32 - (فقال إني أحببت) أردت (حب الخير) أي الخيل (عن ذكر ربي) صلاة العصر (حتى توارت) الشمس (بالحجاب) أي استترت بما يحجبها عن الأبصار
وقوله "فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب" وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره : فلهي عن الصلاة حتى فاتته ، فقال : إني أحببت حب الخير. ويعني بقوله : "فقال إني أحببت حب الخير": أي أحببت حباً للخير، ثم أضيف الحب إلى الخير. وعني بالخير في هذا الموضع الخيل ، والعرب فيما بلغني تسمي الخيل الخير، والمال أيضاً يسمونه الخير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، "فقال إني أحببت حب الخير": أي المال والخيل ، أو الخير من المال.
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي "قال إني أحببت حب الخير" قال : الخيل.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط، عن السدي، في قوله "إني أحببت حب الخير" قال : المال.
وقوله "عن ذكر ربي" يقول : إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته .
وقيل : إن ذلك كان صلاة العصر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "عن ذكر ربي" عن صلاة العصر.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط، عن السدي "عن ذكر ربي" قال. صلاة العصر.
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال : ثنا أبو زرعة، قال : ثنا حيوة بن شريح ، قال : ثنا أبو صخر، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري يقول : سألت علي بن أبي طالب ، عن الصلاة الوسطى، فقال : هي العصر، وهي التي فتن بها سليمان بن داود.
وقوله "حتى توارت بالحجاب" يقول : حتى توارت الشمس بالحجاب ، يعني : تغيبت في مغيبها.
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : ثنا ميكائيل، عن داود بن أبي هند، قال : قال ابن مسعود، في قوله "إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب" قال : توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء، فخضرة السماء منها.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "حتى توارت بالحجاب" حتى دلكت براح . قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه ، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله.
حدثنا محمد بن الحسين، قال : ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي "حتى توارت بالحجاب" حتى غابت.
فقال : " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " يعني بالخير الخيل ، والعرب تسميها كذلك ، وتعاقب بين الراء واللام ، فتقول : إنهملت العين وانهمرت ، واختلت وخترت إذا خدعت . قال الفراء : الخير في كلام العرب والخيل واحد . النحاس : في الحديث " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " فكأنها سميت خيراً لهذا . وفي الحديث " لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : أنت زيد الخير " وهو زيد بن مهلهل الشاعر . وقيل : إنما سميت خيراً لما فيها من المنافع . وفي الخبر : إن الله تعالى عرض على آدم جميع الدواب ، وقيل له : اختر منها واحداً فاختار الفرس ، فقيل له : اخترت عزك ، فصار اسمه الخير من هذا الوجه وسمي خيلاً ، لأنها موسومة بالعز . وسمي فرساً لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثباناً ، ويقطعها كالالتهام بيده على كل شيء خبطاً وتناولاً . وسمي عربياً لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزءاً عن رفع قواعد البيت ، وإسماعيل عربي فصارت له نحلة من الله ، فسمي عربياً . و < حب > مفعول في قول الفراء . والمعني أني آثرت حب الخير . وغيره يقدره مصدراً أضيف إلى المفعول ، أي أحببت الخير حباً فألهاني عن ذكر ربي . وقيل : إن معنى < أحببت > قعدت وتأخرت من قولهم : أحب البعير إذا برك وتأخر . وأحب فلان أي طأطأ رأسه . قال أبو زيد : يقال : بعير محب ، وقد أحب إحباباً وهو أن يصيبه مرض أو كسر فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت . وقال ثعلب : يقال أيضاً للبعير الحسير محب ، فالمعنى قعدت عن ذكر ربي . و < حب > على هذا مفعول له . وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : أحببت بمعنى لزمت ، من قوله :
مثل بعير السوء إذا أحبا
" حتى توارت بالحجاب " يعني الشمس كناية عن غير مذكور ، مثل قوله تعالى : " ما ترك على ظهرها من دابة " [ فاطر : 45 ] أي على ظهر الأرض ، وتقول العرب : هاجت باردة أي هاجت الريح باردة . وقال الله تعالى : " فلولا إذا بلغت الحلقوم " [ الواقعة : 83 ] أي بلغت النفس الحلقوم . وقال تعالى : " إنها ترمي بشرر كالقصر " [ المرسلات : 32 ] ولم يتقدم للنار ذكر . وقال الزجاج : إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر ، وقد جرى ها هنا الدليل وهو قوله : " بالعشي " . والعشي ما بعد الزوال والتواري الإستتار عن الإبصار ، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق ، قاله قتادة و كعب . وقيل : هو جبل قاف . وقيل : جبل دون قاف . والحجاب الليل سمي حجاباً لأنه يستر ما فيه . وقيل : < حتى توارت > أي الخيل في المسابقة . وذلك أن سليمان كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل ، حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة ، لأن الشمس لم يجر لها ذكر . وذكر النحاس أن سليمان عليه السلام كان في صلاة ، فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غنمت فأشار بيده لأنه كان يصلي حتى توارت الخيل ، وسترتها جدر الإصطبلات .
