3 - (والنهار إذا جلاها) بارتفاعه
وقوله : " والنهار إذا جلاها " يقول : والنهار إذا جلاها ، قال : إذا أضاء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " والنهار إذا جلاها " قال : إذا غشيها النهار . وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، ويجعل الهاء والألف من جلاها كنا ية عن الظلمة ، ويقول : إنما جاز الكناية عنها ، ولم يجر لها ذكر قبل ، لأن معناها معروف ، كما يعرف معنى قول القائل : أصبحت باردة ، وأمست باردة ، وهبت شمالاً ، فكنى عن ممؤنثات لم يجر لها ذكر ، إذا كان معروفاً معناهن .
والصواب عندنا في ذلك : ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم ، لأنهم أعلم بذلك ، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه .
قوله تعالى:" والنهار إذا جلاها" أي كشفها. فقال قوم: جلى الظلمة، وإن لم يجر لها ذكر، كما تقول: أصبحت باردة، تريد أضحت غداتنا باردة. وهذا قول الفراء والكلبي وغيرهما. وقال قوم : الضمير في (جلاها) للشمس، والمعنى: أنه يبين بضوئه جرمها. ومنه قول قيس بن الخطيم:
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب
وقيل: جلى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر، لاستتاره ليلاً وانتشاره نهاراً. وقيل: جلى الدنيا. وقيل: جلى الأرض، وإن لم يجر لها ذكر، ومثله قوله تعالى: " حتى توارت بالحجاب" [ص:32] على ما تقدم آنفاً.
قال مجاهد "والشمس وضحاها" أي وضوئها. وقال قتادة "وضحاها" النهار كله. قال ابن جرير : والصواب أن يقال: أقسم الله بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار "والقمر إذا تلاها" قال مجاهد : تبعها, وقال العوفي عن ابن عباس "والقمر إذا تلاها" قال: يتلو النهار, وقال قتادة : إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال, وقال ابن زيد , هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر, وقال مالك عن زيد بن أسلم : إذا تلاها ليلة القدر. وقوله تعالى: "والنهار إذا جلاها" قال مجاهد : أضاء. وقال قتادة "والنهار إذا جلاها" إذا غشيها النهار, وقال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها.
(قلت) ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى "والنهار إذا جلاها" أي البسيطة لكان أولى ولصح تأويله في قوله تعالى: " والليل إذا يغشاها " فكان أجود وأقوى, والله أعلم. ولهذا قال مجاهد "والنهار إذا جلاها" إنه كقوله تعالى: "والنهار إذا تجلى" وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها, وقالوا في قوله تعالى: "والليل إذا يغشاها" يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الافاق.
وقال بقية بن الوليد عن صفوان : حدثني يزيد بن ذي حمامة قال: إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله غشى عبادي خلقي العظيم فالليل يهابه والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم , وقوله تعالى: "والسماء وما بناها" يحتمل أن تكون ما ههنا مصدرية بمعنى والسماء وبنائها, وهو قول قتادة : ويحتمل أن تكون بمعنى من يعني والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد , وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى: " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون " وهكذا قوله تعالى: "والأرض وما طحاها" قال مجاهد : طحاها دحاها, وقال العوفي عن ابن عباس "وما طحاها" أي خلق فيها. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : طحاها قسمها. وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثوري وأبو صالح وابن زيد "طحاها" بسطها, وهذا أشهر الأقوال وعليه الأكثر من المفسرين, وهو المعروف عند أهل اللغة, قال الجوهري : طحوته مثل دحوته أي بسطته.
وقوله تعالى: "ونفس وما سواها" أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟" أخرجاه من رواية أبي هريرة , وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حماد المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم", وقوله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" أي فأرشدها إلى فجورها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها. قال ابن عباس "فألهمها فجورها وتقواها" بين لها الخير والشر, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك والثوري , وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر, وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها, وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا: حدثنا عزرة بن ثابت , حدثني يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال: قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت: بل شيء قضي عليهم, قال: فهل يكون ذلك ظلماً ؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً قال: قلت له ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, قال: سددك الله إنما سألتك لأخبر عقلك, " إن رجلاً من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون, أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال: بل شيء قد قضي عليهم قال: ففيم نعمل ؟ قال: من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" " رواه أحمد ومسلم من حديث عزرة بن ثابت به.
وقوله تعالى: " قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها " يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة : وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل, ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وكقوله تعالى: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" "وقد خاب من دساها" أي دسسها أي أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل, وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه, وقد خاب من دسى الله نفسه كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا سهل بن عثمان , حدثنا أبو مالك يعني عمرو بن هشام عن جويبر , عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل: "قد أفلح من زكاها" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلحت نفس زكاها الله عز وجل" ورواه ابن أبي حاتم من حديث مالك به, و جويبر هذا هو ابن سعيد متروك الحديث, و الضحاك لم يلق ابن عباس , وقال الطبراني , حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح , حدثنا أبي , حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الاية "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" وقف ثم قال: "اللهم آت نفسي تقواها, أنت وليها ومولاها, وخير من زكاها".
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا يعقوب بن حميد المدني , حدثنا عبد الله الأموي , حدثنا معن بن محمد الغفاري عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" قال : اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها" لم يخرجوه من هذا الوجه, وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمر عن صالح بن سعيد عن عائشة أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول "رب أعط نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها" تفرد به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم , قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل, والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر. اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها. اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع, ومن نفس لا تشبع. وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها" قال زيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن, رواه مسلم من حديث أبي معاوية عن عاصم الأحول , عن عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي عن زيد بن أرقم به.
3- "والنهار إذا جلاها" أي حلى الشمس، وذلك أن الشمس عند انبساط النهار تنجلي تمام الانجلاء، فكأنه جلاها مع أنها الذي تبسطه. وقيل الضمير عائد إلى الظلمة: أي جلى الظلمة، وإن لم يجر للظلمة ذكر لأن المعنى معروف. قال الفراء: كما تقول أصبحت باردة: أي أصبحت غداتنا باردة، والأول أولى. ومنه قول قيس بن الحطيم:
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة بدا حاجب منها وضنت بحاجب
وقيل المعنى: جلى ما في الأرض من الحيوانات وغيرها بعد أن كانت مستترة في الليل، وقيل جلى الدنيا وقيل جلى الأرض.
3- "والنهار إذا جلاها"، يعني إذا جلى الظلمة، كناية عن غير مذكور لكونه معروفاً.
3-" والنهار إذا جلاها " جلى الشمس فإنها تتجلى إذا انبسط النهار أو الظلمة ، أو الدنيا أو الأرض وإن لم يجر ذكرها للعلم بها .
3. And the day when it revealeth him,
3 - By the Day as it shows up (the Sun's) glory;