31 - (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت حتى واراه (ليريه كيف يواري) يستر (سوأة) جيفة (أخيه قال يا ويلتى أعجزت) عن (أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) على حمله وحفر له وواراه
قال أبو جعفر: وهذا أيضاً أحد الأدلة على أن القول في أمر ابني آدم بخلاف ما رواه عمرو، عن الحسن ، لأن الرجلين اللذين وصف الله صفتهما في هذه الآية، لوكانا من بني إسرائيل ، لم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه ، ولكنهما كانا من ولد آدم لصلبه ، ولم يكن القاتل منهما أخاه علم سنة الله في عباده الموتى، ولم يدر ما يصنع بأخيه المقتول. فذكر أنه كان يحمله على عاتقه حيناً حتى أراحت جيفته، فأحب الله تعريفه السنة في موتى خلقه، فقيض له الغرابين اللذين وصف صفتهما في كتابه.
ذكر الأخبار عن أهل التأويل بالذي كان من فعل القاتل من ابني آدم بأخيه المقتول ، بعد قتله إياه.
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا يحص بن أبي روق الهمداني ، عن أبيه ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة، حتى بعث الله جل وعز الغرابين ، فرآهما يبحثان ، فقال : "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"؟ فدفن أخاه.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبى، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه "، بعث الله جل وعز غراباً حياً، إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوءة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه : "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، الآية.
حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لما مات الغلام تركه بالعراء، ولا يعلم كيف يدفن. فبعث الله جل وعز غرابين أخوين ، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ثم حثا عليه. فلما رآه قال : " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي "، فهو قول الله: " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه ".
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يبحث"، قال بعث الله غراباً حتى حفر لآخر إلى جنبه ميت - وابن آدم القاتل ينظر إليه - ثم بحث عليه حتى غيبه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "غرابا يبحث في الأرض"، حتى حفر لآخر ميت إلى جنبه ، فغيبه ، وابن آدم القاتل ينظر إليه ، حيث يبحث عليه حتى غيبه ، فقال : "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، الآية.
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور، عن مجاهد قوله : "فبعث الله غرابا يبحث في الأرض"، قال : بعث الله غراباً إلى غراب ، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه ، فجعل يحثي عليه التراب ، فقال: يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين؟.
حدثني المثنى قال ، حدثني عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس : "فبعث الله غرابا يبحث في الأرض"، قال : جاء غراب إلى غراب ميت فحثى عليه من التراب حتى واراه ، فقال الذي قتل أخاه : "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : لما قتله ندم ، فضمه إليه حتى أروح، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه"، أنه بعثه الله عز ذكره يبحث في الأرض.
ذكر لنا أنهما غرابان اقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه ، وذلك -يعني ابن آدم ينظر-وجعل الحيي يحثي على الميت التراب ، فعند ذلك قال ما قال: "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، الآية، إلى قوله : "من النادمين".
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قال : أما قوله : "فبعث الله غرابا"، قال : قتل غراب غراباً، فجعل يحثو عليه ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه : " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين ".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه "، قال : وارى الغراب الغراب. قال : كان يحمله على عاتقه مئة سنة لا يدري ما يصنع به ، يحمله ويضعه إلى الأرض ، حتى رأى الغراب يدفن الغراب ، فقال : " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمي ".
حدثني المثنى قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا خالد، عن حصين ، عن أبي مالك في قول الله: "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، قال : بعث الله عز وجل غراباً، فجعل يبحث على غراب ميت التراب. قال : فقال عند ذلك : " أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين ".
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "فبعث الله غرابا يبحث في الأرض"، بعث الله غراباً حياً إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه: "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"، الآية.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، فيما يذكر عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول ، قال : لما قتله سقط في يديه ولم يدر كيف يواريه. وذلك أنه كان ، فيما يزعمون ، أول قتيل من بني آدم وأول ميت ، قال : " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " الآية، إلى قوله : "ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون"، قال : ويزعم أهل التوراة أن قابيل حين قتل أخاه هابيل قال له جل ثناؤه : يا قابيل ، أين أخوك هابيل ؟ قال : ما أدري ، ما كنت عليه رقيباً! فقال الله جل وعز له : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض ، الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك من يدك. فإذا أنت عملت في الأرض ، فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعاً تائهاً في الأرض. قال قابيل : عظمت خطيئتي من أن تغفرها! قد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض ، وأتوارى من قدامك ، وأكون فزعاً تائهاً في الأرض ، وكل من لقيني قتلني ! فقال الله جل وعز: ليس ذلك كذلك ، ولا يكون كل من قتل قتيلا يجزى بواحد سبعة، ولكن من قتل قابيل يجزى سبعة، وجعل الله في قابيل آية لئلا يقتله كل من وجده ، وخرج قابيل من قدام الله عز وجل من شرقي عدن الجنة.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا الأعمش ، عن خثيمة قال : لما قتل ابن آدم أخاه نشفت الأرض دمه ، فلعنت فلم تنشف الأرض دماً بعد.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام : فأثار الله للقاتل ، إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول ، "غرابا يبحث في الأرض"، يقول : يحفر في الأرض فيثير ترابها، " يريه كيف يواري سوآة أخيه "، يقول : ليريه كيف يواري جيفة أخيه.