يقول تعالى مخبراً أنه وهب لداود سليمان أي نبياً كما قال عز وجل: "وورث سليمان داود" أي في النبوة وإلا فقد كان له بنون غيره فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر. وقوله تعالى: "نعم العبد إنه أواب" ثناء على سليمان بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عز وجل. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا مكحول قال لما وهب الله تعالى لداود سليمان قال له يا بني ما أحسن ؟ قال سكينة الله والإيمان ؟ قال فما أقبح ؟ قال كفر بعد إيمان قال فما أحلى, قال روح الله بين عباده قال فما أبرد ؟ قال عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض قال داود عليه السلام فأنت نبي.
وقوله تعالى: "إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد" أي إذ عرض على سليمان عليه الصلاة والسلام في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات قال مجاهد وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة والجياد السراع وكذا قال غير واحد من السلف, وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي في قوله عز وجل: "إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد" قال كانت عشرين فرساً ذات أجنحة كذا رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا ابن أبي زائدة أخبرني إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي قال كانت الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس فعقرها وهذا أشبه, والله أعلم, وقال أبو داود حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب حدثنا عمارة بن غزية أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة رضي الله عنها لعب فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا عائشة ؟" قالت رضي الله عنها بناتي ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الذي أرى وسطهن ؟" قالت رضي الله عنها فرس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الذي عليه ؟" قالت رضي الله عنها جناحان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فرس له جناحان ؟" قالت رضي الله عنها أما سمعت أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت له خيل لها أجنحة قالت رضي الله عنها فضحك صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه. وقوله تبارك وتعالى: "فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب" ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه من ذلك عن جابر رضي الله عنه قال جاء عمر رضي الله عنه يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ويقول يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتها" فقال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ نبي الله صلى الله عليه وسلم للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال, والخيل تراد للقتال وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعاً فنسخ ذلك بصلاة الخوف, ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حيث لا تمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما والأول أقرب لأنه قال بعده "ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق" قال الحسن البصري: لا, قال: والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك, ثم أمر بها فعقرت وكذا قال قتادة, وقال السدي: ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حباً لها وهذا القول اختاره ابن جرير قال لأنه لم يكن ليعذب حيواناً بالعرقبة ويهلك مالاً من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضباً لله تعالى بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله عز وجل ما هو خير منها وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل, قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل وقال: "إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه".
32- "فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي" انتصاب حب الخير على أنه مفعول أحببت بعد تضمينه معنى آثرت. قال الفراء: يقول آثرت حب الخير، وكل من أحب شيئاً فقد آثره. وقيل انتصابه على المصدرية بحذف الزوائد والناصب له أحببت، وقيل هو مصدر تشبيهي: أي حباً مثل حب الخير، والأول أولى. والمراد بالخير هنا الخيل. قال الزجاج: الخير هنا الخيل. وقال الفراء: الخير والخيل في كالم العرب واحد. قال النحاس: وفي الحديث "الخيل معقود بنواصيها الخير" فكأنها سميت خيراً لهذا. وقيل إنها سميت خيراً لما فيها من المنافع. وعن في "عن ذكر ربي" بمعنى على. والمعنى: آثرت حب الخيل على ذكر ربي: يعني صلاة العصر "حتى توارت بالحجاب" يعني الشمس ولم يتقدم لها ولكن المقام يدل على ذلك. قال الزجاج: إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر، وقد جرى هنا الدليل وهو قوله بالعشي. والتواري: الاستتار عن الأبصار والحجاب: ما يحجبها عن الأبصار. قال قتادة وكعب: الحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق وهو قالف، وسمي الليل حجاباً لأنه يستر ما فيه، وقيل الضمير في قوله: "حتى توارت" للخيل: أي حتى توارت في المسابقة عن الأعين. والأول أولى.
32. " فقال إني أحببت حب الخير "، أي: آثرت حب الخير، وأراد بالخير الخيل، والعرب تعاقب بين الراء واللام، فتقول: ختلت الرجل وخترته، أي: خدعته، وسميت الخيل خيراً لأنه معقود بنواصيها الخير، الأجر والمغنم، قال مقاتل : حب الخير يعني: المال، فهي الخيل التي عرضت عليه. " عن ذكر ربي "، يعني: عن الصلاة وهي صلاة العصر. " حتى توارت بالحجاب ": أي: توارث الشمس بالحجاب: استترت بما يحجبها عن الأبصار، يقال: الحاجب جبل دون قاف، بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه.
32-" فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " أصل " أحببت " أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت عدي تعديته ، وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله :
مثل بعير السوء إذا أحبا
أي برك ، و" حب الخير " مفعول له والخير المال الكثير ، والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيراً لتعلق الخير بها . قال عليه الصلاة والسلام " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " . وقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو بفتح الياء . " حتى توارت بالحجاب " أي غربت الشمس ،شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها .
32. And he said: Lo! I have preferred the good things (of the world) to the remembrance of my Lord; till they were taken out of sight behind the curtain.
32 - And he said, Truly do I love the love of Good, with a view to the glory of my Lord, until (the sun) was hidden in the veil (of Night):