واضرب) اجعل (لهم) للكفار مع المؤمنين (مثلا رجلين) بدل وهو وما بعده تفسير للمثل (جعلنا لأحدهما) الكافر (جنتين) بستانين (من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) يقتات به
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، " مثلا" مثل " رجلين جعلنا لأحدهما جنتين " أي جعلنا له بساتين من كروم " وحففناهما بنخل " يقول : وأطفنا هذين البساتين بنخل . وقوله " وجعلنا بينهما زرعا " يقول : وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا.
قوله تعالى : " واضرب لهم مثلا رجلين " هذا مثل لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة المؤمنين ، وهو متصل بقوله " واصبر نفسك " واختلف في اسم هذين الرجلين وتعيينهما ، فقال الكلبي : نزلت في اخوين من أهل مكة مخزوميين ، أحدهما مؤمنوهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلا ل بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم . والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسود ، وهما الأخوان المذكوران في سورة ( الصافات ) في قوله " قال قائل منهم إني كان لي قرين " [ الصافات : 51] ورث كل واحد منهما أربعة آلاف دينار ، فأنفق أحدهما ماله في سبيل الله وطلب من أخيه شيئاً فقال ما قال، ذكره الثعلبي و القشيري . وقيل : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة . وقيل : هو مثل لجميع من آمتن بالله وجميع من كفر . وقيل : هو مثل لعيينة بن حسن وأصحابه مع سلميان وصهيب وأصحابه ، شبههم الله برجلين من تني إسارئيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا ، في قول ابن عباس . وقال مقاتل : اسمهتمليخا . والآخر كافر واسمه قرطوش ، وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات . وكذا ذكر محمد بن السحن المقرئ قال : اسم الخير منهما تمليخا ، والاخر قرشوش ، وانهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار ، فاشترى المؤمن منهما عبيداً بألف وأعنقهم ، وبالألف القانية ثياباً فكسا العارة ، وبالألف الثالثة طعاماً فأطعم الجوع . وبنى أيضاً مسجد ، وفعل خيراً . وأما الآخر فنكح بماله نساء ذوات يسار ، واشترى دواب وبقرأ فاستنتجها فنمت له نماء مفرطاً ، واتجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غني ، وأدركت الأول الحاجة ، فأراد أن يستخدم نفسه في جنة يخدمها فقال : لو ذهبت لشريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون أن يكون ذلك أصحل بي ، فجاءه فلم يكد يصل إليه من غلظ الحجاب ، فلما دخل عليه وعرفه وسأله حاجته قال له : ألم أكن قاسمتك المال نصفين ! فما صنعت بمالك ؟ قال : اشتريت به من الله تعالى ما هو خير منه وأبقى . فقال : أئنك لمن المصدقين ، ما أظن الشاعة قائمة ! وما أراك إلا سفيها ً ، وما جزاؤك عندي على سفاهتم إلا الحرمان أو ما ترى ما صنعت أنا بمالي حتى آل إلى ما تراه من الثروة وحسن الحال ، وذلك أني كسبت وسفهت أنت ، اخرج عني . ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره الله تعالى في القرآن من الإحاطة بثمره وذهابها أصلاً ما أرسل عليها من الساء من الحسبان . وقد ذكر الثعلبي هذه القصة بلفظ آخر ، والمعنى متقارب . قال عطاء : كانا شريكين لهما ثمانية آلاف دينار . وقيل : ورثاه من أبيهما وكانا أخوين فاقتسماها ، فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار ، فقال بصاحبه : اللهم إن فلاناً قد اشترى ارضا بألف دينار فقلا : اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار تصدق بها . ثم إن صاحبه بني داراً بألف دينار فقال : اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار وإني أشبري منك داراً في الجنة بألف دينار ، فتصدق بها ، ثم تزوج امرأة فأنفق عليها ألف دينار ، فقال اللهم إن فلاناً تزوج امرأة بألف دينار وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار . ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار ، وإني اشتري منك خدماً ومتاعاً من الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار . ثم أصابته حاجة شديدة فقال : لعل صاحبي ينالني معروفه فأتاه فقال : ما فعل ما لك ؟ فأخبره قصته فقال : وإنك لمن المصدقين بهذا الحديث ! والله لا أعطيك شيئاً ! ثم قال له : أنت تعبد إليه اسماء ، وأنا لا أعبد إلا صنماً ، فقال صاحبه : والله لأعظنه ، فوعظه وذكره وخوفه . فقال : سر بنا نصطد السمك ،فمن صا أكثر فهو على حق ، فقلا له : يا أخي إن الدنيا أحقر عند الله من أن يحعلها ثواباً لمحسن أو عقاباً لكافر . قال : فأكرهه على الخروج معه ، فابتلاهما الله ، فجعل الكافر يرمي شبكته ويسمي باسم صنمه ، فتطلع متدفقة سمكاً . وجعل المؤمن يرمي شبكته ويسمي باسم الله فلا يطلع له فيها شيء ، فقال له كيف ترى ! أنا أكثر منك في الدنيا نصيباً ومنزلة ونفراً ، كذلك أكون أفضل منك في الآخرة إأن كان ماتقول بزعمك حقا قال : فضج الملك الموكل بهما ، فأمر الله تعالى جبريل أن يأخذه فيذهب به إلى الجنان فيريه منازل المؤمن فيها ، فلما رأى ما أعد الله له قال : وعزتك لا يضره ما ناله من الدنيا بعد ما يكون مصيره إلى هذا وأراه منازل الكافر في جهنم فقال : وعزتك لاينفعه ما أصابه من الدنيا بعد أن يكون مصيره إلى هذا . ثم إن الله تعالى توفى المؤمن وأهلك الكافر بعذعاب من عنده ، فلما استقر المؤمن في الجنة ورأى ما أعد الله له أقبل هو وأصحابه ينساءلون ، فقال : " إني كان لي قرين " [ الصافات : 51] يقول أئنك لمن المصدقين الآية ، فنادى مناد : يأهل الجنة تهل أنتم مطلعون فاطلع إلى جهنم فرآه في سواء الجحيم ،فنزلت " واضرب لهم مثلا " بين الله تعالى حال الأخوين في الدنيا في هذه السورة ، وبين حالهما في الأتخرة في سورة ( الصافات) في قوله : " إني كان لي قرين * يقول أإنك لمن المصدقين " _ إلى قوله _ " لمثل هذا فليعمل العاملون "[ الصافات : 51_61] قال ابن عطية : وذكر إبراهيم بن القاسم الكابت في كتابه في عجائب البلاد أن تحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين ، وكانتا لأخوين فباع أحدهما نصيبه من الآخر فأنفق في طاعة الله حتى عيره الآخر ، ، وجرت بينهما المحاورة فغرقها الله تعالى في ليلة ، وإياها عني بهذه الآية . وقد قيل: إن هذا مثل ضربه الله تعالى لهذه الأمة ، وليس بخبر عن حال متقدمة ، لتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة ، وجله زجراً وإنذاراً ، ذكره الماوردي . وسياق الآية يدل على خالاف هذا والله أعلم . .