وقد يحتمل أن يكون عني بـالسوأة، الفرج ، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة، بذلك جاء تأويل أهل التأويل.
قال أبو جعفر: وفي ذلك محذوف ترك ذكره ، استغناة بدلالة ما ذكر منه ، وهو: فأراه بأن بحث في الأرض لغراب آخر ميت فواراه فيها، فقال القاتل أخاه حينئذ : يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب، الذي وارى الغراب الأخر الميت ، " فأواري سوآة أخي "، فواراه حينئذ، "فأصبح من النادمين"، على ما فرط منه ، من معصية الله عز ذكره في قتله أخاه.
وكل ما ذكر الله عز وجل في هذه الآيات ، مثل ضربه الله عز ذكره لبني آدم ، وحرض به المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على استعمال العفو والصفح عن اليهود -الذين كانوا هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقتلهم -من بني النضير، إذ أتوهم يستعينونهم في دية قتيلي عمرو بن أمية الضمري ، وعرفهم جل وعز رداءة سجية أوائلهم ، وسوء استقامتهم على منهج الحق ، مع كثرة أياديه وآلائه عندهم . وضرب مثلهم في غدرهم ، ومثل المؤمنين في الوفاء لهم والعفو عنهم ، بابني آدم المقربين قرابينهما، اللذين ذكرهما الله في هذه الآيات. ثم ذلك مثل لهم على التأسي بالفاضل منهما دون الطالح. وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال ، قلت لبكر بن عبد الله، أما بلغك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جل وعز ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا خيرهما، ودعوا شرهما؟ قال : بلى.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني آدم ضربا مثلاً لهذه الأمة، فخذوا بالخير منهما.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن الحسن قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا من خيرهم ودعوا الشر.
فيه خمس مسائل :
الأولى - قوله تعالى :" فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " قال مجاهد: بعث الله غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل وقيل: إن الغراب بحث الأرض على طعمه ليخفيه إلى وقت الحاجة إليه لأنه من عادة الغراب فعل ذلك فتنبه قابيل بذلك على مواراة أخيه وروي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في جراب ومشى به يحمله في عنقه مائة سنة، قاله مجاهد وروى ابن القاسم عن مالك أنه حمله سنة واحدة وقاله ابن عباس وقيل: حتى أروح ولا يدري ما يصنع به إلى أن اقتدى بالغراب كما تقد وفي الخبر "عن أنس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
امتن الله على ابن آدم بثلاث بالريح بعد الروح فلولا أن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميماً وبالدود في الجثة فلولا أن الدود يقع في الجثة لاكتنزتها الملوك وكنت خيراً لهم من الدراهم والدنانير بالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر له " وقال قوم: كان قابيل يعلم الدفن ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافاً به فبعث الله غرباً يبحث التراب على هابيل ليدفنه فقال عند ذلك :" يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين " حيث رأى إكرام الله هابيل بأن قبض له الغراب حتى واره ولم يكن ذلك ندم توبة وقيل : إنما ندمه كان على فقده لا على قتله وإن كان فلم يكن موفياً شروطه أو ندم ولم يستمر ندمه فقال ابن عباس: ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه ويقال : إن آدم وحواء أتيا قبره وبكيا أياماً عليه ثم إن قابيل كان على ذروه حبل فنطحه ثور فوقع إلى السفح وقد تفرقت عروقة، ويقال: دعا عليه آدم فانخسفت به الأرض ويقال إن قابيل استوحش بعد قتل هابيل ولزم البرية وكان لا يقدر على ما يأكله إلا من الوحش فكان إذا ظفر به وقذه حتى يموت ثم يأكله قال ابن عباس: فكانت الموقوذة حراماً من لدن قابيل بن آدم وهو أول من يساق من الآدميين إلى النار وذلك قوله تعالى : " ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس " [فصلت: 29] الآية فإبليس رأس الكافرين من الجن وقابيل رأس الخطيئة من الإنس على ما يأتي بينه في حم فصلت إن شاء الله تعالى وقد قيل: إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة والله بكل ذلك أعلم وأحكم وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم ولذلك جهلت سنة المواراة وكذلك حكى الطبري عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في كتب الأوائل وقوله يبحث معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره ومن هذا سميت سورة براءة البحوث لأنه فتشت عن المنافقين ومن ذلك قول الشاعر
إن الناس غطوني تغيطت عنهم وإن بحثوني كان فيهم مباحث
وفي المثل لا تكن كالباحث على الشفرة قال الشاعر:
فكانت كعنز السوء قامت برجلها إلى مدية مدفونة تستثيرها
الثانية -بعث الله الغراب حكه ليري ابن آدم كيفية لمواراة وهو معنى قوله تعالى :" ثم أماته فأقبره " [عبس: 21]فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق فرضا على جميع الناس على الكفاية من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين وأخص الناس به الأقربون الذين يلونه ثم الجيرة ثم سائر المسلمين وأما الكفار فقد "روى أبو داود.
قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ قد مات قال : اذهب فوار أباك التراب ثم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي ".
الثالثة- ويستحب في القبر سعته وإحسانه لما روى ابن ماجة عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
احفروا وأوسعوا وأحسنوا " "روى عن الأدرع السلمي قال :
جئت ليلة أحرس النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رجل قراءته عالية فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا مراء، قال : فمات بالمدينة ففرغوا من جهازه فحملة نعشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارفقوا به رفق الله به إنه كان يحب الله ورسوله قال : وحضر حفرته فقال: أوسعوا له وسع الله عليه فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنت عليه ؟ فقال :أجل إنه كان يحب الله ورسوله " أخرجه بن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن أبي سعد قال أبو عمر بن عبد البر: أدرع السملي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً وروى عنه سعيد بن أبي سعيد المقبري وأما هشام بن عارم بن أمية بن الحسحاس بن عارم بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري كان يسمى في الجاهلية شهباً فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فسماه هشاماً واستشهد أبوه عامر يوم أحد سكن هشام البصرة ومات بها ذكر هذا في كتاب الصحابة
الرابعة - ثم قيل، اللحد أفضل من الشق فإنه الذي اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم :
لما توفى كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد فقالوا: أيهما جاء أو عمل عمله فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره مالك في الموطأ عن هشام بن عمر عن أبيه وأخرجه ابن ماجة عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما والرجلان هما أبو طلحة وأبو عبيدة وكان أبو طلحة يلحد وأبو عبيدة يشق واللحد هو أن يحفر في جانب القبر إن كانت تربة صلبة، يوضع فيه الميت ثم يوضع عليه اللبن ثم يهال التراب قال سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي هلك فيه :
ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم وروى ابن ماجة وغيره عن ابن عباس قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
اللحد لنا والشق لغيرنا" .
روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال : حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال :
بسم الله وفي سبيل الله وعلى مله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال : اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعد روحها ولقها منك رضواناً قلت يا ابن عمر أشي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك قال: إني إذا لقادر على القول بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثاً" فهذا ما تعلق في معنى الآية من الأحكام والأصل في يا ويلتى يا ويلتي ثم أبد من الياء ألف وقرأ الحسن على الأصل بالياء والأول أفصح، لأن حذف الياء في النداء أكثر وهي كلمة تدعو بها العرب عند الهلاك قال سيبويه وقال الأصمعي: ويل بعد وقرأ الحسن أعجزت بكسر الجيم قال النحاس: وهي لغة شاذة إنما يقال عجزت المرأة إذا عظمت عجيزتها وعجزت عن الشيء عجزاً ومعجزة ومعجزة والله أعلم
يقول تعالى مبيناً وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور, وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله, بغياً عليه وحسداً له, فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل, ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة, وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين, فقال تعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق", أي اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم, وهما هابيل وقابيل, فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف .
وقوله "بالحق" أي على الجلية والأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب, ولا وهم ولا تبديل, ولا زيادة ولا نقصان, كقوله تعالى: "إن هذا لهو القصص الحق". وقوله تعالى: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " وقال "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق", وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف, أن الله تعالى: شرع لادم عليه السلام, أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال, ولكن قالوا: كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى, فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر, وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة, فأراد أن يستأثر بها على أخيه, فأبى آدم ذلك, إلا أن يقربا قرباناً, فمن تقبل منه فهي له, فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل, فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه .
ذكر أقوال المفسرين ههنا
قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك, وعن أبي صالح عن ابن عباس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية, فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر, ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر, حتى ولد له ابنان يقال لهما: هابيل وقابيل وكان قابيل صاحب زرع, وكان هابيل صاحب ضرع, وكان قابيل أكبرهما, وكان له أخت أحسن من أخت هابيل, وأن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل, فأبى عليه, وقال هي أختي ولدت معي, وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوج بها, فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى, وأنهما قربا قرباناً إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية, وكان آدم عليه السلام قد غاب عنهما, أتى مكة ينظر إليها, قال الله عز وجل: هل تعلم أن لي بيتاً في الأرض ؟ قال: اللهم لا . قال: إن لي بيتاً في مكة, فأته, فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت, وقال للأرض فأبت, وقال للجبال فأبت, فقال لقابيل, فقال: نعم, تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك, فلما انطلق آدم قربا قرباناً, وكان قابيل يفخر عليه, فقال: أنا أحق بها منك هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي, فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة, ففركها وأكلها فنزلت النار, فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل, فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي, فقال هابيل إنما يتقبل الله من المتقين, رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن خيثم قال: أقبلت مع سعيد بن جبير, فحدثني عن ابن عباس, قال: نهي أن تنكح المرأة أخاها توأمها وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها, وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة, فبينما هم كذلك إذ ولد له امرأة وضيئة وولد له أخرى قبيحة دميمة, فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي, فقال لا , أنا أحق بأختي, فقربا قرباناً فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع, فقتله, إسناد جيد, وحدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة, حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خيثم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس وقوله "إذ قربا قرباناً" فقربا قربانهما, فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض, وصاحب الحرث بصبرة من طعامه, فقبل الله الكبش فخزنه في الجنة أربعين خريفاً, وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام, إسناد جيد,
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو, قال: إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر, كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم, وإنهما أمرا أن يقربا قرباناً, وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه, وإن صاحب الحرث قرب أشر حرثه الكودن والزوان, غير طيبة بها نفسه, وإن الله عز وجل, تقبل قربان صاحب الغنم , ولم يتقبل قربان صاحب الحرث, وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه, قال: وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه, وقال إسماعيل بن رافع المدني القاص: بلغني أن ابني آدم لما أمرا بالقربان, كان أحدهما صاحب غنم وكان أنتج له حمل في غنمه, فأحبه حتى كان يؤثره بالليل, وكان يحمله على ظهره من حبه, حتى لم يكن له مال أحب إليه منه, فلما أمر بالقربان قربه لله عز وجل فقبله الله منه, فما زال يرتع في الجنة حتى فدي به ابن إبراهيم عليه السلام, رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الأنصاري, حدثنا القاسم بن عبد الرحمن, حدثنا محمد بن علي بن الحسين, قال: قال آدم عليه السلام لهابيل وقابيل: إن ربي عهد إلي أنه كائن من ذريتي من يقرب القربان, فقربا قرباناً حتى تقر عيني, إذا تقبل قربانكما فقربا وكان هابيل صاحب غنم فقرب أكولة غنم خير ماله, وكان قابيل صاحب زرع, فقرب مشاقة من زرعه, فانطلق آدم معهما, ومعهما قربانهما, فصعدا الجبل, فوضعا قربانهما ثم جلسوا ثلاثتهم آدم وهما ينظران إلى القربان, فبعث الله ناراً حتى إذا كانت فوقهما دنا منها عنق, فاحتمل قربان هابيل, وترك قربان قابيل, فانصرفوا, وعلم آدم أن قابيل مسخوط عليه, فقال: ويلك يا قابيل رد عليك قربانك, فقال قابيل أحببته فصليت على قربانه ودعوت له فتقبل قربانه ورد علي قرباني, فقال قابيل لهابيل لأقتلنك وأستريح منك, دعا لك أبوك فصلى على قربانك فتقبل منك, وكان يتوعده بالقتل إلى أن احتبس هابيل ذات عشية في غنمه, فقال آدم: يا قابيل, أين أخوك ؟ قال: وبعثتني له راعيا لا أدري, فقال آدم: ويلك يا قابيل, انطلق فاطلب أخاك, فقال قابيل في نفسه: الليلة أقتله, وأخذ معه حديدة فاستقبله وهو منقلب, فقال: يا هابيل تقبل قربانك ورد علي قرباني لأقتلنك, فقال هابيل: قربت أطيب مالي, وقربت أنت أخبث مالك وإن الله لا يقبل إلا الطيب إنما يتقبل الله من المتقين, فلما قالها غضب قابيل, فرفع الحديدة وضربه بها, فقال: ويلك يا قابيل, أين أنت من الله كيف يجزيك بعملك ؟ فقتله, فطرحه في حوبة من الأرض, وحثى عليه شيئاً من التراب .
وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: أن آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته توأمة هابيل, وأمر هابيل أن ينكح توأمة قابيل, فسلم لذلك هابيل ورضي, وأبى ذلك قابيل وكره تكرماً عن أخت هابيل, ورغب بأخته عن هابيل وقال: نحن من ولادة الجنة, وهما من ولادة الأرض, وأنا أحق بأختي, ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول: كانت أخت قابيل من أحسن الناس, فضن بها على أخيه وأرادها لنفسه والله أعلم أي ذلك كان فقال له أبوه: يا بني إنها لا تحل لك فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه, قال له أبوه: يا بني قرب قرباناً ويقرب أخوك هابيل قرباناً فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بها, وكان قابيل على بذر الأرض, وكان هابيل على رعاية الماشية, فقرب قابيل قمحاً وقرب هابيل أبكاراً من أبكار غنمه, وبعضهم يقول: قرب بقرة, فأرسل الله ناراً بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل, وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله, رواه ابن جرير .
