31 - (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا) إني (أعلم الغيب ولا أقول إني مَلَك) بل أنا بشر مثلكم (ولا أقول للذين تزدري) تحتقر (أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً ، الله أعلم بما في أنفسهم) قلوبهم (إني إذاً) إن قلت ذلك (لمن الظالمين)
قال أبو جعفر : وقوله : "ولا أقول لكم عندي خزائن الله" ، عطف على قوله : "ويا قوم لا أسألكم عليه مالا " .
ومعنى الكلام : "ويا قوم لا أسألكم عليه مالا " ، "ولا أقول لكم عندي خزائن الله" ، التي لا يفنيها شيء ، فأدعوكم إلى اتباعي عليها . ولا أعلم أيضاً الغيب ـ يعني :ما خفي من سرائر العباد ، فإن ذلك لا يعلمه إلا الله ـ فأدعي الربوبية ، وأدعوكم إلى عبادتي . ولا أقول أيضاً : إني ملك من الملائكة أرسلت إليكم ، فأكون كاذباً في دعواي ذلك ، بل أنا بشر مثلكم كما تقولون ، أمرت بدعائكم إلى الله ، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، "ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا" ، يقول ولا أقول للذين اتبعوني وآمنوا بالله ووحدوه ، الذين تستحقرهم أعينكم ، وقلتم : إنهم أراذلكم ، "لن يؤتيهم الله خيرا" ، وذلك الإيمان بالله ، "الله أعلم بما في أنفسهم" ، يقول :الله أعلم بضمائر صدورهم ، واعتقاد قلوبهم ، وهو ولي أمرهم في ذلك ، وإنما لي منهم ما ظهر وبدا ، وقد أظهروا الإيمان بالله واتبعوني ، فلا أطردهم ولا أستحل ذلك ، "إني إذا لمن الظالمين" ، يقول :إني إن قلت لهؤلاء الذين أظهروا الإيمان بالله وتصديقي : "لن يؤتيهم الله خيرا" ، وقضيت على سرائرهم بخلاف ما أبدته ألستنهم لي ،على غير علم مني بما في نفوسهم ، وطردتهم بفعلي ذلك ، لمن الفاعلين ما ليس لهم فعله ، المعتدين ما أمرهم الله به ، وذلك هو الظلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : "ولا أقول لكم عندي خزائن الله" ، التي لا يفنيها شيء ، فأكون إنما أدعوكم لتتبعوني عليها ، لأعطيكم منها ، ولا أقول : إني ملك نزلت من السماء برسالة ، ما أنا بشر مثلكم ، ولا أعلم الغيب ، ولا أقول اتبعوني على علم الغيب .
قوله تعالى: " ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب " أخبر بتذلله وتواضعه لله عز وجل، وأنه لا يدعي ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عبادة، وأنه لا يعلم الغيب، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. " ولا أقول إني ملك " أي لا أقول إن منزلتي عند الناس منزلة الملائكة. وقد قالت العلماء: الفائدة في الكلام الدلالة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، لدوامهم على الطاعة، واتصال عباداتهم إلى يوم القيامة، صلوات الله عليهم أجمعين. وقد تقدم هذا المعنى في ( البقرة). " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " أي تستثقل وتحتقر أعينكم، والأصل تزديهم حذفت الهاء والميم لطول الاسم. والدال مبدلة من تاء، لأن الأصل في تزدري تزتري، ولكن التاء تبدل بعد الزاي دالا، لأن الزاي مجهورة والتاء مهموسة، فأبدل من التاء حرف مجهور من مخرجها. ويقال: أزريت عليه إذا عبته. وزريت عليه إذا حقرته. وأنشد الفراء :
يباعده الصديق وتزدريه حليلته وينهره الصغير
" لن يؤتيهم الله خيرا " أي ليس لاحتقاركم لهم تبطل أجورهم، أو ينقص ثوابهم. " الله أعلم بما في أنفسهم " فيجازيهم عليه ويؤاخذهم به. " إني إذا لمن الظالمين " أي إن قلت هذا الذي تقدم ذكره. و ( إذاً) ملغاة، لأنها متوسطة.
