31 - (فلا صدق) الإنسان (ولا صلى) أي لم يصدق ولم يصل
يقول تعالى ذكره : فلم يصدق بكتاب الله ، ولم يصل له صلاة ، ولكنه كذب بكتاب الله ، وتولى فأدبر عن طاعة الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فلا صدق ولا صلى " لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله .
قوله تعالى:" فلا صدق ولا صلى" اي لم يصدق ابو جهل ولم يصل. وقيل : يرجع هذا الى الإنسان في اول السورة، وهو اسم جنس. والأول قول ابن عباس. اي لم يصدق بالرسالة(( ولا صلى)) ودعا لربه، وصلى على رسوله. وقال قتادة: فلا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله. وقيل : ولا صدق بمال له، ذخراً له عند الله، ولا صلى الصلوات التي امره الله بها. وقيل : فلا امن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي: ((لا)) بمعنى لم ولكنه يقرن بغيره، تقول العرب: لا عبد الله خارج ولا فلان، ولا تقول : مررت برجل لا محسن حتى يقال ولا مجمل، وقوله تعالى: " فلا اقتحم العقبة" [ البلد:11] ليس من هذا القبيل، لأن معناه افلا اقتحم، اي فهلا اقتحم ، فحذف الف الاستفهام. وقال الأخفش " فلا صدق " اي لم يصدق، كقوله : " فلا اقتحم" اي لم يقتحم، ولم يشترط ان يعقبه بشيء آخر، والعرب تقول : لا ذهب، اي لم يذهب، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل، ومنه قول زهير:
فلا هو أبداها ولم يتقدم
يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت فقال تعالى: "كلا إذا بلغت التراقي" إن جعلنا كلا رادعة فمعناها لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به بل صار ذلك عندك عياناً, وإن جعلناها بمعنى حقاً فظاهر, أي حقاً إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك, والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق, كقوله تعالى: " فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين " وهكذا قال ههنا: "كلا إذا بلغت التراقي" ويذكر ههنا حديث بشر بن حجاج الذي تقدم في سورة يس. والتراقي جمع ترقوة وهي قريبة من الحلقوم " وقيل من راق " قال عكرمة عن ابن عباس : أي من راق يرقى, وكذا قال أبو قلابة : "وقيل من راق" أي من طبيب شاف, وكذا قال قتادة والضحاك وابن زيد , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نصر بن علي , حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي , حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس "وقيل من راق" قيل من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة.
وبهذا الإسناد عن ابن عباس في قوله: "والتفت الساق بالساق" قال: التفت عليه الدنيا والاخرة, وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "والتفت الساق بالساق" يقول آخر يوم من أيام الدنيا أول يوم من أيام الاخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله. وقال عكرمة: "والتفت الساق بالساق" الأمر العظيم بالأمر العظيم, وقال مجاهد : بلاء ببلاء, وقال الحسن البصري في قوله تعالى: "والتفت الساق بالساق" هما ساقاك إذا التفتا, وفي رواية عنه ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليهما جوالاً, وكذا قال السدي عن أبي مالك , وفي رواية عن الحسن : هو لفهما في الكفن, وقال الضحاك : "والتفت الساق بالساق" اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقوله تعالى: "إلى ربك يومئذ المساق" أي المرجع والمآب وذلك أن الروح ترفع إلى السموات, فيقول الله عز وجل: ردوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى, كما ورد في حديث البراء الطويل. وقد قال الله تعالى: "وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين".
