ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد في سائر البساتين فإنها في الغالب تكثر في عام، وتقل في عام "وفجرنا خلالهما نهراً" أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهراً ليسقيهما دائماً من غير انقطاع، وقرئ "فجرنا" بالتشديد للمبالغة، وبالتخفيف على الأصل.
33 - " كلتا الجنتين آتت " ، أي أعطت كل واحدة من الجنتين ، " أكلها " ، ثمرها تاماً ، " ولم تظلم " لم تنقص ، " منه شيئاً ، وفجرنا " ، قرأ العامة بالتشديد ، قرأ يعقوب بتخفيف الجيم ، " خلالهما نهراً " يعني : شققنا وأخرجنا وسطهما نهراً .
33."كلتا الجنتين آتت أكلها"ثمرها ، وإفراد الضمير لإفراد "كلتا" وقرئ كل الجنتين آتى أكله."ولم تظلم منه"ولم تنقص من أكلها."شيئاً"يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالباً ."وفجرنا خلالهما نهراً " ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما ، وعن يعقوبوفجرنا بالتخفيف.
33. Each of the gardens gave its fruit and withheld naught thereof. And We caused a river to gush forth therein.
33 - Each of those gardens brought forth its produce, and failed not in the least therein: in the midst of them we caused a river to flow.