وروى العوفي عن ابن عباس قال: من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان, إذ قالا لو قربنا قرباناً, وكان الرجل إذا قرب قرباناً فرضيه الله أرسل إليه ناراً فتأكله, وإن لم يكن رضيه الله خبت النار, فقربا قرباناً, وكان أحدهما راعياً وكان الآخر حراثاً, وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها, وقرب الآخر بعض زرعه, فجاءت النار فنزلت بينهما فأكلت الشاة وتركت الزرع, وإن ابن آدم قال لأخيه أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك ورد علي, فلا والله لا ينظر الناس إلي وأنت خير مني فقال: لأقتلنك, فقال له أخوه: ما ذنبي ؟ إنما يتقبل الله من المتقين. رواه ابن جرير فهذا الأثر يقتضي أن تقريب القربان كان لا عن سبب ولا عن تدارؤ في امرأة كما تقدم عن جماعة ممن تقدم ذكرهم وهو ظاهر القرآن "إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين" فالسياق يقتضي أنه إنما غضب عليه وحسده بقبول قربانه دونه, ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قرب الشاة هو هابيل وأن الذي قرب الطعام هو قابيل وأنه تقبل من هابيل شاته, حتى قال ابن عباس وغيره إنها الكبش الذي فدي به الذبيح وهو مناسب, والله أعلم, ولم يتقبل من قابيل, كذلك نص عليه غير واحد من السلف والخلف وهو المشهور عن مجاهد أيضاً, ولكن روى ابن جرير عنه أنه قال الذي قرب الزرع قابيل وهو المتقبل منه, وهذا خلاف المشهور ولعله لم يحفظ عنه جيداً, والله أعلم .
ومعنى قوله "إنما يتقبل الله من المتقين" أي ممن اتقى الله في فعله ذلك, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم بن العلاء بن زيد, حدثنا إسماعيل بن عياش, حدثني صفوان بن عمرو عن تميم يعني ابن مالك المقري, قال: سمعت أبا الدرداء يقول: لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها إن الله يقول "إنما يتقبل الله من المتقين". وحدثنا أبي, حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم, عن ميمون بن أبي حمزة, قال: كنت جالساً عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيف ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل ؟ قال: بلى سمعته يقول: يحبس الناس في بقيع واحد فينادي مناد: أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت: من المتقون ؟ قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا العبادة فيمرون إلى الجنة .
وقوله " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " يقول له أخوه الرجل الصالح الذي تقبل الله قربانه لتقواه, حين توعده أخوه بالقتل على غير ما ذنب منه إليه " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك " أي لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة "إني أخاف الله رب العالمين" أي من أن أصنع كما تريد أن تصنع بل أصبر وأحتسب, قال عبد الله بن عمرو: وايم الله إن كان لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج يعني الورع, ولهذا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا ليث بن سعد عن عياش بن عباس, عن بكير بن عبد الله, عن بشر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم, والقائم خير من الماشي, والماشي خير من الساعي" قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني فقال "كن كابن آدم" وكذا رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد وقال: هذا حديث حسن, وفي الباب عن أبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى وخرشة ورواه بعضهم عن الليث بن سعد وزاد في الإسناد رجلاً, قال الحافظ ابن عساكر: الرجل هو حسين الأشجعي, قلت: وقد رواه أبو داود من طريقه فقال: حدثنا يزيد بن خالد الرملي, حدثنا الفضل عن عياش بن عباس, عن بكير عن بشر بن سعيد, عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: فقلت: يارسول الله أرأيت إن دخل بيتي وبسط يده ليقتلني ؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كن كابن آدم" وتلا " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ".
قال أيوب السختياني: إن أول من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " لعثمان بن عفان رضي الله عنه, رواه ابن أبي حاتم. وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن حزم, حدثني أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت, عن أبي ذر, قال: ركب النبي صلى الله عليه وسلم حماراً أردفني خلفه وقال "يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع ؟" قال: قال الله ورسوله أعلم, قال "تعفف" قال "يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر كيف تصنع ؟" قلت: الله ورسوله أعلم, قال: "اصبر" قال "يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً, يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع ؟" قال: الله ورسوله أعلم, قال "اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك" قال: فإن لم أترك, قال "فأت من أنت منهم فكن منهم" قال: فآخذ سلاحي, قال "فإذاً تشاركهم فيما هم فيه ولكن إذا خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك", ورواه مسلم وأهل السنن سوى النسائي, من طرق عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت به, ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق حماد بن زيد عن أبي عمران, عن المشعث بن طريف, عن عبد الله بن الصامت, عن أبي ذر بنحوه, قال أبو داود: ولم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد, وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا قبيصة بن عقبة, حدثنا سفيان عن منصور, عن ربعي, قال: كنا في جنازة حذيفة فسمعت رجلاً يقول: سمعت هذا يقول في ناس, مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم "لئن اقتتلتم لأنظرن إلى أقصى بيت في داري فلألجنه فلئن دخل علي فلان لأقولن ها, بؤ بإثمي وإثمك فأكون كخير ابني آدم" .
