30 - (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) على التوحيد وغيره مما وجب عليهم (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت (ألا) بأن لا (تخافوا) من الموت وما بعده (ولا تحزنوا) على ما خلفتم من أهل وولد فنحن نخلفكم فيه (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)
يقول تعالى ذكره : " إن الذين قالوا ربنا الله " وحده لاشريك له ، وبرئوا من الآلهة والأنداد ، " ثم استقاموا " على توحيد الله ، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به ، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أهل التأويل على اختلاف منهم ، في معنى قوله : " ثم استقاموا " ذكر الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا سالم بن قتيبة أبو قتيبة ، قال : ثنا سهيل بن أبي حزم القطعي ، عن ثابت البناني ، " عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : قد قالها الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام" .
وقال بعضهم : معناه : ولم يشركوا به شيئاً ، ولكن تموا على التوحيد .
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن عمران ، قال : قد قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان بإسناده ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، مثله .
قال : ثنا جرير بن عبد الحميد ، و عبد الله بن إدريس ، عن الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لأصحابه : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : قالوا : ربنا الله ثم عملوا بها ، قال : لقد حملتموها على غير المحمل " الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " الذين لم يعدلوها بشرك ولا غيره .
حدثنا أبو كريب و أبو السائب قالا : ثنا ابن ادريس ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال المحاربي ، قال : قال أبو بكر : ما تقولون في هذه الآية : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : فقالوا : ربنا الله ثم استقاموا من ذنب ، قال : فقال أبو بكر : لقد حملتم على غير المحمل ، قالوا : ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : أي على : لا إله إلا الله .
قال : ثنا حكام عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : هم الذين قالوا ربنا الله ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به .
قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال مثل ذلك .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ،عن السدي " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : تموا على ذلك .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قوله : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم استقاموا على طاعته .
ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن منيع ، قال : ثنا عبد الله بن المبارك ، قال : ثنا يونس بن يزيد عن الزهري ، قال : تلا عمر رضي الله عنه على المنبر " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : استقاموا والله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعلب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : استقاموا على طاعة الله . وكان الحسن إذا تلاها قال : اللهم فأنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " يقول : على أداء فرائضه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : على عبادة الله وعلى طاعته .
وقوله : " تتنزل عليهم الملائكة " يقول : تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله : " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا " قال : عند الموت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " تتنزل عليهم الملائكة " قال : عند الموت .
وقوله : " أن لا تخافوا ولا تحزنوا " يقول : تتنزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا ولا تحزنوا ، فأن في موضع نصب إذا كان ذلك معناه .
وقد ذكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا " بمعنى : تتنزل عليهم قائلة : لا تخافوا ، ولا تحزنوا . وعنى بقوله : " لا تخافوا " ما تقدمون عليه من بعد مماتكم " ولا تحزنوا " على ما تخلفونه وراءكم .
وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال :ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " أن لا تخافوا ولا تحزنوا " قال : لا تخافوا ما أمامكم ، ولا تحزنوا على ما بعدكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا " قال : لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله .
وقيل : إن ذلك في الآخرة .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة " فذلك في الآخرة .
وقوله : " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " يقول : وسروا بأن لكم في الآخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله ، واستقامتكم على طاعته .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال :ثنا أسباط ، عن السدي " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " في الدنيا .
