3 - واذكر (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) هي حفصة (حديثا) هو تحريم مارية وقال لها لا تفشيه (فلما نبأت به) عائشة ظنا منها أن لا حرج في ذلك (وأظهره الله) اطلعه (عليه) على المنبىء به (عرف بعضه) لحفصة (وأعرض عن بعض) تكرما منه (فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) أي الله
يقول تعالى ذكره " وإذ أسر النبي " محمد صلى الله عليه وسلم " إلى بعض أزواجه " ، وهو في قول ابن عباس و قتادة و زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن بن زيد و الشعبي و الضحاك بن مزاحم : حفصة ، وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل .
وقوله : " حديثا " والحديث الذي أسر إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسر إليه ذلك من أزواجه تحريم فتاته ، أو ما حرم على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحله له ، وحلفه على ذلك وقوله ( لا تذكري ذلك لأحد ) .
وقوله : " فلما نبأت به " يقول تعالى ذكره : فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها " وأظهره الله عليه " يقول : وأظهر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها .
وقوله : " عرف بعضه وأعرض عن بعض " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار غير الكسائي " عرف " بتشديد الراء ، بمعنى : عرف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به .
وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصري و أبي عبد الرحمن السلمي و قتادة ، أنهم قرءوا ذلك ( عرف ) بتخفيف الراء ، بمعنى : عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سره ، وقد استكتمها إياه ، أي غضب من ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجازاها عليه ، من قول القائل لمن أساء إليه لأعرفن لك يا فلان ما فعلت ، بمعنى : لأجازينك عليه ، قالوا : وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها .
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه " عرف بعضه " بتشديد الراء ، بمعنى : عرف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة ، يعني ما أظهره الله عليه من حديثها صاحبتها لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : " وأعرض عن بعض " يقول : وترك أن يخبرها ببعض .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قوله لها : لا تذكريه " فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض " وكان كريماً صلى الله عليه وسلم .
وقوله : " فلما نبأها به " يقول فلما خبر حفصة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، بما أظهره الله عليه من إفشائها سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة " قالت من أنبأك هذا " يقول : قالت حفصة لرسول الله : من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به " قال نبأني العليم الخبير " يقول تعالى ذكره : قال محمد نبي الله لحفصة : خبرني به العليم بسرائر عباده ، وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم ، الذي لا يخفى عنه شيء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا " ولم تشك أن صاحبتها أخبرت عنها " قال نبأني العليم الخبير " .
قوله تعالى: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " أي وأذكر إذ أسر النبي إلى حفصة حديثا يعني تحريم مارية على نفسه واستكتامه إياها ذلك. وقال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي علي أمتي من بعدي، وقاله ابن عباس. قال: أسر أمر الخلافة بعده إلى حفصة فذكرته حفصة. روى الدارقطني في سننه عن الكلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس في قوله تعالى:" وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قال: "أطلعت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم من مع أم إبراهيم فقال: لا تخبري عائشة وقال لها إن أباك وأباها سيملكان أو سيليان بعدي فلا تخبري عائشة قال:فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة فأظهره الله عليه، فعرف بعضه وأعرض عن بعض. قال: أعرض عن قوله: إن أباك وأباها يكونان بعدي. كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر ذلك في الناس ". "فلما نبأت به" أي أخبرت به عائشة لمصافاة كانت بينهما، وكانتا متظاهرتين على نساء النبي صلى الله عليه وسلم. "وأظهره الله عليه" أي أطلعه الله على أنها قد نبأت به. وقرأ طلحة بن مصرف فلما أنبات وهما لغتان: أنبأ ونبأ. ومعنى"عرف بعضه وأعرض عن بعض" عرف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها، واعرض عن بعض تكرماً، قاله السدي.
