(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض (للرجال نصيب) ثواب (مما اكتسبوا) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره (وللنساء نصيب مما اكتسبن) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن ، نزلت لما قالت أم سلمة: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال (واسألوا) بهمزة ودونها (الله من فضله) ما احتجتم إليه يعطكم (إن الله كان بكل شيء عليما) ومنه محل الفضل وسؤالكم
قوله تعالى ولا تتمنوا روى الحاكم عن أم سلمة أنها قالت يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فانزل الله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض وأنزل فيها إن المسلمين والمسلمات
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله للذكر مثل حظ الانثيين وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا إن عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله ولا تتمنوا الآية
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض.
وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال، وأن يكون لهم ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق.
ذكر الأخبار بما ذكرنا:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل، قال حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نعطى الميراث، ولا نغزو في سبيل الله فنقتل؟ فنزلت: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، ونزلت "إن المسلمين والمسلمات" [الأحزاب :35].
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، يقول: لا يتمنى الرجل يقول: ليت أن لي مال فلان وأهله! فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قال: قول النساء: ليتنا رجالاً فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال!.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قول النساء يتمنين: ليتنا رجال فنغزو! ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرازق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "قالت أم سلمة: أي رسول الله، أتغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: "ولا تتمنوا ما فضل الله"".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال،أ خبرنا معمر، عن شيخ من أهل مكة قوله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، قال: كان النساء يقلن: ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال، ونغزو في سبيل الله! فقال الله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: تتمنى مال فلان ومال فلان! وما يدريك؟ لعل هلاكه في ذلك المال!.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة ومجاهد، أنهما قالا: نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة.
وبه قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء قال: هو الإنسان، يقول: وددت أن لي مال فلان! قال: "واسألوا الله من فضله"، وقول النساء: ليت أنا رجالاً فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال!.
وقال آخرون: بل معنى ذلك : لا يتمن بعضكم ما خص الله بعضاً من منازل الفضل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، فإن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران. وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا! فأنزل الله تعالى الآية، وقال لهم: سلوا الله من فضله، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: نهيتم عن الأماني، ودللتم على ما هو خير منه: "واسألوا الله من فضله".
حدثني المثنى قال، حدثنا عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال: قد نهاكم الله عن هذا: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"، ودلكم على خير منه: "واسألوا الله من فضله".
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل: ولا تتمنوا، أيها الرجال والنساء، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب، ولكن سلوا الله من فضله.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: "للرجال نصيب مما اكتسبوا"، من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، "وللنساء نصيب" من ذلك مثل ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي شيئا، لانما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع. فلما نجز للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، قال النساء: لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباءالرجال! وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث! فأنزل الله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها، كما يجزى الرجل، قال الله تعالى: "واسألوا الله من فضله".
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثني أبو ليلى قال، سمعت أبا حريز يقول: لما نزل: "للذكر مثل حظ الأنثيين" [النساء: 4]، قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث! فأنزل الله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يعني الذنوب، "واسألوا الله"، يا معشر النساء، "من فضله".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنساء نصيب منهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، يعني: ما ترك الوالدان والأقربون. يقول: للذكر مثل حظ الأنثيين.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي إسحق، عن عكرمة أو غيره في قوله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، قال: في الميراث، كانوا لا يورثون النساء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: معناه: للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا فعملوه من خيرأو شر، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال.
وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال: تأويله: للرجال نصيب من الميراث، وللنساء نصيب منه، لأن الله جل ثناؤه أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب. وليس الميراث مما اكتسبه الوارث، وإنما هو مال أورثه الله عن ميته بغير اكتساب، وإنما الكسب العمل، والمكتسب المحترف. فغير جائز أن يكون معنى الآية، وقد قال الله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن": للرجال نصيب مما ورثوا، وللنساء نصيب مما ورثن. لأن ذلك لو كان كذلك لقيل: للرجال نصيب مما لم يكتسبوا، وللنساء نصيب مما لم يكتسبن!!.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته. ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته كما:
حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثنا أبو جعفر النفيلي قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن سعيد: "واسألوا الله من فضله"، قال: العبادة، ليست من أمر الدنيا.
حدثنا محمد بن مسلم قال، حدثني أبو جعفر قال، حدثنا موسى، عن ليث قال: "فضله"، العبادة، ليس من أمر الدنيا.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هشام، عن ليث، عن مجاهد في قوله: "واسألوا الله من فضله"، قال: ليس بعرض الدنيا.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "واسألوا الله من فضله"، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم.
حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل لم يسمه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يسأل، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج".
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله كان بما يصلح عباده -فيما قسم لهم من خير، ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم- "عليما"، يقول: ذا علم. فلا تتمنوا غير الذي قضى لكم، ولكن عليكم بطاعته، والتسليم لأمره، والرضى بقضائه، ومسألته من فضله.