وقوله جل وعلا: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذباً للحق بقلبه متولياً عن العمل بقالبه, فلا خير فيه باطناً ولا ظاهراً, ولهذا قال تعالى: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أي جذلان أشراً بطراً كسلان لا همة له ولا عمل, كما قال تعالى: "وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين" وقال تعالى: " إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور " أي يرجع "بلى إن ربه كان به بصيراً" وقال الضحاك عن ابن عباس "ثم ذهب إلى أهله يتمطى" أي يختال: وقال قتادة وزيد بن أسلم : يتبختر. قال الله تعالى: "أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى" وهذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيه أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد, كقوله تعالى: "ذق إنك أنت العزيز الكريم" وكقوله تعالى: "كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون" وكقوله تعالى: "فاعبدوا ما شئتم من دونه" وكقوله جل جلاله: "اعملوا ما شئتم" إلى غير ذلك. وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت سعيد بن جبير قلت " أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى " قال: قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ثم نزل به القرآن.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا أبو النعمان , حدثنا أبو عوانة (ح) وحدثنا أبو داود , حدثنا محمد بن سليمان , حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس : " أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى " ؟ قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ثم أنزله الله عز وجل, قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي , حدثنا هشام بن خالد , حدثنا شعيب عن إسحاق , حدثنا سعيد عن قتادة قوله: " أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى " وعيد على أثر وعيد كما تسمعون, وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم بمجامع ثيابه ثم قال: "أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى" فقال عدو الله أبو جهل: أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها. وقوله تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" قال السدي : يعني لا يبعث. وقال مجاهد والشافعي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني لا يؤمر ولا ينهى, والظاهر أن الاية تعم الحالين أي ليس يترك في هذه الدنيا مهملاً لا يؤمر ولا ينهى, ولا يترك في قبره سدى لا يبعث بل هو مأمور منهي في الدنيا محشور إلى الله في الدار الاخرة, والمقصود هنا إثبات المعاد والرد على من أنكره من أهل الزيغ والجهل والعناد, ولهذا قال تعالى مستدلاً على الإعادة بالبداءة فقال تعالى: "ألم يك نطفة من مني يمنى" أي أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين. يمنى: يراق من الأصلاب في الأرحام.
"ثم كان علقة فخلق فسوى" أي فصار علقة ثم مضغة ثم شكل ونفخ فيه الروح فصار خلقاً سوياً سليم الأعضاء ذكراً أو أنثى بإذن الله وتقديره. ولهذا قال تعالى: "فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى" ثم قال تعالى: "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" أي أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه وتناول القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة وإما مساوية على القولين في قوله تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" والأول أشهر كما تقدم في سورة الروم بيانه وتقريره والله أعلم.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح , حدثنا شبابة عن شعبة , عن موسى بن أبي عائشة عن آخر أنه كان فوق سطح يقرأ ويرفع صوته بالقرآن, فإذا قرأ "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" قال: سبحانك اللهم فبلى, فسئل عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. وقال أبو داود رحمه الله حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" قال سبحانك فبلى, فسألوه عن ذلك فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, تفرد به أبو داود ولم يسم هذا الصحابي ولا يضر ذلك.
وقال أبو داود أيضاً: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري , حدثنا سفيان , حدثني إسماعيل بن أمية , سمعت أعرابياً يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها "أليس الله بأحكم الحاكمين" فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين, ومن قرأ "لا أقسم بيوم القيامة" فانتهى إلى قوله "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" فليقل بلى, ومن قرأ "والمرسلات" فبلغ "فبأي حديث بعده يؤمنون" فليقل آمنا بالله" ورواه أحمد عن سفيان بن عيينة ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر , عن سفيان بن عيينة به وقد رواه شعبة عن إسماعيل بن أمية قال: قلت له من حدثك ؟ قال: رجل صدق عن أبي هريرة . وقال ابن جرير : حدثنا بشر , حدثنا يزيد , حدثنا سعيد عن قتادة قوله تعالى: "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال "سبحانك وبلى" ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا أبو أحمد الزبيري , حدثنا سفيان عن أبي إسحاق , عن مسلم البطين , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس , أنه مر بهذه الاية " أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " قال: سبحانك فبلى. آخر تفسير سورة القيامة و لله الحمد والمنة.
31- "فلا صدق ولا صلى" أي لم يصدق بالرسالة ولا بالقرآن، ولا صلى لربه، والضمير يرجع إلى الإنسان المذكور في أول هذه السورة. قال قتادة: فلا صدق بكتاب الله ولا صلى لله، وقيل فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي لا بمعنى لم، وكذا قال الأخفش: والعرب تقول: لا ذهب أي لم يذهب، وهذا مستفيض في كلام العرب، ومنه:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك إلا ألما
31- "فلا صدق ولا صلى"، يعني: أبا جهل، لم يصدق بالقرآن ولا صلى لله.
31-" فلا صدق " ما يجب تصديقه ، أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة . " ولا صلى " ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في " أيحسب الإنسان " .
31. For he neither trusted, nor prayed
31 - So he gave nothing in charity, nor did he pray!