وقال الحسن: ما استقصى كريم قط، قال الله تعالى: " عرف بعضه وأعرض عن بعض ". وقال مقاتل: يعني أخبرها ببعض ما قالت لعائشة، وهو حديث أم ولده ولم يخبرها ببعض وهو قول حفصة لعائشة: إن أبا بكر وعمر سيملكان بعد. وقراءة العامة "عليه" مشدداً، ومعناه ما ذكرناه. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، يدل عليه قوله تعالى: " وأعرض عن بعض " أي لم يعرفها إياه. ولو كانت مخففة لقال في ضده وأنكر بعضاً . وقرأ علي وطلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكلبي والكسائي والأعمش عن أبي بكر عرف مخففة. قال عطاء: كان أبو عبد الرحمن السلمي إذا قرأ عليه الرجل عرف مشددة حصبه بالحجارة. قال الفراء: وتأويل قوله عز وجل: عرف بعضه بالتخفيف، أي غضب فيه وجازي عليه، وهو كقولك لمن أساء إليك: لا عرفن لك ما فعلت، أي لأجازينك عليه. وجازاها النبي صلى الله عليه وسلم بأن طلقها طلقة واحدة. فقال عمر: لو كان في آل الخطاب خير لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقت. فأمره جبريل بمراجعتها وشفع فيها. واعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً، وقعد في مشربة مارية أم إبراهيم حتى نزلت آية التحريم على ما تقدم. وقيل: ثم بطلاقها حتى قال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة فلم يطلقها. "فلما نبأها به" أي أخبر حفصة بما أظهره الله عليه. "قالت من أنبأك هذا" يا رسول الله عني. فظنت أن عائشة أخبرته، فقال عليه السلام: "نبأني العليم الخبير" أي الذي لا يخفى عليه شئ. وهذا سد مسد مفعولي أنبأ ونبأ الأول تعدي إلى مفعول، ونبأ الثاني تعدي إلى مفعول واحد، لأن نبأ وأنبأ إذا لم يدخلا على المبتدأ والخبر جاز أن يكتفي فيهما بمفعول واحد وبمفعولين، فإذا دخلا على الابتداء والخبر تعدي كل واحد منهما إلى ثلاثة مفاعيل ولم يجر الاقتصار على الاثنين دون الثالث، لأن الثالث هو خبر المبتدأ في الأصل فلا يقتصر دونه، كما لا يقتصر على المبتدأ دون الخبر.
اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة فقيل: نزلت في شأن مارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها, فنزل قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " الاية.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد, حدثنا أبي, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها, فأنزل الله عز وجل "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" إلى آخر الاية. وقال ابن جرير: حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا أبو غسان, حدثني زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟ فجعلها عليه حراماً فقالت: أي رسول الله كيف تحرم عليك الحلال ؟ فحلف لها بالله لا يصيبها فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" قال زيد بن أسلم: فقوله أنت علي حرام لغو وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد عن أبيه.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا يونس, حدثنا ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: قال لها: "أنت علي حرام والله لا أطؤك" وقال سفيان الثوري وابن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم, فعوتب في التحريم وأمر بالكفارة في اليمين رواه ابن جرير وكذا روي عن قتادة وغيره عن الشعبي نفسه, وكذا قال غير واحد من السلف منهم الضحاك والحسن وقتادة ومقاتل ابن حيان, وروى العوفي عن ابن عباس القصة مطولة.
وقال ابن جرير: حدثنا سعيد بن يحيى, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان ؟ قال: عائشة وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم مارية القبطية أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في نوبتها, فوجدت حفصة: فقالت: يا نبي الله لقد جئت إلي شيئاً ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري وعلى فراشي قال: "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها" قالت: بلى فحرمها وقال لها "لا تذكري ذلك لأحد" فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " الايات كلها. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب جاريته. وقال الهيثم بن كليب في مسنده: حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحداً وإن أم إبراهيم علي حرام" فقالت: أتحرم ما أحل الله لك ؟ قال: "فو الله لا أقربها" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة. قال: فأنزل الله تعالى: "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة, وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا هشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها, وقال ابن عباس "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فقال الله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " فكفر يمينه فصير الحرام يميناً, ورواه البخاري عن معاذ بن فضالة عن هشام الدستوائي عن يحيى, هو ابن أبي كثير, عن ابن حكيم وهو يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الحرام يمين تكفر وقال ابن عباس: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" ورواه مسلم من حديث هشام الدستوائي به. وقال النسائي: أنبأنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي, حدثنا مخلد وهو ابن يزيد, حدثنا سفيان عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال إني جعلت امرأتي علي حراماً, قال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الاية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة, تفرد به النسائي من هذا الوجه بهذا اللفظ.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا, حدثنا عبد الله بن رجاء, حدثنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريته ومن ههنا ذهب من ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب الكفارة على من حرم جاريته أو زوجته أو طعاماً أو شراباً أو ملبساً أو شيئاً من المباحات, وهو مذهب الإمام أحمد وطائفة, وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما أو أطلق التحريم فيهما في قول, فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمة نفذ فيهما.