فيه أربع مسائل:
الأولى - روى الترمذي عن أم سلمة أنها قالت:
يغزو الرجل ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تعالى " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " قال مجاهد: وأنزل فيها" إن المسلمين والمسلمات" [ الأحزاب: 35] وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة قال أبو عيسى : هذا حديث مرسل ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، مرسل أن أم سلمة قالت :ذا وقال قتادة كان الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان، فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال. وقال الرجال: إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث، فنزلت " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض "
الثانية - قوله تعالى :" ولا تتمنوا " التمني نوع نمن الإرادة يتعلق بالمستقبل كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي فنهى الله سبحانه المؤمنين عن التمني لأن فيه تعلق البال ونسيان الأجل وقد اختلف العلماء هل يدخل في هذا النهي الغبطة، وهي أن تمنى الجلل أن يكون له حال صاحبه وإن لم يتمن زوال حاله، والجمهور على إجازة ذلك مالك وغيره وهي المراد عند بعضهم في "قوله عليه السلام:
لا حسد إلا من اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الله وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " فمعنى قوله تعلى : " لا حسد" أي لا غبطه أعظم وأفضل من الغبطة في هذين الأمرين، وقد نبه البخاري على هذا المعنى حيث بوب على هذا الحديث ( باب الاغتباط في العلم والحكمة) قال المهلب: بين الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنيه، وذلك ما كان من عرض الدنيا وأشباها قال ابن عطية: وأما التمني في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيته بشيء مما قدمنا ذكره فذلك جائز وذلك موجود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
"وددت أن أحيا ثم أقتل "
قلت: هذا الحديث هو الذي صدر به البخاري كتاب التمني في صحيحه، وهو يدل على تمنى الخير وأفعال البر والرغبة فيها وفيه فضل الشهادة على سائر أعمال البر، لأنه عليه السلام تمناها دون غيرها. وذلك لرفيع منزلتها وكرامة أهلها فرزقه اله إياها لقوله :
"ما زالت أكلة خيبر تعادني الآن أوان قطعت أبهري" وفي الصحيح .
"إن الشهيد يقال له تمن فيقول أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتل في سبيلك مرة أخرى " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى إيمان أبي طالب وإيمان أبي لهب وصناديد قريش مع علمه بأنه لا يكون وكان يقول:
"واشوقاه إلى إخواني الذي يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني" وهذا كله يدل على أن التمني لا ينهى عن إذا لم يكن داعية إلى الحسد والتباغض والتمني المنهي عنه في الآية من هذا القبيل فيدخل فيه أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الآخر وسواء تمنيت مع ذلك أن يعود إليك أو لا وهذا هو الحسد بعينه وهو الذي ذمه الله تعالى بقوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " [ النساء :54] ويدخل فيه أيضاً خطبة الرجل على خطبة أخيه وبيعه على بيعه لأنه داعية الحسد والمقت وقد كره بعض العلماء الغبطة وأنها داخلة في النهي الصحيح جوازها على ما بينا، والله توفقينا وقال الضحاك: لا يحل لأحد أن يتمنى مال أحد، ألم تسمع الذين قالوا:"يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون " [ القصص: 79] إلى أن قال " وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس " [ القصص: 82] حين خسف به وبداره وبأمواله " لولا أن من الله علينا لخسف بنا" [ القصص : 82] وقال الكلبي: لا يتمن الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ولا دابته، ولكن ليقل: اللهم ارزقني مثله وهو كذلك في التوراة وكذلك قوله في القرآن " واسألوا الله من فضله " وقال ابن عباس: نهى الله سبحانه أن يتمنى الرجل مال فان وأهله وأمر عبادة المؤمنين أن يسألوه من فضله ومن الحجة للجمهور "قوله صلى الله عليه وسلم :
إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل به رحمه ويعلم لله فيه حقاً بأفضل المنازل، ورجل أتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعلمت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء" الحديث وقد تقدم خرجه الترمذي وصححه وقال الحسن: لا يتمن أحدكم المال وما يدريه لعل هلاكه فيه وهذا إنما يصح إذا تمناه للدنيا، وأما إذا تمناه للخير فقد جوزه الشرع، فيتمناه العبد ليصل به إلى الرب ويفعل الله ما يشاء .
الثالثة- قوله تعالى :" للرجال نصيب مما اكتسبوا" يريد من الثوب والعقاب " وللنساء " كذلك قاله قتادة فللمرأة الجزاء على الحسنة بعشرة أمثالها كما للرجال.وقال ابن عباس: المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة للذكر مثل حظ الأنثيين فنهى الله عز وجل عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم .
الرابعة- قوله تعالى :" واسألوا الله من فضله " روى الترمذي "عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
سلوا الله من فضله فإنه يجب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج " خرج أيضا ابن ماجة "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عيه وسلم :
من لم يسأل الله يغضب عليه " وهذا يدل على أن الأمر بالسؤال لله تعالى واجب وقد أخذ بعض العلماء هذا المعنى فنظمه فقال:
الله يغضب أن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال أحمد بن المعذل أبو الفضل الفقيه المالكي فأحسن :
التمس الأرزاق عند الذي ما دونه إن سيل ما حاجب
من يبغض التارك تسأله جوداً ومن يرضى عن الطالب
ومن إذا قال جرى قوله بغير توقيع إلى كاتب
وقد أشبعنا القول في هذا المعنى في كتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة وقال سعيد بن جبير "واسألوا الله من فضله " العبادة ليس من أمر الدنيا وقيل: سلوه التوفيق للعمل بما يرضيه وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سلوا ربكم حتى الشبع، فإنه إن لم ييسره اله عز وجل لم يتيسر، وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالسؤال إلا ليعطي .
وقرأ الكسائي وابن كثير: وسلوا الله من فضله بغير همز في جميع القرآن الباقون بالهمز واسألوا الله وأصله بالهمز إلا أنه حذفت للتخفيف والله أعلم .
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قالت أم سلمة: يارسول الله, يغزو الرجال ولا نغزو, ولنا نصف الميراث, فأنزل الله "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض". ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن أم سلمة أنها قالت: قلت: يارسول الله, فذكره, وقال: غريب. ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أن أم سلمة قالت: يا رسول الله, فذكره. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله, لا نقاتل فنستشهد, ولا نقطع الميراث, فنزلت الاية, ثم أنزل الله "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" الاية, ثم قال ابن أبي حاتم: وكذا روى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ, وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح عن الثوري, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله, وروي عن مقاتل بن حيان وخصيف نحو ذلك, وروى ابن جرير من حديث ابن جريج عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا: أنزلت في أم سلمة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن شيخ من أهل مكة, قال: نزلت هذه الاية في قول النساء: ليتنا الرجال, فنجاهد كما يجاهدون, ونغزو في سبيل الله عز وجل. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثني أحمد بن عبد الرحمن, حدثني أبي, حدثنا الأشعث بن إسحاق عن جعفر يعني ابن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في الاية, قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله, للذكر مثل حظ الأنثيين, وشهادة امرأتين برجل, فنحن في العمل هكذا, إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة, فأنزل الله هذه الاية "ولا تتمنوا" الاية, فإنه عدل مني وأنا صنعته. وقال السدي في الاية: فإن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء, كما لنا في السهام سهمان, وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء, فإنا لا نستطيع أن نقاتل, ولو كتب علينا القتال لقاتلنا, فأبى الله ذلك ولكن قال لهم. سلوني من فضلي, قال: ليس بعرض الدنيا, وقد روي عن قتادة نحو ذلك. وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في الاية, قال: ولا يتمنى الرجل فيقول: ليت لو أن لي مال فلان وأهله, فنهى الله عن ذلك, ولكن ليسأل الله من فضله وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك, نحو هذا، وهو الظاهر من الاية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء", فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الاية, وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا, والاية نهت عن تمني عين نعمة هذا, فقال "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض" أي في الأمور الدنيوية, وكذا الدينية أيضاً, لحديث أم سلمة وابن عباس. وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني ما لفلان, وفي تمني النساء أن يكن رجالاً فيغزون, رواه ابن جرير, ثم قال "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيراً فخير, وإن شراً فشر, هذا قول ابن جرير, وقيل: المراد بذلك في الميراث, أي كل يرث بحسبه, رواه الترمذي عن ابن عباس, ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم, فقال " واسألوا الله من فضله " لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض, فإن هذا أمر محتوم, والتمني لا يجدي شيئاً, ولكن سلوني من فضلي أعطكم, فإني كريم وهاب, وقد روى الترمذي وابن مردويه من حديث حماد بن واقد, سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلوا الله من فضله, فإن الله يحب أن يسأل, وإن أفضل العبادة انتظار الفرج" ثم قال الترمذي: كذا رواه حماد بن واقد, وليس بالحافظ, ورواه أبو نعيم عن إسرائيل, عن حكيم بن جبير, عن رجل, عن النبي صلى الله عليه وسلم, وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح, وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل, ثم رواه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلوا الله من فضله, فإن الله يحب أن يسأل, وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج", ثم قال "إن الله كان بكل شيء عليماً" أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها, وبمن يستحق الفقر فيفقره, وعليم بمن يستحق الاخرة فيقيضه لأعمالها, وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه, لهذا قال "إن الله كان بكل شيء عليماً".
قوله 32- "ولا تتمنوا" التمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل، كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي، وفيه النهي عن أن يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه، فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته وحكمته البالغة، وفيه أيضاً نوع من الحسد المنهي عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير.
