30 - (يا حسرة على العباد) هؤلاء ونحوهم ممن كذب الرسل فاهلكوا وهي شدة التألم من الصوت ونداؤها مجاز أي هذا أو انك فاحضري (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) مسوق لبيان سببها لاشتماله على استهزائهم المؤدي إلى إهلاكهم المسبب عنه الحسرة
يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندماً وتلهفاً في استهزائهم برسل الله " ما يأتيهم من رسول " من الله " إلا كانوا به يستهزئون " وذكر أن ذلك في بعض القراءات ( يا حسرة العباد على أنفسها).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " يا حسرة على العباد ": أي يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات ( يا حسرة العباد على أنفسها).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " يا حسرة على العباد " قال: كان حسرةً عليهم استهزاؤهم بالرسل.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " يا حسرة على العباد " يقول: يا ويلاً للعباد، وكان بعض أهل العربية يقول معنى ذلك يا لها حسرةً على العباد.
قوله تعالى : " يا حسرة على العباد " منصوب ، لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير لنصب عند البصريين . وفي حرف أبي < يا حسرة العباد > على الإضافة . وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً . وزعم الفراء أن الاختيار النصب ، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صواباً . واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مهتم بأمرنا لا تهتم . وأنشد :
* يا دار غيرها البلى تغييرا *
قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره ، لأنه يرفع النكرة المحضة ، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طوله ، وبحذف التنوين متوسطاً ، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك . فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه ، لأن تقدير يا مهتم بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير ، والمعنى : يأيها المهتم لا تهتم بأمرنا . وتقدير البيت : يأيتها الدار ، ثم حول المخاطبة ، أي هؤلاء غير هذه الدار البلى ، كما قال الله جل وعز : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " [ يونس : 22 ] . فـ < حسرة > منصوب على النداء ، كما تقول يا رجلاً أقبل ، ومعنى النداء : هذا موضع حضور الحسرة . الطبري : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندما وتلهفاً في استهزائم برسل الله عليهم السلام . ابن عباس : < يا حسرة على العباد > أي يا ويلا على العباد . وعنه أيضاً : حل هؤلاء محل من يتحسر عليهم . وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية أن العباد ها هنا الرسل وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا : < يا حسرة على العباد > فتحسروا على قتلهم ، وترك الإيمان بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان ، وقاله مجاهد . وقال الضحاك : إنها حسرة على الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل : < يا حسرة على العباد > من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، لما وثب القوم لقتله . وقيل : إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أصى المدينة يسعى ، وحل بالقوم العذاب : يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا . وقيل : هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل ، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة ، على اختلاف الروايات : يا حسرة على هؤلاء الرسل ، وعلى هذا الرجل ، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان . وتم الكلام على هذا ، ثم ابتدأ فقا ل: " ما يأتيهم من رسول " . وقرأ ابن هرمز و مسلم بن جندب و عكرمة : < يا حسرة على العباد > بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس ، إذ كان موضع وعظ وتنبيه والعرب تفعل ذلك في مثله ، وإن لم يكن موضعاً للوقف . ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع قراءته حرفاً حرفاً ، حرصاً على البيان والإفهام . ويجوز أن يكون < على العباد > متعلقاً بالحسرة . ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف لا بالحسرة ، فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء ، ثم قال : < على العباد > أي أتحسر على العباد وعن ابن عباس و الضحاك وغيرهما : < يا حسرة العباد > مضاف بحذف < على > . وهو خلاف المصحف . وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين ، كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيد . ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول ، فيكون العباد مفعولين ، فكأن العباد يتحسر عليهم من يشفق لهم . وقراءة من قرأ : < يا حسرة على العباد > مقوية لهذا المعنى .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا حسرة على العباد" أي يا ويل العباد. وقال قتادة "يا حسرة على العباد" أي يا حسرة العباد على أنفسهم على ما ضيعت من أمر الله, وفرطت في جنب الله, وفي بعض القراءات: يا حسرة العباد على أنفسهم, ومعنى هذا يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب, كيف كذبوا رسل الله, وخالفوا أمر الله, فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم "ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" أي يكذبونه ويستهزئون به ويمجدون ما أرسل به من الحق.
