30 - (إن ربك يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء ويقدر) يضيقه لمن يشاء (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده ، فيوسع عليه ، ويقدر على من يشاء ، يقول : ويقتر على من يشاء منهم ، فيضيق عليه " إنه كان بعباده خبيرا" : يقول : إن ربك ذو خبرة بعباده ، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده ، ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه . " بصيرا" : يقول : هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم ، يقول : فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه ، وفيمن تبسطها له ، ومن كفها عمن تكفها عنه ، وتكفها فيه ، فنحن أعلم بمصالح العباد منك ، ومن ج جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم .
كالذي حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ثم أخبرنا تبارك وتعالى كيف يصنع ،فقال : " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" قال : يقدر: يقل وكل شيء في القرآن يقدر كذلك ، ثم أخبر عباده أنه لا يرزؤه ولا يئوده أن لو بسط عليهم ، ولكن نظرا لهم منه ، فقال " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير"
قال : والعرب إذا كان الخصب وبسط عليهم أشروا، وقتل بعضهم بعضا، وجاء الفساد، فإذا كان السنة شغلوا عن ذلك .
قوله تعالى : " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " .
يقول تعالى آمراً بالاقتصاد في العيش, ذاماً للبخل, ناهياً عن السرف "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" أي لا تكن بخيلاً منوعاً, لا تعطي أحداً شيئاً, كما قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ يد الله مغلولة أي نسبوه إلى البخل, تعالى وتقدس الكريم الوهاب, وقوله "ولا تبسطها كل البسط" أي ولا تسرف في الإنفاق, فتعطي فوق طاقتك, وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوماً محسوراً, وهذا من باب اللف والنشر, أي فتقعد إن بخلت ملوماً يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك, كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة:
ومن كان ذا مال فيبخل بماله على قومه يستغن عنه ويذمم
ومتى بسطت يدك فوق طاقتك, قعدت بلا شيء تنفقه, فتكون كالحسير, وهو الدابة التي عجزت عن السير فوقفت ضعفاً وعجزاً, فإنها تسمى الحسير, وهو مأخوذ من الكلال, كما قال "فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير" أي كليل عن أن يرى عيباً, هكذا فسر هذه الاية بأن المراد هنا البخل والسرف: ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم. وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج , عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما, فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره, وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة منها مكانها, فهو يوسعها فلا تتسع" هذا لفظ البخاري في الزكاة.
وفي الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر , عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ولا توعي فيوعي الله عليك, ولا توكي فيوكي الله عليك". وفي لفظ "ولا تحصي فيحصي الله عليك". وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قال لي: أنفق, أنفق عليك" وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً, ويقول الاخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".
وروى مسلم عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه , عن أبي هريرة مرفوعاً "ما نقص مال من صدقة, وما زاد الله عبداً أنفق إلا عزاً, ومن تواضع لله رفعه الله" وفي حديث أبي كثير عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً "إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم, أمرهم بالبخل فبخلوا, وأمرهم بالقطيعة فقطعوا, وأمرهم بالفجور ففجروا". وروى البيهقي من طريق سعدان بن نصر عن أبي معاوية عن الأعمش , عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يخرج رجل صدقة حتى يفك لحي سبعين شيطاناً".
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبيدة الحداد , حدثنا سكين بن عبد العزيز , حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص , عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما عال من اقتصد" وقوله: "إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" إخباراً أنه تعالى هو الرزاق القابض الباسط المتصرف في خلقه بما يشاء, فيغني من يشاء, ويفقر من يشاء لما له في ذلك من الحكمة, ولهذا قال: "إنه كان بعباده خبيراً بصيراً" أي خبيراً بصيراً بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر, كما جاء في الحديث "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر, ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه, وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى, ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه" وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً, والفقر عقوبة, عياذاً بالله من هذا وهذا.
ثم سلى رسوله والمؤمنين بأن الذين يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله سبحانه، ولكن لمشيئة الخالق الرازق فقال: 30- "إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسعه على بعض ويضيقه على بعض لحكمة بالغة لا لكون من وسع له رزقه مكرماً عنده، ومن ضيقه عليه هانئاً لديه. قيل ويجوز أن يراد أن البسط والقبض إنما هما من أمر الله الذي لا تفنى خزائنه، فأما عباده فعليهم أن يقتصدوا، ثم علل ما ذكره من البسط للبعض والتضييق على البعض بقوله: "إنه كان بعباده خبيراً بصيراً" أي يعلم ما يسرون وما يعلنون، لا يخفى عليه من ذلك خافية، فهو الخبير بأحوالهم البصير بكيفية تدبيرهم في أرزاقهم.
30 - " إن ربك يبسط " ، يوسع " الرزق لمن يشاء ويقدر " ، أي : يقتر ويضيق ، " إنه كان بعباده خبيراً بصيراً " .
30. "إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإضافة إلا لمصلحتك . "إنه كان بعباده خبيراً بصيراً"يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم، ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر ، فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا، أو أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط، وأن يكون تمهيداً لقوله. تعالى:
30. Lo! thy Lord enlargeth the provision for whom He will, and straiteneth (it for whom He will). Lo, He was ever Knower, Seer of His slaves.
30 - Verily thy Lord doth provide sustenance in abundance for whom he pleaseth, and he provideth in a just measure. for he doth know and regard all his servants.