يخبرهم أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له بإذن الله له في ذلك ولا يسألهم على ذلك أجراً بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع فمن استجاب له فقد نجا, ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه وليس هو بملك من الملائكة بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم الله أعلم بما في أنفسهم فإن كانوا مؤمنين باطناً كما هو الظاهر من حالهم فلهم جزاء الحسنى ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا لكان ظالماً قائلاً ما لا علم له به.
قوله: 31- "ولا أقول لكم عندي خزائن الله" بين لهم أنه كما لا يطلب منهم شيئاً من أموالهم على تبليغ الرسالة، كذلك لا يدعي أن عنده خزائن الله حتى يستدلوا بعدمها على كذبه، كما قالوا: "وما نرى لكم علينا من فضل" والمراد بخزائن الله: خزائن رزقه "ولا أعلم الغيب" أي ولا أدعي أني أعلم بغيب الله، بل لم أقل لكم إلا أني نذير مبين، إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم "ولا أقول" لكم "إني ملك" حتى تقولوا ما نراك إلا بشراً مثلنا. وقد استدل بهذا من قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء، والأدلة في هذه المسألة مختلفة، وليس لطالب الحق إلى تحقيقها حاجة، فليست مما كلفنا الله بعلمه "ولا أقول للذين تزدري أعينكم" أي تحتقر، والازدراء مأخوذ من أزرى عليه: إذا عابه، وزرى عليه: إذا احتقره، وأنشد الفراء:
يباعد الصديق وتزدريه خليلته وينهره الصغير
والمعنى: إني لا أقول لهؤلاء المتبعين لي المؤمنين بالله الذين تعيبونهم وتحتقرونهم "لن يؤتيهم الله خيراً" بل قد آتاهم الخير العظيم بالإيمان به واتباع نبيه، فهو مجازيهم الجزاء العظيم في الآخرة ورافعهم في الدنيا إلى أعلى محل، ولا يضرهم احتقاركم لهم شيئاً "الله أعلم بما في أنفسهم" من الإيمان به والإخلاص له فمجازيهم على ذلك، ليس لي ولا لكم من أمرهم شيء "إني إذاً لمن الظالمين" لهم إن فعلت ما تريدونه بهم، أو من الظالمين لأنفسهم إن فعلت ذلك بهم.
31-"ولا أقول لكم عندي خزائن الله"، فآتي منها ما تطلبون، "ولا أعلم الغيب"، فأخبركم بما تريدون وقيل: إنهم لما قالوا لنوح: إن الذين آمنوا بك إنما اتبعوك في ظاهر ما ترى منهم، قال نوح مجيبا لهم: ولا أقول لكم: عندي خزائن غيوب الله، التي يعلم منها ما يضمر الناس، ولا أعلم الغيب، فأعلم ما يسترونه في نفوسهم، فسبيلي قبول ما ظهر من إيمانهم، "ولا أقول إني ملك"، هذا جواب قولهم: "ما نراك إلا بشرا مثلنا". "ولا أقول للذين تزدري أعينكم"، أي: تحتقره وتستصغره أعينكم، يعني: المؤمنين، وذلك أنهم قالوا: هم أراذلنا، "لن يؤتيهم الله خيراً" أي: توفيقا وإيمانا وأجرا، "الله أعلم بما في أنفسهم"، من الخير والشر مني، "إني إذا لمن الظالمين"، لو قلت هذا.
31."ولا أقول لكم عندي خزائن الله"رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي."ولا أعلم الغيب"عطف على"عندي خزائن الله "أي : ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعاداً ، أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ، وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول ."ولا أقول إني ملك"حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا."ولا أقول للذين تزدري أعينكم"ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم."لن يؤتيهم الله خيراً"فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا."الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين"إن قلت شيئاً من ذلك ،والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالاً لتجانس الراء في الجهر وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم.
31. I say not unto you: "I have the treasures of Allah" nor "I have knowledge of the Unseen," nor say I: "Lo! I am an angel!" Nor say I unto those whom your eyes scorn that Allah will not give them good Allah knoweth best what is their hearts Lo! then indeed I should be of the wrong doers.
31 - I tell you not that with me are the treasures of God, nor do I know what is hidden, nor claim I to be an angel. nor yet do I say, of those whom your eyes do despise that God will not grant them (all) that is good: God knoweth best what is in their souls: I should, if I did, indeed be a wrong doer.