30 - (ذلك) طلب الدنيا (مبلغهم من العلم) نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) عالم بهما فيجازيهما
يقول تعالى ذكره : هذا الذي يقوله هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة في الملائكة من تسميتهم إياها تسمية الأنثى " مبلغهم من العلم " يقول ليس لهم علم إلا هذا الكفر بالله والشرك به على وجه الظن بغير يقين علم .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله "فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم " قال : يقول ليس لهم علم إلا الذي هم فيه من الكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدتهم لما جاء من عند الله قال وهؤلاء أهل الشرك .
وقوله : " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى " يقول تعالى ذكره : إن ربك يا محمد هو أعلم بمن جار عن طريقه في سابق علمه فلا يؤمن وذلك الطريق هو الاسلام " وهو أعلم بمن اهتدى " يقول وربك أعلم بمن أصاب طريقه فسلكه في سابق علمه وذلك الطريق أيضا الاسلام .
" ذلك مبلغهم من العلم " أي إنما يبصرون أمر دنياهم ويجهلون أمر دينهم قال الفراء صغرهم وازدرى بهم ، أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة . وقيل أن جعلوا الملائكة والأصنام بنات الله . " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " أي حاد عن دينه "وهو أعلم بمن اهتدى " فيجازي كلا بأعمالهم .
يقول تعالى منكراً على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى, وجعلهم لها أنها بنات الله تعالى الله عن ذلك كما قال تعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون" ولهذا قال تعالى: "وما لهم به من علم" أي ليس لهم علم صحيح يصدق ما قالوه, بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع. "إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً" أي لا يجدي شيئاً ولا يقوم أبداً مقام الحق, وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
وقوله تعالى: " فأعرض عن من تولى عن ذكرنا " أي أعرض عن الذي أعرض عن الحق واهجره. وقوله: "ولم يرد إلا الحياة الدنيا" أي وإنما أكثر همه ومبلغ علمه الدنيا, فذاك هو غاية ما لا خير فيه, ولهذا قال تعالى: "ذلك مبلغهم من العلم" أي طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه. وقد روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا دار من لا دار له, ومال من لا مال له, ولها يجمع من لا عقل له" وفي الدعاء المأثور "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ عملنا" وقوله تعالى: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى" أي هو الخالق لجميع المخلوقات والعالم بمصالح عباده, وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء, وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته وهو العادل الذي لا يجور أبداً لا في شرعه ولا في قدره.
ثم صغر سبحانه شأنهم وحقر أمرهم فقال: 30- "ذلك مبلغهم من العلم" أي إن ذلك التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا هو مبلغهم من العلم ليس لهم غيره ولا يلتفتون إلى سواه من أمر الدين. قال الفراء: أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة، وقيل الإشارة بقوله: "ذلك" إلى جعلهم للملائكة بنات الله وتسميتهم لهم تسمية الأنثى، والأول أولى. والمراد بالعلم هنا مطلق الإدراك الذي يندرج تحته الظن الفاسد، والجملة مستأنفة لتقرير جهلهم واتباعهم مجرد الظن، وقيل معترضة بين المعلل والعلة وهي قوله: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى" فإن هذا تعليل للأمر بالإعراض، والمعنى: أنه سبحانه أعلم بمن حاد عن الحق وأعرض عنه ولم يهتد إليه، وأعلم بمن اهتدى فقبل الحق وأقبل إليه وعمل به، فهو مجاز كل عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاد له بأن لا يتعب نفسه في دعوة من أصر على الضلالة وسبقت له الشقاوة، فإن الله قد علم حال هذا الفريق الضال كما علم حال الفريق الراشد.
30. ثم صغر رأيهم فقال: " ذلك مبلغهم من العلم "، أي: ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة.
وقيل: لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله، وأنها تشفع لهم، فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن.
" إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى "، أي: هو عالم بالفريقين فيجازيهم.
30-" ذلك " أي أمر الدنيا أو كونها شهية " مبلغهم من العلم " لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله : " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى " تعليل للأمر بالإعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت .
30. Such is their sum of knowledge. Lo! thy Lord is best aware of him who strayeth, and He is best aware of him who goeth right.
30 - That is as far as knowledge will reach them. Verily thy Lord knoweth best those who stray from His Path, and He knoweth best those who receive guidance.