وقد اختلف العلماء في الغبطة هل تجوز أم لا؟ وهي أن يتمنى أن يكون به حال مثل حال صاحبه من دون أن يتمنى زوال ذلك الحال عن صاحبه، فذهب الجمهور إلى جواز ذلك، واستدلوا بالحديث الصحيح "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الله وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" وقد بوب عليه البخاري باب الاغتباط في العلم والحكم وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوباً بما يصير به من جنس الحسد أم لا، وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصاً لهذا العموم، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله "للرجال نصيب" إلخ، فيه تخصيص بعد التعميم ورجوع إلى ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزي ولا نقاتل فنستشهد، وإنما لنا نصف الميراث فنزلت. أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي، وقد روي نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة. والمعنى في الآية: أن الله جعل لكل من الفريقين نصيباً على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته، وعبر عن ذلك المجعول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا على طريق الاستعارة التبعية شبه اقتضاء حال كل فريق لنصيبه باكتسابه إياه. قال قتادة: للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب وللنساء كذلك. وقال ابن عباس: المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى ما ذكرناه. قوله "واسألوا الله من فضله" عطف على قوله "ولا تتمنوا" وتوسيط التعليل بقوله "للرجال نصيب" إلخ. بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير ما تضمنه النهي، وهذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه من فضله كما قاله جماعة من أهل العلم.
32-قوله تعالى:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض" الآية، قال مجاهد: قالت أم سلمة : يا رسول الله إن الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث، فلو كنا رجالاً غزونا كما غزوا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا . فنزلت هذه الآية.
وقيل: لما جعل الله عز وجل للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، وقالت النساء: نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش، فأنزل الله تعالى:" ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض".
وقال قتادة والسدي لما نزل قوله:"للذكر مثل حظ الأنثيين"، قال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على السناء بحسناتنا في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهن في الميراث فقال الله تعالى:"للرجال نصيب مما اكتسبوا" من الأجر"وللنساء نصيب مما اكتسبن".
معناه : أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء، وذلك أن الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي فيها الرجال والسناء، وإن فضل الرجال في الدنيا على السناء.
وقيل: معناه للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب ما اكتسبن من طاعة الأزواج وحفظ الفروج، يعني إن كان للرجال فضل الجهاد فللنساء فضل طاعة الأزواج وحفظ الفروج.
قوله تعالى:"واسألوا الله من فضله"، قرأ ابن كثير و الكسائي وسلوا، وسل وفسل إذا كان قبل السين واو أو فاء بغير همز، ونقل حركة الهمزة إلى السينن والباقون بسكون السين مهموزاً. فنهى الله تعالى عن التمني لما فيه من دواعي الحسد ، والحسد أن يتمنى زوال النعمة عن صاحبه ويتمناها لنفسه ، وهو حرام، والغبطة أن يتمنى لنفسه/ مثل ما لصاحبه وهو جائز . قال الكلبي: لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه، ولكن ليقل اللهم ارزقني مثله، وهو كذلك في التوراة كذلك في القرآن. قوله"واسألوا الله من فضله" قال ابن عباس: واسألوا الله من فضله: أي: من رزقه، قال سعيد بن جبير: من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة، قال سفيان بن عيينة: لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي."إن الله كان بكل شيء عليماً".
32" ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " من الأمور الدنيوية كالجاه والمال، فلعل عدمه خير والمقتضى للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي، معربة عن عدم الرضا بما قسم الله له، وأنه تشه لحصول الشيء له من غير طلب وهو مذموم، لأنه تمنى ما لم يقدر له معارضة لحكمة القدر، وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ، وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال. " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " بيان لذلك أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله، فاطلبوا الفضل من الله تعالى بالعمل لا بالحسد، والتمني كما قال عليه الصلاة والسلام "ليس الإيمان بالتمني". وقيل المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه، وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجبة للزيادة والنقص كالمكتسب له. " واسألوا الله من فضله " أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليكم. وقرأ ابن كثير و الكسائي " واسألوا الله من فضله " وسلهم فسل الذين وشبهه إذا كان أمراً موجهاً به، وقبل السين واو أو فاء بغير همزة و حمزة في الوقف على أصله والباقون بالهمز. " إن الله كان بكل شيء عليما " فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان. روي "أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث ليتنا كنا رجالاً فنزلت."
32. And covet not the thing in which Allah hath made some of you excel others. Unto men a fortune from that which they have earned, and unto women a fortune from that which they have earned. (Envy not one another) but ask Allah of His bounty. Lo! Allah is ever Knower of all things.
32 - And in no wise covet those things in which God hath bestowed his gifts more freely on some of you than on others: to men is allotted what they earn, and to women what they earn: but ask God of his bounty. for God hath full knowledge of all things.