ثم قال تعالى: "ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون" أي ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل, كيف لم يكن لهم إلى هذه الدنيا كرة ولا رجعة, ولم يكن الأمر كما زعم كثير من جهلتهم وفجرتهم من قولهم " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا " وهم القائلون بالدور من الدهرية, وهم الذين يعتقدون جهلاً منهم أنهم يعودون إلى الدنيا, كما كانوا فيها, فرد الله تبارك وتعالى عليهم باطلهم, فقال تبارك وتعالى: "ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون".
وقوله عز وجل: "وإن كل لما جميع لدينا محضرون" أي وإن جميع الأمم الماضية والاتية ستحضر للحساب يوم القيامة بين يدي الله جل وعلا, فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها, ومعنى هذا كقوله جل وعلا: "وإن كلاً لما ليوفينهم ربك أعمالهم" وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف, فمنهم من قرأ "وإن كلاً لما" بالتخفيف فعنده أن إن للإثبات, ومنهم من شدد "لما" وجعل أن نافية, ولما بمعنى إلا, تقديره وما كل إلا جميع لدينا محضرون, ومعنى القراءتين واحد, والله سبحانه وتعالى أعلم.
30- "يا حسرةً على العباد" قرأ الجمهور بنصب حسرة، على أنها منادى منكر كأنه نادى الحسرة وقال لها: هذا أوانك فاحضري. وقيل إنها منصوبة على المصدرية، والمنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء تحسروا حسرة. وقرأ قتادة وأبي في رواية عنه بضم حسرة على النداء. قال الفراء: في توجيه هذه القراءة: إن الاختيار النصب وإنها لو رفعت النكرة لكان صواباً، واستشهد بأشياء نقلها عن العرب منها أنه سمع من العرب يا مهتم بأمرنا لا تهتم، وأنشد:
يا دار غيرها البلى تغييرا
قال النحاس: وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره. وتقدير ما ذكره: أي أيها المهتم لا تهتم بأمرنا، وتقدير البيت: يا أيتها الدار. وحقيقة الحسرة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً. قال ابن جرير: المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندماً وتلهفاً في استهزائهم برسل الله، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وعلي بن الحسين: يا حسرة العباد على الإضافة، ورويت هذه القراءة عن أبي. وقال الضحاك: إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل. وقيل هي من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة. وقيل إن القائل: يا حسرة على العبادأب هم الكفار المكذبون، والعباد الرسل، وذلك أنهم لما رأوا العذاب تحسروا على قتلهم وتمنوا الإيمان قاله أبو العالية ومجاهد، وقيل إن التحسر عليهم هو من الله عز وجل بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه وقرأ ابن هرمز ومسلم بن جندب وعكرمة وأبو الزناد يا حسرة بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف، وقرئ يا حسرتا كما قرئ بذلك في سورة الزمر، وجملة "ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه من تكذيب الرسل والاستهزاء بهم، وأن ذلك هو سبب التحسر عليهم.
30. " يا حسرةً على العباد "، قال عكرمة : يعني يا حسرتهم على أنفسهم، والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان:
أحدهما: يقول الله تعالىك يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالسل.
والآخر: أنه من قول الهالكين. قال أبو العالية : لما عاينوا العذاب قالوا: يا حسرة أي: ندامةعلى العباد، يعني: على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري : الحسرة لا تدعى، ودعاؤها تنبيه المخاطبين. وقيل: العرب تقول: يا حسرتي! ويا عجباً! على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فكأنه يقول: أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟
حقيقة المعنى: أن هذا زمان الحسرة والتعجب. ثم بين سبب الحسرة والندامة، فقال: " ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ".
30 -" يا حسرةً على العباد " تعالي فهذه من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها ، وهي ما دل عليها . " ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا عليهم ، وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ، ويجوز أن يكون تحسراً من الله عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة (( يا حسرتا )) ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها ، وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف ، وقرئ (( يا حسرة العباد )) بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ، و(( يا حسرة )) بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف .
30. Ah, the anguish for the bondmen! Never came there unto them a messenger but they did mock him!
30 - Ah alas for (My) servants there comes not an apostle to them but they mock him.