30 - (فريقا) منكم (هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله) أي غيره (ويحسبون أنهم مهتدون)
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " كما بدأكم تعودون " "فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " ، قال : إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً، كما قال جل ثناؤه : " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ، ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم ، مؤمنا وكافرا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور قال ، حدثنا أصحابنا، عن ابن عباس : " كما بدأكم تعودون " ، قال يبعث المؤمن مؤمنا والكافر كافرا .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا يحيى بن الضريس ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن رجل ، عن جابر قال : يبعثون على ما كانوا عليه ، المؤمن على إيمانه ، والمنافق على نفاقه .
حدثنأ ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : عادوا إلى علمه فيهم ، ألم تسمع إلى قول الله فيهم :
" كما بدأكم تعودون " ألم تسمع قوله : "فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة "
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، " كما بدأكم تعودون " ، قال ردوا إلى علمه فيهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا أبو همام الأهوازي قال ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله : " كما بدأكم تعودون " ، قال : من ابتدأ الله خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه ، لان عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه . ومن ابتدىء خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه ، لان عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدىء عليه خلقهم .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن وقاء بن إياس أبي يزيد ، عن مجاهد : " كما بدأكم تعودون " ، قال : يبعث المسلم مسلماً، والكافر كافرا .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو دكين قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي يزيد ، عن مجاهد : " كما بدأكم تعودون " ، قال : يبعث المسلم مسلماً، والكافر كافرا .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : " كما بدأكم تعودون " ، قال : كما كتب عليكم تكونون .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، مثله حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " كما بدأكم تعودون " "فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة" ، يقول : كما بدأكم تعودون ، كما خلقناكم ، فريق مهتدون ، وفريق ضال ، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تبعث كل نفس على ما كانت عليه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " كما بدأكم تعودون " ، قال : كما كتب عليكم تكونون .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ليث ، عن مجاهد قال : يبعث المؤمن مؤمناً، والكافر كافراً .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كما بدأكم تعودون " ، شقيا وسعيدا .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك قراءة، عن مجاهد ، مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : كما خلقكم ولم تكونوا شيئا، تعودون بعد الفناء.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر ، عن عوف ، عن الحسن : " كما بدأكم تعودون " ، قال : كما بدأكم ولم تكونوا شيئا فأحياكم ، كذلك يميتكم ، ثم يحييكم يوم القيامة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن : " كما بدأكم تعودون " ، قال : كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " كما بدأكم تعودون " ، قال : بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كما بدأكم تعودون " "فريقا هدى" ، يقول : كما خلقناكم أول مرة، كذلك تعودون . حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " كما بدأكم تعودون" ، يحييكم بعد موتكم .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " كما بدأكم تعودون " ، قال : كما خلقهم أولا، كذلك يعيدهم اخرا .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، القول الذي قاله من قال : معناه : كما بدأكم الله خلقاً بعد أن لم تكونوا شيئاً، تعودون بعد فنائكم خلقاً مثله ، يحشركم إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى ذكره : أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم بما في هذه الآية قوماً مشركين أهل جاهلية، لا يؤمنون بالمعاد، ولا يصدقون بالقيامة . فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة، ومثيب من أطاعه ، ومعاقب من عصاه . فقال له : قل لهم : أمر ربي بالقسط ، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وأن ادعوه مخلصين له الدين ، وأن أقروا بان كما بدأكم تعودون ، فترك ذكر وأن أقروا بأن ، كما ترك ذكر أن مع أقيموا، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه .
وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء من كان جاحدا النشور بعد الممات ، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر من نشر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك من كان بالبعث مصدقاً، فاما من كان له
جاحداً، فإنما يدعى إلى الإقرار به ، ثم يعرف كيف شرائط البعث . على أن في الخبر آلذى روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثني المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحشر الناس عراة غرلا، وأول من يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم قرأ " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين "
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا إسحق بن يوسف قال ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال : يا أيها الناس ، إنكم تحشرون إلى الله حفاة غرلا: " كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين " : ما يبين صحة القول الذي قلنا في ذلك ، من أن معناه : أن الخلق يعودون إلى الله يوم القيامة خلقاً أحياء، كما بدأهم في الدنيا خلقا أحياء.
يقال منه : بدأ الله الخلق يبدؤهم ، وأبدأهم يبدئهم إبداء، بمعنى : خلقهم ، لغتان فصيحتان . ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه ، وجرى به فيهم قضاؤه ، فقال : هدى الله منهم فريقاً فوفقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون ، وحق على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله ولياً. لاذا كان التأويل هذا ، كان الفريق الأول منصوبا بإعمال هدى فيه ، و الفريق الثاني بوقوع قوله : حق على عائد ذكره في عليهم ، كما قال جل ثناؤه : " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما"
ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه : كما بدأكم في الدنيا صنفين كافراً ومؤمناً، كذلك تعودون في الآخرة فريقين ، فريقاً هدى، وفريقاً حق عليهم الضلالة، نصب " فريقا" ، الأول بقوله : " تعودون" ، وجعل الثاني عطفا عليه . وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله ، وظهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك ، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق ، وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطا قول من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن ياتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك ، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى، فرق . وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الاية .
"فريقا هدى" فريقاً نصب على الحال من المضمر في تعودون أي تعودون فريقين: سعداء، وأشقياء. يقوي هذا قراءة أبي تعودون فريقين فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة، عن الكسائي. وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: "فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة" قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال أهل الهدى. ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال أهل الضلالة. ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه. قال: "وكان من الكافرين" [ص: 74].
وفي هذا رد واضح على القدرية ومن تابعهم. وقيل: فريقاً نصب بـهدى، وفريقاً الثاني نصب بإضمار فعل، أي وأضل فريقاً. وأنشد سيبويه:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفراً
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قال الفراء: ولو كان مرفوعاً لجاز. "إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله" وقرأ عيسى ابن عمر: أنهم بفتح الهمزة، يعني لأنهم.