قوله تعالى :" وحففناهما بنخل " أي اطفناهما من جنوانبهما بنخل . والحفاف الجانب ، وجمعه أحفة ، ويقال : حف القوم بفلان يحفون حفاً ، أي طافوا به ، ومنه " حافين من حول العرش" [ الزمر : 75] " وجعلنا بينهما زرعا " أي جعلنا حول الأعناب النخل ، ووسط الأعناب الزرع " كلتا الجنتين " أي كل واحدة من الجنتين " آتت أكلها " تاما ، لذلك لم يقل آتتا . واختلف في لفظ ( كلتا وكلا ) هل هو مفرد أو مثنى ، فقال أهل البصرة : هو مفرد ، لأن كلا وكلتا في توكيد الاثنين نظير ( كل ) في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مثنى ، فإذا ولي اسما ظاهراً كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة ، تقول : رأيت كلا الرجلين وجاءني كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين ، فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب ، تقول : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، كما تقول عليهما . وقال الفراء : هو مثنى ، وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية . وكذلك كلتا للمؤنث ، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم بواحد ، ولو تكلم به لقيل : كل وكلت وكلان وكلتان . واحتج بقول الشاعر :
في كلت رجليها سلامى واحده كلتاهما مقرونة بزائده
أراد في إحدى رجليها فأفرد . وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة ، لأن لو كان مثنى لوجب أن تكون ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر ولأن معنى ( كلا ) مخالف لمعنى ( كل ) لأن ( كلا) للإحاطة و(كلا ) يدل على شيء مخصوص ، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة ، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة ، فثبت أنه اسم مفرد كمعى ، إلا أنه وضع ليدل على التثنية ، كما أن قولهم ( نحن ) اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما ، يدل على ذلك قول جرير :
كلا يومي امامة يوم صد وإن لم نأتها إلا لماما
فأخبر عن ( كلا ) بيوم مفرد ، كما أفرد الخبر بقلوه ( آتت ) ولوكان مثنى لقال آتتا، ويوما واختلف أيضاً في ألف ( كلتا ) ، فقال سيبويه : الف (كلتا) للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهي واو والأصل كلوا ، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث ، والألف ( في كلتا ) قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث ، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث . وقال أبو عمر الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل ، وتقديرها عنده ، فعتل ، ولو كان الأأمر على ما زعم لقالوا في النسبة إليها كلتوي ، فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاء في أخت إذا نسبت إليها قلت أخوي ، ذكره الجوهري . قال أبو جعفر النحاس : وأجاز النحويون في غير القرآن الحمل على المعنى ، وأن تقول : كلتا الجنتين أآتتا أكلهما ، لأن المعنى المختار كلتاهما آتتا . وأجاز الفراء : كلتا الجنتين آتى أكله ، قال : لأن المعنى كل الجنتين . وقال : وفي قراءة عبد الله ( كل الجنتين آتى أكله ) . والمعنى على هذا عند الفراء : كل شيء من الجنتين آ تى أكله . والأكل (بضم الهمزة ) ثمر النخل والشجر . وكل ما يؤكل فهو أكل ، ومنه قوله تعالى : " أكلها دائم " [ الرعد : 35] وقد تقدم " ولم تظلم منه شيئا " أي لم تنقص .
يقول تعالى بعد ذكره المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين, وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم, فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لأحدهما جنتين, أي بستانتين من أعناب, محفوفتين بالنخيل, المحدقة في جنباتهما وفي خلالهما الزورع, وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجودة, ولهذا قال: "كلتا الجنتين آتت أكلها" أي أخرجت ثمرها, "ولم تظلم منه شيئاً" أي ولم تنقص منه شيئاً, "وفجرنا خلالهما نهراً" أي والأنهار متفرقة فيهما ههنا وههنا, "وكان له ثمر" قيل: المراد به المال, روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة . وقيل: الثمار, وهو أظهر ههنا ويؤيده القراءة الأخرى "وكان له ثمر" بضم الثاء وتسكين الميم, فيكون جمع ثمرة كخشبة وخشب. وقرأ آخرون ثمر بفتح الثاء والميم, فقال أي صاحب هاتين الجنتين لصاحبه وهو يحاوره, أي يجادله, ويخاصمه يفتخر عليه ويترأس "أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" أي أكثر خدماً وحشماً وولداً, قال قتادة : تلك والله أمنية الفاجر, كثرة المال وعزة النفر.
وقوله: "ودخل جنته وهو ظالم لنفسه" أي بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكار المعاد "قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً" وذلك اغتراراً منه لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار, والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها, ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف, ذلك لقلة عقله, وضعف يقينه بالله, وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها, وكفره بالاخرة, ولهذا قال: "وما أظن الساعة قائمة" أي كائنة "ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً" أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي, ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا, كما قال في الاية الأخرى "ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى" وقال "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً" أي في الدار الاخرة تألى على الله عز وجل. وكان سبب نزولها في العاص بن وائل , كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله, وبه الثقة وعليه التكلان.
قوله: 32- "واضرب لهم مثلاً رجلين" هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله: "واصبر نفسك".
وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدران أو محققان؟ فقال بالأول بعض المفسرين. وقال بالآخر بعض آخر. واختلفوا في تعيينهما، فقيل هما أخوان من بني إسرائيل، وقيل هما أخوان مخزوميان من أهل مكة: أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقيل هما المذكوران في سورة الصافات في قوله: "قال قائل منهم إني كان لي قرين" وانتصاب مثلاً ورجلين على أنهما مفعولا أضرب، قيل والأول هو الثاني والثاني هو الأول "جعلنا لأحدهما جنتين" هو الكافر، و "من أعناب" بيان لما في الجنتين: أي من كروم متنوعة "وحففناهما بنخل" الحف الإحاطة، ومنه "حافين من حول العرش" ويقال حف القوم بفلان يحفون حفاً: أي أطافوا به، فمعنى الآية: وجعلنا النخل مطيفاً بالجنتين من جميع جوانبهما "وجعلنا بينهما زرعاً" أي بين الجنتين، وهو وسطهما، ليكون كل واحد منهما جامعاً للأقوات والفواكه.
32 - " واضرب لهم مثلاً رجلين " الآية ، قيل : نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم ، أحدهما مؤمن ، وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل [ وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن ياليل ] .
وقيل : هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان ،وأصحابه ،شبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس ، وقال مقاتل :يمليخا ، و الآخر كافر واسمه قطروس ، وقال وهب :قطفير ، وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات ، وكانت قصتهما ، على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكين لهما ثمانية آلاف دينار ، وقيل : كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى أرضاً بألف دينار ،فقال صاحبه : اللهم إن فلاناً قد اشترى أرضاً بألف دينار ، فإني أشتري منك أرضاً في الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ،ثم إن صاحبه بنى داراً بألف دينار ، فقال هذا: اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار ، فإني اشتري منك داراً في الجنة بألف دينار ،فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار ، فقال هذا المؤمن : اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدق بها ، ثم اشترى صاحبه خدماً ومتاعاً بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إني أشتري منك متاعاً وخدماً في الجنة بألف دينار ،فتصدق بألف دينار ،ثم أصابته حاجة شديدة ،فقال : لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف ، فجلس على طريقه حتى مر به في حشمه ، فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه ، فقال: فلان ؟ قال : نعم ، فقال : ما شأنك ؟ قال : أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير ، فقال : ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالاً واحداً ، وأخذت شطره ؟ فقص عليه قصته ،فقال :وإنك لمن المصدقين بهذا ؟ اذهب فلا أعطيك شيئاً ، فطرده فقضى لهما أن توفيا، فنزل فيهما : " فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين " الصافات - 50/51 ) .
وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال نفسه ، فنزل فيهما.
" واضرب لهم مثلاً رجلين " اذكر لهم خبر رجلين ، " جعلنا لأحدهما جنتين " ، بستانين ،" من أعناب وحففناهما بنخل " ، أي : أطفناهما من جوانبها بنخل، والحفاف : الجانب ،وجمعه أحفة ، يقال : حف به القوم ، أي : طافوا بجوانبه ،" وجعلنا بينهما زرعاً " ، أي : جعلنا حول الأعناب النخيل ، ووسط الأعناب الزرع .
وقيل( بينهما ) أي بين الجنتين زرعاً ، يعني : لم يكن بين الجنتين موضع خراب .
32."واضرب لهم مثلاً"للكافر والمؤمن."رجلين"حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه الخير ، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى .وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبدالله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم"جعلنا لأحدهما جنتين "بستانين."من أعناب"من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين."وحففناهما بنخل"وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزراً بها كرومهما، يقال حفه القوم إذا أطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك: غشيته به ."وجعلنا بينهما"وسطهما."زرعاً"ليكون كل منهما جامعةً للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق.
32. Coin for them a similitude: Two men, unto one of whom We had assigned two gardens of grapes, and We had surrounded both with date palms and had put between them tillage.
32 - Set forth to them the parable of two men: for one of them we provided two gardens of grape vines and surrounded them with date palms; in between the two we placed corn fields.