وقال ابن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الظهراني أنبأنا حفص بن عمر العدني أنبأنا الحكم بن أبان أنبأنا عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول غريب, والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل كما قال البخاري عند هذه الاية: حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها, فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير, قال: "لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينت بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً" " تبتغي مرضاة أزواجك " هكذا أورد هذا الحديث ههنا بهذا اللفظ.
وقال في كتاب الأيمان والنذور: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً, فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل له إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير, فدخل على إحداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له فقال: "لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له" فنزلت " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " لعائشة وحفصة "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" لقوله: "بل شربت عسلاً" وقال إبراهيم بن موسى عن هشام: "ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً" وهكذا رواه في كتاب الطلاق بهذا الإسناد ولفظه قريب منه, ثم قال: المغافير شبيه بالصمغ يكون في الرمث فيه حلاوة, أغفر به الرمث إذا ظهر فيه, واحدها مغفور ويقال مغافير, وهكذا قال الجوهري قال وقد يكون المغفور أيضاً للعشر والثمام والسلم والطلح, قال والرمث بالكسر مرعى من مراعي الإبل وهو من الحمض, قال والعرفط شجر من العضاه ينضح المغفور.
وقد روى مسلم هذا الحديث في كتاب الطلاق من صحيحه عن محمد بن حاتم عن حجاج بن محمد عن ابن جريج, أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة به, ولفظه كما أورده البخاري في الأيمان والنذور, ثم قال البخاري في كتاب الطلاق: حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل, وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن, فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس, فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل, فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له, فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا, فقولي له ما هذه الريح التي أجد فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل, فقولي جرست نحله العرفط وسأقول لك, وقولي له أنت يا صفية ذلك, قالت: تقول سودة فو الله ما هو إلا أن قام على الباب, فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً منك, فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال: "لا" قالت: فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل" قالت: جرست نحله العرفط, فلما دار إلي قلت نحو ذلك فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك, فلما دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه ؟ قال: "لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة والله لقد حرمناه, قلت لها اسكتي, هذا لفظ البخاري. وقد رواه مسلم عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر به وعن أبي كريب وهارون بن عبد الله والحسن بن بشر ثلاثتهم عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة به, وعنده قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح, يعني الريح الخبيثة, ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء, فلما قال: "بل شربت عسلاً" قلن جرست نحله العرفط أي رعت نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير, فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته. قال الجوهري: جرست النحل العرفط تجرس إذا أكلته, ومنه قيل للنحل جوارس, قال الشاعر:
* تظل على الثمراء منها جوارس*
وقال الجرس والجرس الصوت الخفي, ويقال: سمعت جرس الطير إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله, وفي الحديث "فيسمعون جرس طير الجنة" قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة, قال: فيسمعون جرش طير الجنة بالشين فقلت جرس فنظر إلي فقال: خذوها عنه فإنه أعلم بهذا منا, والغرض أن هذا السياق فيه أن حفصة هي الساقية للعسل, وهو من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن خالته عائشة, وفي طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أن زينب بنت جحش هي التي سقته العسل, وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم. وقد يقال إنهما واقعتان ولا بعد في ذلك إلا أن كونهما سبباً لنزول هذه الاية فيه نظر, والله أعلم. ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" حتى حج عمر وحججت معه, فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز, ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين, من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس: قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه قال: هي عائشة وحفصة.
قال: ثم أخذ يسوق الحديث قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء, فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال: وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي, قال: فغضبت يوماً على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم. قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر, أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت, لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً وسليني من مالي ما بدا لك, ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم ـ أي أجمل ـ وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ـ يريد عائشة ـ قال: وكان لي جار من الأنصار, وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ينزل يوماً وأنزل يوماً فيأتيني بخبر الوحي وغيره, وآتيه بمثل ذلك.