قال مجاهد: كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله "وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" الاية, قلت: كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها, وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم, ومن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه, ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد, ومن لم يجد ثوباً جديداً, ولا أعاره أحمسي ثوباً طاف عرياناً, وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر فتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل, وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم, ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع, فأنكر الله تعالى عليهم ذلك, فقال "وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" فقال تعالى رداً عليهم "قل" أي يا محمد لمن ادعى ذلك "إن الله لا يأمر بالفحشاء" أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة, والله لا يأمر بمثل ذلك " أتقولون على الله ما لا تعلمون " أي أتسندون إلى الله من الأقوال مالا تعلمون صحته, وقوله تعالى: "قل أمر ربي بالقسط" أي بالعدل والاستقامة "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين" أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات, فيما أخبروا به عن الله وما جاؤوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته, فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين, أن يكون صواباً موافقاً للشريعة وأن يكون خالصاً من الشرك.
وقوله تعالى: "كما بدأكم تعودون" إلى قوله "الضلالة" اختلف في معنى قوله "كما بدأكم تعودون" فقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد "كما بدأكم تعودون" يحييكم بعد موتكم, وقال الحسن البصري: كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء, وقال قتادة "كما بدأكم تعودون" قال: بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئاً ثم ذهبوا ثم يعيدهم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما بدأكم أولاً كذلك يعيدكم آخراً, واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير, وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث شعبة, وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث الثوري به, وقال ورقاء بن إياس أبو يزيد عن مجاهد "كما بدأكم تعودون" قال يبعث المسلم مسلماً والكافر كافراً وقال أبو العالية "كما بدأكم تعودون" ردوا إلى علمه فيهم وقال سعيد بن جبير كما بدأكم تعودون كما كتب عليكم تكونون, وفي رواية كما كنتم عليه تكونون, وقال محمد بن كعب القرظي: في قوله تعالى: "كما بدأكم تعودون" من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة, ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدىء خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء, كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدؤوا عليه, وقال السدي " كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " يقول "كما بدأكم تعودون" كما خلقناكم فريق مهتدون وفريق ضلال, كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله " كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " قال: إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً, كما قال "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأهم مؤمناً وكافراً: قلت: ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب, فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة". وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد, حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار, وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم" هذا قطعة من حديث البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يوم أحد, وقال ابن جرير: حدثني ابن بشار حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "تبعث كل نفس على ما كانت عليه" وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه, عن الأعمش به, ولفظه "يبعث كل عبد على ما مات عليه" وعن ابن عباس مثله, قلت: ويتأيد بحديث ابن مسعود, قلت: ولا بد من الجمع بين هذا القول إن كان هو المراد من الاية, وبين قوله تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها " وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه".
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى "إني خلقت عبادي حنفاء, فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" الحديث, ووجه الجمع على هذا, أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال, وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره, كما أخذ عليهم الميثاق بذلك وجعله في غرائزهم وفطرهم ومع هذا قدر أن منهم شقياً ومنهم سعيداً "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" وفي الحديث "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" وقدر الله نافذ في بريته, فإنه هو "الذي قدر فهدى" و "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" وفي الصحيحين "فأما من كان منكم من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة, وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة" ولهذا قال تعالى: "فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة" ثم علل ذلك فقال "إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله" الاية, قال ابن جرير: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها, إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عناداً منه لربه فيها, لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد, وفريق الهدى فرق, وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الاية.
30- "فريقاً هدى" منتصب بفعل يفسره ما بعده، وقيل: منتصب على الحال من المضمر في تعودون: أي تعودون فريقين: سعداء وأشقياء ويقويه قراءة أبي فريقين فريقاً هدى، والفريق الذي هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه، والفريق الذي حقت عليه الضلالة هم الكفار. قوله: "إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله" تعليل لقوله: "وفريقاً حق عليهم الضلالة" أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله، ومع هذا فإنهم "يحسبون أنهم مهتدون" ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة، وهذا أشد في تمردهم وعنادهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "والذين إذا فعلوا فاحشة" قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: والله ما أكرم الله عبداً قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها، ولكن رضي لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "أمر ربي بالقسط" قال: بالعدل "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد" قال: إلى الكعبة حيث صليتم في كنيسة أو غيرها "كما بدأكم تعودون" قال: شقي وسعيد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "كما بدأكم تعودون" الآية قال: إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً كما قال "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً. وأخرج ابن جرير، عن جابر في الآية قال: يبعثون على ما كانوا عليه: المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه ذكر القدرية فقال: قاتلهم الله أليس قد قال الله تعالى: " كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ". وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية: يقول كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون.
30- قوله عز وجل: " فريقاً هدى "، أي هداكم الله، " وفريقاً حق "، وجب " عليهم الضلالة "، أي: بالإرادة السابقة، " إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون "، فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء.
30. " فريقاً هدى " بأن وفقهم للإيمان ز " وفريقاً حق عليهم الضلالة " بمقتضى القضاء السابق. وانتصابه بفعل يفسره ما بعده أي وخذل فريقاً . " إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله " تعليل لخذلانههم أو تحقيق لضلالهم . " ويحسبون أنهم مهتدون " يدل على أن الكافر المخطئ
والمعاند سواء في استحقاق الذم ، وللفارق أن يحمله على المقصر في المنظر .
30. A party hath He led aright, while error hath just hold over (another) party, for lo! they choose the devils for protecting friends instead of Allah and deem that they are rightly guided.
30 - Some he hath guided: others have (by their choice) deserved the loss of their way; in that they took the Evil once, in preference to God, for their friends and protectors, and think that they receive guidance.