قوله تعالى : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال عطاء عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، قلم يستقيموا . وقال أبو بكر : ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبد ورسوله ، فاستقام . وفي الترمذي عن " أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال :الناس صم كفر أكثررهم فمن مات عليها فهو ممن استقام " قال حديث غريب . ويروى في هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر وعمر وعثمان وعلي معنى " استقاموا " ، ففي صحيح مسلم "عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك _ وفي رواءة _ غيرك . قال : قل آمن بالله ثم استقم " زاد الترمذي قلت : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال : ( هذا ) وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : " ثم استقاموا " لم يشركوا بالله شيئاً . وروى عنه الأسود بن هلال أنه قلا لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " و" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " [ الأنعام : 82] فقالوا : استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة ، فقال أبو بكر : لقد حملتموها على غير المحمل " قالوا ربنا الله ثم استقاموا " وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " فقال : استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب : وقال عثمان رضي الله عنه : ثم أخلصوا العمل لله . وقال علي رضي الله عنه : ثم أدوا الفرائض . وأقوال التابعين بمعناها . قال ابن زيد و قتادة : استقاموا على الطاعة لله . الحسن : استقاموا على اله فعملوا بطعته واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد و عكرمة : استقاموا على شهادة أن لاإله إلا الله حتى ماتوا . وقال سفيان الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا . وقال الربيع : أعرضوا عما سوى الله . وقال الفضيل بن عياض : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية . وقيل : استقاموا إسراراً كما استقاموا إقراراً . وقيل : استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً . وقال " أنس : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم هم أمتي ورب الكعبة " وقال الإمام ابن فورك : السن سن الطلب مثل استسقى أي سألوا من الله أن يثبتهم على الدين . وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم إنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
قلت : وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها : اعتدلوا على طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً ، وداموا على ذلك . " تتنزل عليهم الملائكة " قال ابن زيد و مجاهد : عند الموت وقال مقاتل و قتادة : إذا قاموا من قبورهم للبعث . وقال ابن عباس : هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة . وقال وكيع و ابن زيد : البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث . " أن لا تخافوا " أي بـ( ألا تخافوا ) فخذف الجار . وقال مجاهد : لا تخافوا الموت " ولا تحزنوا " على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم .وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول ،ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم وقال عكرمة : ولا تخافوا أمامكم ، ولا تحزنوا على ذنوبكم . " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " .
يقول تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" أي أخلصوا العمل لله وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا الجراح حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري حدثنا سهيل بن أبي حزم حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها, وكذا رواه النسائي في تفسيره والبزار وابن جرير عن عمرو بن علي الفلاس عن سلم بن قتيبة به. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الفلاس به. ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن نمران قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً ثم روى من حديث الأسود بن هلال قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما تقولون في هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال فقالوا: "ربنا الله ثم استقاموا" من ذنب فقال: لقد حملتموه على غير المحمل قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره. وكذا قال مجاهد وعكرمة والسدي وغير واحد وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني أخبرنا حفص بن عمر العدلي عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما أي آية في كتاب الله تبارك وتعالى أرخص ؟ قال قوله تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" على شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الزهري: تلا عمر رضي الله عنه هذه الاية على المنبر ثم قال استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "قالوا ربنا الله ثم استقاموا" على أداء فرائضه, وكذا قال قتادة: قال وكان الحسن يقول اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة, وقال أبو العالية "ثم استقاموا" أخلصوا له الدين والعمل.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا يعلى بن عطاء عن عبد الله بن سفيان الثقفي عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه. ورواه النسائي من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء به. ثم قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إبراهيم بن سعد حدثني ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال صلى الله عليه وسلم "قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله بطرف لسان نفسه ثم قال: "هذا" وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح. وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" وذكر تمام الحديث. وقوله تعالى: "تتنزل عليهم الملائكة" قال مجاهد والسدي وزيد بن أسلم وابنه: يعني عند الموت قائلين " أن لا تخافوا " قال مجاهد وعكرمة وزيد بن أسلم أي مما تقدمون عليه من أمر الاخرة "ولا تحزنوا" على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال أو دين فإنا نخلفكم فيه "وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير: وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: "إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان" وقيل إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم حكاه ابن جرير عن ابن عباس والسدي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر بن سليمان قال سمعت ثابتاً قرأ سورة حم السجدة حتى بلغ "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة" فوقف فقال بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان لا تخف ولا تحزن "وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" قال فيضمن من الله تعالى خوفه ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين لما هداه الله تبارك وتعالى ولما كان يعمل في الدنيا وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث. رواه ابن أبي حاتم وهذا القول يجمع الأقوال كلها وهو حسن جداً وهو الواقع. وقوله تبارك وتعالى: " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الاخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم "ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم" أي في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس وتقر به العيون "ولكم فيها ما تدعون" أي مهما طلبتم وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم "نزلاً من غفور رحيم" أي ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم رحيم بكم رؤوف حيث غفر وستر ورحم ولطف. وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى: " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " فقال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة رضي الله عنه أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد: أو فيها سوق ؟ فقال: نعم أخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ونزلوا بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله عز وجل ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ويوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ما يرون أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا, قال صلى الله عليه وسلم: "نعم, هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر" قلنا لا , قال صلى الله عليه وسلم: "فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم تعالى ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى إنه ليقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم عملت كذا وكذا يذكره غدراته في الدنيا ـ أي رب أفلم تغفر لي, فيقول بلى, فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه ـ قال ـ فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط ـ قال ـ ثم يقول ربنا عز وجل قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة وخذوا ما اشتهيتم, قال فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة, فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الاذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه. وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن مرحباً وأهلاً بحبيبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار تبارك وتعالى وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به" وقد رواه الترمذي في صفة الجنة من جامعه عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار به نحوه ثم قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" قلنا يا رسول الله: كلنا نكره الموت قال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله تعالى فأحب الله لقاءه ـ قال ـ وإن الفاجر ـ أو الكافر ـ إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه" وهذا حديث صحيح وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه.