وقوله " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي في قوله " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " أي بإثم قتلي وإثمك الذي عليك قبل ذلك, قاله ابن جرير. وقال آخرون: يعني بذلك إني أريد أن تبوء بخطيئتي فتتحمل وزرها وإثمك في قتلك إياي, وهذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطاً لأن الصحيح من الرواية عنه خلافه, يعني ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد " إني أريد أن تبوء بإثمي " قال: بقتلك إياي "وإثمك" قال: بما كان منك قبل ذلك, وكذا رواه عيسى بن أبي نجيح, عن مجاهد بمثله, وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " يقول إني أريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي فتبوء بهما جميعاً .
(قلت) وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول, ويذكرون في ذلك حديثاً لا أصل له "ما ترك القاتل على المقتول من ذنب" وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثاً يشبه هذا ولكن ليس به فقال: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني, حدثنا يعقوب بن عبد الله, حدثنا عتبة بن سعيد عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه" وهذا بهذا لا يصح, ولو صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه فأما أن تحمل على القاتل فلا, ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص وهو الغالب, فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات, فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته فإن نفدت ولم يستوف حقه, أخذ من سيئات المقتول, فطرحت على القاتل, فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل, وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلها, والقتل من أعظمها وأشدها والله أعلم .
وأما ابن جرير فقال والصواب من القول في ذلك أن يقال إن تأويله إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله " إني أريد أن تبوء بإثمي " وأما معنى "وإثمك" فهو إثمه يعني قتله وذلك معصية الله عز وجل في أعمال سواه وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع أهل التأويل عليه وأن الله عز وجل أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذاً بها القاتل, وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله, هذا لفظه, ثم أورد على هذا سؤالاً حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله وإثم نفسه مع أن قتله له محرم, وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله, بل يكف عنه يده طالباً إن وقع قتل أن يكون من أخيه لا منه, قلت: وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ, وزجراً له لو انزجر, ولهذا قال " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " أي تتحمل إثمي وإثمك "فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين" وقال ابن عباس: خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر .
وقوله تعالى: "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين" أي فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله, أي بعد هذه الموعظة وهذا الزجر, وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين أنه قتله بحديدة في يده, وقال السدي, عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس, وعن مرة بن عبد الله, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فطوعت له نفسه قتل أخيه, فطلبه ليقتله, فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال, فأتاه يوماً من الأيام وهو يرعى غنماً له وهو نائم, فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء, رواه ابن جرير. وعن بعض أهل الكتاب أنه قتله خنقاً وعضاً كما تقتل السباع. وقال ابن جرير: لما أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه, فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر, ثم أخذ حجراً آخر فضرب به رأسها حتى قتلها وابن آدم ينظر, ففعل بأخيه مثل ذلك, رواه ابن أبي حاتم, وقال عبد الله بن وهب, عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه, قال: أخذ برأسه ليقتله فاضطجع له وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله, فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله ؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه, قال: فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه, ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعاً فقال: يا حواء إن قابيل قتل هابيل, فقالت له: ويحك وأي شيء يكون القتل ؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك, قالت: ذلك الموت. قال: فهو الموت, فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح, فقال: مالك ؟ فلم تكلمه, فرجع إليها مرتين فلم تكلمه الله, فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك, وأنا وبني منها برآء, رواه ابن أبي حاتم .
وقوله "فأصبح من الخاسرين" أي في الدنيا والآخرة, وأي خسارة أعظم من هذه ؟ وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها, لأنه كان أول من سن القتل" وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرق عن الأعمش به, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قال مجاهد: علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ ووجهه في الشمس حيثما دارت دار, عليه في الصيف حظيرة من نار, وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج. قال: وقال عبد الله بن عمرو: إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق, عن حكيم بن حكيم أنه حدث عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول: إن أشقى الناس رجلاً لابن آدم الذي قتل أخاه, ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شر, وذلك أنه أول من سن القتل, وقال إبراهيم النخعي: ما من مقتول يقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه, ورواه ابن جرير أيضاً .
وقوله تعالى: " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين " قال السدي بإسناده المتقدم إلى الصحابة رضي الله عنهم: لما مات الغلام تركه بالعراء, ولا يعلم كيف يدفن, فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا, فقتل أحدهما صاحبه, فحفر له ثم حثى عليه, فلما رآه قال " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: جاء غراب إلى غراب ميت, فحثى عليه من التراب حتى واراه, فقال الذي قتل أخاه " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي ". وقال الضحاك, عن ابن عباس: مكث يحمل أخاه في جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين, فرآهما يبحثان, فقال "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب" فدفن أخاه, وقال ليث بن أبي سليم, عن مجاهد: كان يحمله على عاتقه مائة سنة ميتاً لا يدري ما يصنع به, يحمله ويضعه إلى الأرض حتى رأى الغراب يدفن الغراب, فقال " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين " رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال عطية العوفي: لما قتله ندم فضمه إليه حتى أروح, وعكفت عليه الطيور والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله, رواه ابن جرير .
وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: لما قتله سقط في يده, أي ولم يدر كيف يواريه, وذلك أنه كان فيما يزعمون أول قتيل في بني آدم, وأول ميت " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين ". قال: وزعم أهل التوراة أن قابيل لما قتل أخاه هابيل, قال له الله عز وجل: يا قابيل أين أخوك هابيل ؟ قال: ما أدري ما كنت عليه رقيباً, فقال الله: إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض الآن, أنت ملعون في الأرض التي فتحت فاها فتلقت دم أخيك من يدك, فإن أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعاً تائهاً في الأرض .
وقوله "فأصبح من النادمين" قال الحسن البصري: علاه الله بندامة بعد خسران, فهذه أقوال المفسرين في هذه القصة, وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه, كما هو ظاهر القرآن, وكما نطق به الحديث في قوله "إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل" وهذا ظاهر جلي, ولكن قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو, عن الحسن هو البصري, قال: كان الرجلان اللذان في القرآن اللذان قال الله: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق" من بني إسرائيل, ولم يكونا ابني آدم لصلبه, وإنما كان القربان من بني إسرائيل, وكان آدم أول من مات, وهذا غريب جداً, وفي إسناده نظر, وقد قال عبد الرزاق, عن معمر عن الحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلاً, فخذوا بالخير منهما" ورواه ابن المبارك, عن عاصم الأحول, عن الحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلاً, فخذوا من خيرهم ودعوا شرهم", وكذا أرسل هذا الحديث بكير بن عبد الله المزني, روى ذلك كله ابن جرير. وقال سالم بن أبي الجعد: لما قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مائة سنة حزيناً لا يضحك, ثم أتى فقيل له: حياك الله وبياك, أي أضحكك, رواه ابن جرير, ثم قال: حدثنا ابن حميد, حدثنا سلمة عن غياث بن إبراهيم, عن أبي إسحاق الهمداني قال: قال علي بن أبي طالب لما قتل ابن آدم أخاه بكاه آدم فقال:
تغيرت البلاد ومن عليها فلون الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح
فأجيب آدم عليه الصلاة والسلام :
أبا هابيل قد قتلا جميعاً وصار الحي بالميت الذبيح
وجاء بشره قد كان منه على خوف فجاء بها يصيح
والظاهر أن قابيل عوجل بالعقوبة, كما ذكره مجاهد وابن جبير أنه علقت ساقه بفخذه إلى يوم القيامة, وجعل الله وجهه إلى الشمس حيث دارت عقوبة له وتنكيلاً به, وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا, فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قوله: 31- " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه " قيل إنه لما قتل أخاه لم يدر كيف يواريه لكونه أول ميت مات من بني آدم، فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه، فلما رآه قابيل " قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " فواراه، والضمير المستكن في "ليريه" للغراب، وقيل لله سبحانه، و "كيف" في محل نصب على الحال من ضمير "يواري" والجملة ثاني مفعولي يريه. والمراد بالسوأة هنا ذاته كلها لكونها ميتة، و "قال" استئناف جواب سؤال مقدر من سوق الكلام، كأنه قيل: فماذا قال عند أن شاهد الغراب يفعل ذلك؟ و "يا ويلتى" كلمة تحسر وتحزن، والألف بدل من ياء المتكلم كأنه دعا ويلته بأن تحضر في ذلك الوقت، والويلة الهلكة، والكلام خارج مخرج التعجب منه من عدم اهتدائه لمواراة أخيه كما اهتدى الغراب إلى ذلك "فأواري" بالنصب على أنه جواب الاستفهام، وقرئ بالسكون على تقدير فأنا أواري "فأصبح من النادمين" على قتله، وقيل لم يكن ندمه ندم توبة بل ندم لفقده، لا على قتله، وقيل غير ذلك.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال: "نهى أن تنكح المرأة أخاها توأمها، وأن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي، فقال: لا، أنا أحق بأختي، فقربا قرباناً، فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض، وصاحب الحرث بصبرة من طعام فتقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع". قال ابن كثير في تفسيره: إسناده جيد، وكذا قال السيوطي في الدر المنثور. وأخرج ابن جرير عنه قال: كان من شأن بني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قرباناً ثم ذكرا ما قرباه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "لئن بسطت إلي يدك" قال: كتب عليهم إذا أراد الرجل أن يقتل رجلاً تركه ولا يمتنع منه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " يقول: إني أريد أن تكون عليك خطيئتك ودمي فتبوء بهما جميعاً. وأخرج ابن جرير عنه "بإثمي" قال: بقتلك إياي "وإثمك"، قال: بما كان منك قبل ذلك. وأخرج عن قتادة والضحاك مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "فطوعت له نفسه قتل أخيه" قال: شجعته على قتل أخيه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: زينت له نفسه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: "فطوعت له نفسه قتل أخيه" فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال فأتاه يوماً من الأيام وهو يرعى غنماً له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه، فلما رآه "قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب". وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل". وقد روي في صفة قتله لأخيه روايات الله أعلم بصحتها.