قال: وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا, فنزل صاحبي يوماً ثم أتى عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم, فقلت: وما ذاك أجاءت غسان ؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائناً حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي, ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا أدري هو هذا معتزل في هذه المشربة, فأتيت غلاماً له أسود فقلت استأذن لعمر, فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فصمت, فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم, فجلست عنده قليلاً ثم غلبني ما أجد, فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر, فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فصمت, فخرجت, فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد, فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر, فدخل ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له, فصمت, فوليت مدبراً, فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل قد أذن لك, فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمال الحصير ـ قال الإمام أحمد: وحدثناه يعقوب في حديث صالح قال: رمال حصير ـ وقد أثر في جنبه فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ فرفع رأسه إلي وقال: "لا" فقلت: الله أكبر. ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء, فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم, فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت علي امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني, فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه, وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل, فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت, أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله فإذا هي قد هلكت.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك. فتبسم أخرى, فقلت: استأنس يا رسول الله, قال: "نعم" فجلست فرفعت رأسي في البيت, فو الله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلا أهبة مقامه, فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك, فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله, فاستوى جالساً وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب. أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" فقلت استغفر لي يا رسول الله. وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل. وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به, وأخرجه الشيخان من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين, عن ابن عباس, قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له, حتى خرج حاجاً فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له, قال: فوقفت حتى فرغ ثم سرت معه, فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ البخاري, ولمسلم: من المرأتان اللتان قال الله تعالى: "وإن تظاهرا عليه" قال عائشة وحفصة, ثم ساق الحديث بطوله ومنهم من اختصره.
وقال مسلم أيضاً: حدثني زهير بن حرب, حدثنا عمر بن يونس الحنفي, حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد أبي زميل, حدثني عبد الله بن عباس, حدثني عمر بن الخطاب, قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد, فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه, وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب فقلت لأعلمن ذلك اليوم, فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه إياهما, إلى أن قال: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسكفة المشربة, فناديت فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحو ما تقدم ـ إلى أن قال ـ فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء, فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك, وقلما تكلمت ـ وأحمد الله ـ بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي, فنزلت هذه الاية آية التخيير "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" "وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" فقلت: أطلقتهن ؟ قال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه. ونزلت هذه الاية "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومقاتل بن حيان والضحاك وغيرهم "وصالح المؤمنين" أبو بكر وعمر, زاد الحسن البصري وعثمان, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد "وصالح المؤمنين" قال: علي بن أبي طالب.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن أبي عمر, حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين, قال: أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وصالح المؤمنين" قال: "هو علي بن أبي طالب" إسناده ضعيف وهو منكر جداً, وقال البخاري: حدثنا عمر بن عون, حدثنا هشيم عن حميد عن أنس قال: قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه, فقلت لهن "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" فنزلت هذه الاية, وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن: منها في نزول الحجاب, ومنها في أسارى بدر, ومنها قوله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى, فأنزل الله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الأنصاري, حدثنا حميد عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: بلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فاستقريتهن أقول: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن, حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين فقالت: يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن, فأمسكت فأنزل الله عز وجل "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً" وهذه المرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي أم سلمة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري.
وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني, حدثنا إسماعيل البجلي, حدثنا أبو عوانة عن أبي سنان عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة. أن أباك يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا مت" فذهبت حفصة فأخبرت عائشة, فقالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا ؟ قال: "نبأني العليم الخبير" فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية, فحرمها, فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم" إسناده فيه نظر وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه الايات الكريمات, ومعنى قوله: "مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات" ظاهر. وقوله تعالى: "سائحات" أي: صائمات, قاله أبو هريرة وعائشة وابن عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء, ومحمد بن كعب القرظي وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو مالك وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وغيرهم, وتقدم فيه حديث مرفوع عند قوله: "السائحون" في سورة براءة, ولفظه "سياحة هذه الأمة الصيام" وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن "سائحات" أي مهاجرات, وتلا عبد الرحمن "السائحون", أي المهاجرون, والقول الأول أولى, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ثيبات وأبكاراً" أي منهن ثيبات ومنهن أبكاراً ليكون ذلك أشهى إلى النفس, فإن التنوع يبسط النفس, ولهذا قال: "ثيبات وأبكاراً" وقال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أبو بكر بن صدقة, حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق, حدثنا عبد الله بن أمية, حدثنا عبد القدوس عن صالح بن حيان, عن ابن بريدة, عن أبيه "ثيبات وأبكاراً" قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الاية أن يزوجه, فالثيب آسية امرأة فرعون وبالأبكار مريم بنت عمران. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام من طريق سويد بن سعيد: حدثنا محمد بن صالح بن عمر عن الضحاك ومجاهد عن ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال: إن الله يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللعب لا نصب فيه ولا صخب, من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم.