ثم لما ذكر عقاب الكافرين وما أعده لهم ذكر حال المؤمنين وما أنعم عليهم به فقال 30- "إن الذين قالوا ربنا الله" أي وحده لا شريك له "ثم استقاموا" على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله. قال جماعة من الصحابة والتابعين: معنى الاستقامة إخلاص العمل لله. وقال قتادة وابن زيد: ثم استقاموا على طاعة الله. وقال الحسن: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا. وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا؟ وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية "تتنزل عليهم الملائكة" من عند الله سبحانه بالبشرى التي يريدونها من جلب نفع أو دفع ضرر أو رفع حزن. قال ابن زيد ومجاهد: تتنزل عليهم عند الموت. وقال مقاتل وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقال وكيع: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث "أ" ن "لا تخافوا ولا تحزنوا" أن هي المخففة أو المفسرة أو الناصبة، ولا على الوجهين الأولين ناهية، وعلى الثالث نافية، والمعنى: لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل وولد ومال. قال مجاهد: لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله خليفتكم عليهم. وقال عطاء: لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم. والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين، وعدم تقييد نفي الخوف والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع "وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" بها في الدنيا فإنكم واصلون إليها مستقرون بها خالدون في نعيمها.
30. قوله عز وجل: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا "، سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئاً. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((الاستقامة)): أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: أخلصوا العمل لله. وقال علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض. وقال ابن عباس: استقاموا على أداء الفرائض.
وقال الحسن : استقاموا على أمر الله تعالى، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته.
وقال مجاهد و عكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله.
وقال مقاتل : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا. وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.
قوله عز وجل: " تتنزل عليهم الملائكة "، قال ابن عباس: عند الموت. وقال قتادة و مقاتل : إذا قاموا من قبورهم. قال وكيع بن الجراح: البشرى تكون في ثلاث مواطن: عند الموت وفي القبر وعند البعث. " أن لا تخافوا "، من الموت. وقال مجاهد : لا تخافوا على ما ت قدمون عليه من أمر الآخرة. " ولا تحزنوا "، علىى ما خلفتم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله. وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم، " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ".
30-" إن الذين قالوا ربنا الله " اعترافاً بربوبيته وإقراراً بوحدانيته . " ثم استقاموا " في العمل , " ثم " لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة ، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار ، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها . " تتنزل عليهم الملائكة " فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن ، أو عند الموت أو الخروج من القبر . " أن لا تخافوا " ما تقدمون عليه . " ولا تحزنوا " على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالياء أو مفسرة . " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " في الدنيا على لسان الرسل .
30. Lo! those who say: Our Lord is Allah, and afterward are upright, the angels descend upon them, saying: Fear not nor grieve, but bear good tidings of the paradise which ye are promised.
30 - In the case of those who say, Our Lord is God, and, further, stand straight and steadfast, the angels descend on them (from time to time): Fear ye not! (they suggest), Nor grieve! But receive the Glad Tidings of the Garden (of Bliss), the which ye were promised!