31-" فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه "، فلما رأى قابيل ذلك قال يا ويلتا كلمة تحسر فقيل لما رأى الدفن من الغراب أنه أكبر علماً منه وأن ما فعله كان جهلاً فندم وتحسر " قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي "، أي جيفته،وقيل: عورته لأنه كان قد سلب ثيابه ، " فأصبح من النادمين "، على حمله على عاتقه لا على قتله، وقيل:على فراق أخيه، وقيل: ندم لقلة النفع بقتله فإنه أسخط والديه، وما انتفع بقتله شيئاً ولم يكن ندمه على القتل وركوب الذئب.
قال عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب : لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء ، فناداه الله أين أخوك هابيل ؟ قال : ما أدري ما كنت عليه رقيباً ، فقال الله تعالى : إن دم أخيك ليناديني من الأرض ، فلم قتلت أخاك؟ قال : فأين دمه إن كنت قتلته؟ فحرم الله عز وجل على الأرض يومئذ أن تشرب دماً بعده أبداً.
وقال مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : لما قتل قابيل هابيل وآدم عليه السلام بمكة اشتباك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه، وأمر الماء وأغبرت الأرض ، فقال آدم عليه السلام : قد حدث في الأرض حدث ، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر:
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه الصبيح
وروي : المليح .
وروي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من قال إن آدم عليه السلام قال شعراً فقد كذب، إن محمداً صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم عليهم السلام في النهي عن الشعر سواء، ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني، فلما قال آدم مرثيته قال لشيث :يا بني إنك وصي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه ، لم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان ، وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية ، وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فرد المقدم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدم، فوزنه شعراً وزاد فيه أبيات منها:
ومالي لا أجود بسكب دمع وهابيل تضمنه الضريح
أرى طول الحياة علي غما فهل أنا من حياتي مستريح
فلما مضى من عمر آدم عليه السلام مائة وثلاثون سنة، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيثاً، وتفسيره : هبة الله ، يعني إنه خلف من هابيل علمه الله تعالى ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة فصار وصي آدم وولي عهده ، وأما قابيل فقيل له اذهب طريداً شريداً فزعاً مرعوباً لا تأمن من تراه، فأخذ بيد أخته إقليما وهرب بها إلى عدن من أرض اليمن، فأتاه إبليس فقال له إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النار فانصب أنت نارا ًأيضاً تكون لك ولعقبك ، فبنى بيتاً للنار فهو أول من عبد النار ، وكان لا يمر به أحد إلا رماه، فأقبل ابن له أعمى ومعه ابن له، فقال ابنه: هذا أبوك قابيل، فرمى الأعمى أباه فقتله، فقال ابن الأعمى: قتلت أباك ؟ فرفع يده فلطم ابنه، فمات فقال الأعمى: ويل لي قتلت أبي برميتي وقتلت ابني بلطمتي.
قال مجاهد : فعلقت إحدى رجلي قابيل إلى فخذها ساقها وعلقت من يومئذ إلى يوم القيامة ووجهه إلى الشمس ما دارت عليه ، في الصيف حظيرة من نار وفي الشتاء حظيرة من ثلج .
قال : واتخذ أولاد آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير ولعيدان والطنابير، وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى عرقهم الله بالطوفان أيام نوح عليه السلام ، وبقي نسل شيث.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعشى حدثني عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ".
31" فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه " روي أنه لما قتله تحير في أمره ولم يدر ما يصنع به إذ كان أول ميت من بني آدم، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة والضمير في ليرى، الله سبحانه وتعالى، أو للغراب،وكيف حال من الضمير في " يواري " والجملة ثاني مفعولي يرى،! والمراد بسوأة أخيه جسده الميت فإنه مما يستقبح أن يرى. " قال يا ويلتى " كلمة جزع وتحسر والألف فيها بدل من ياء المتكلم. والمعنى يا ويلتي احضري فهذا أوانك، والويل والويلة الهلكة. " أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " لا أهتدي إلى مثل ما أهتدي إليه، وقوله: " فأواري " عطف على " أكون " وليس جواب الاستفهام إذ ليس المعنى ههنا لو عجزت لواريت، وقرئ بالسكون على فأنا أواري أو على تسكين المنصوب تخفيفاً. " فأصبح من النادمين " على قتله لما كابد فيه من التحير في أمره وحمله على رقبته سنة أو أكثر على ما قيل، وتلمذه للغراب واسوداد لونه وتبري أبويه منه، إذ روي أنه لما قتله اسود جسده فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلاً فقال بل قتلته ولذلك اسود جسدك وتبرأ منه ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك وعدم الظفر بما فعله من أجله.
31. Then Allah sent a raven scratching up the ground, to show him how to hide his brother's naked corpse. He said: Woe unto me! Am I not able to be as this raven and so hide my brother's naked corpse? And he became repentant.
31 - Then God sent a raven, who scratched the ground, to show him how to hid the shame of his brother. woe is me said he; was I not even able to be as this raven, and to hide the shame of my brother? then he became full of regrets