ومن حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام", فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تزوجت قبلي ؟ قال: "لا, ولكن الله زوجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى" ضعيف أيضاً, وقال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن عرعرة, حدثنا عبد النور بن عبد الله, حدثنا يوسف بن شعيب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلمت أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون ؟" فقلت: هنيئاً لك يا رسول الله, وهذا أيضاً ضعيف وروي مرسلاً عن ابن أبي داود.
3- "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال أكثر المفسرين: هي حفصة كما سبق، والحديث هو تحريم مارية، أو العسل، أو تحريم التي وهبت نفسها له، والعامل في الظرف فعل مقدر: أي واذكر إذا أسر. وقال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خيلفتي على أمتي من بعدي "فلما نبأت به" أي أخبرت به غيرها "وأظهره الله عليه" أي أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها "عرف بعضه" أي عرف حفصة بعض ما أخبرت به. قرأ الجمهور "عرف" مشدداً من التعريف، وقرأ علي وطلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكسائي بالتخفيف، واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى لقوله: "وأعرض عن بعض" أي لم يعرفها إياه، ولو كان مخففاً لقال في ضده: وأنكر بعضاً "وأعرض عن بعض" أي وأعرض عن تعريف بعض ذلك كراهة أن ينتشر في الناس، وقيل الذي أعرض عنه هو حديث مارية. وللمفسرين هاهنا خبط وخلط، وكل جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول، وسنوضح لك ذلك إن شاء الله "فلما نبأها به" أي أخبرها بما أفشت من الحديث "قالت من أنبأك هذا" أي من أخبرك به "قال نبأني العليم الخبير" أي أخبرني الذي لا تخفى عليه خافية.
3- "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً"، وهو تحريم فتاته على نفسه، وقوله لحفصة: لا تخبري بذلك أحداً.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أسر أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة. قال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي. وقال ميمون بن مهران: أسر أن أبا بكر خليفتي من بعدي.
"فلما نبأت به"، أخبرت به حفصة عائشة، "وأظهره الله عليه"، أي أطلع الله تعالى نبيه على أنها أنبأت به، "عرف بعضه"، قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي: عرف بتخفيف الراء، أي: عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره، أي: غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن أساء إليه: لأعرفن لك ما فعلت، أي: لأجازينك عليه، وجازاها به عليه بأن طلقها، فلما بلغ ذلك عمر قال: لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء جبريل وأمره بمراجعتها، فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية، حتى نزلت آية التخيير.
وقال مقاتل بن حيان: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة، فلم يطلقها.
وقرأ الآخرون "عرف" بالتشديد، أي: عرف حفصة بعد ذلك الحديث، أي أخبرها ببعض القول الذي كان منها.
"وأعرض عن بعض"، يعني لم يعرفها إياه، ولم يخبرها به. قال الحسن: ما استقصى كريم قط، قال الله تعالى: "عرف بعضه وأعرض عن بعض"، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الكراهية في وجه حفصة أراد أن يتراضاها فأسر إليها شيئين: تحريم الأمة على نفسه، وتبشيرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وفي أبيها عمر رضي الله عنها، فأخبرت به حفصة عائشة وأطلع الله تعالى نبيه عليه، عرف بعضه حفصة وأخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة، وأعرض عن بعض، يعني ذكر الخلافة، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس، "فلما نبأها به"، أي أخبر حفصة بما أظهره الله عليه، "قالت"، حفصة، "من أنبأك هذا"، أي: من أخبرك بأني أفشيت السر؟ "قال نبأني العليم الخبير".
3-" وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه " يعني حفصة " حديثاً " تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما " فلما نبأت به " أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث " وأظهره الله عليه " واطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه . " عرف بعضه " عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت . " وأعرض عن بعض " عن أعلام بعض تكرماً أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض ، ويؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل ههنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والمخفف بالعكس ، ويؤيده الأول قوله : " فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير " فإنه أوفق للإسلام .
3. When the Prophet confided a fact unto one of his wives and when she afterward divulged it and Allah apprised him thereof, he made known (to her) part thereof and passed over part. And when he told it her she said: Who hath told thee? He said: The Knower, the Aware hath told me.
3 - When the Prophet disclosed a matter in confidence to one of his consorts, and she then divulged it (to another) and God made it known to him, he confirmed part thereof and repudiated a part. Then when he told her thereof, she said, Who told thee this? He said, He told me who knows and is well acquainted (with all things)