3 - (هو الأول) قبل كل شيء بلا بداية (والآخر) بعد كل شيء بلا نهاية (والظاهر) بالأدلة عليه (والباطن) عن إدراك الحواس (وهو بكل شيء عليم)
يقول تعالى ذكره : " هو الأول " قبل كل شيء بغير حد " والآخر " يقول : والآخر بعد كل شيء بغير نهاية وإنما قيل ذلك كذلك لأنه كان ولا شيء موجود سواه وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها كما قال جل ثناؤه " كل شيء هالك إلا وجهه " ( القصص : 88 ) وقوله : " والظاهر " يقول : وهو الظاهر على كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه " والباطن " يقول وهو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه كما قال " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ( ق : 16 ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال به أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك والخبر الذي روي فيه :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " هو الأول والآخر والظاهر والباطن " ذكر لنا " أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب فقال هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ قال : فهل تدرون كم بينكم وبينها قالوا : الله ورسوله أعلم قال : مسيرة خمس مئة سنة قال :فهل تدرون ما فوق ذلك فقالوا : مثل ذلك قال فوقها سماء أخرى وبينهما مسيرة خمس مئة سنة قال : هل تدرون ما فوق ذلك فقالوا مثل قولهم الأول قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء السابعة مثل ما بين السماءين قال : هل تدرون ما التي تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإنها الأرض قال : فهل تدرون ما تحتها قالوا : له مثل قولهم الأول قال : فإن تحتها أرضاً أخرى وبينهما مسيرة خمس مئة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمس مئة سنة ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو دلي أحدكم بحبل إلى الأرض الأخرى لهبط على الله ثم قرأ " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " " .
وقوله " وهو بكل شيء عليم " يقول تعالى ذكره : وهو بكل شيء ذو علم لا يخفى عليه شيء فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .
قوله تعالى : "هو الأول والآخر والظاهر والباطن " اختلف في معاني هذه الأسماء وقد بيناها في الكتاب الأسني . وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا يغني عن قول كل قائل ، "فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس تعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء أقض عنا الدين واغننا من الفقر " عني تظاهر الغالب ، والباطن العالم ، والله أعلم . " وهو بكل شيء عليم " بما كان أو يكون فلا يخفى عليه شيء .
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات وما في الأرض أي من الحيوانات والنباتات, كما قال في الاية الأخرى: "تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً" وقوله تعالى: "وهو العزيز" أي الذي قد خضع له كل شيء "الحكيم" في خلقه وأمره وشرعه "له ملك السموات والأرض يحيي ويميت" أي هو المالك المتصرف في خلقه فيحيي ويميت ويعطي من يشاء ما يشاء "وهو على كل شيء قدير" أي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقوله تعالى: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن " وهذه الاية هي المشار إليها في حديث عرباض بن سارية أنها أفضل من ألف آية, وقال أبو داود: حدثنا عباس بن عبد العظيم, حدثنا النضر بن محمد, حدثنا عكرمة ـ يعني ابن عمار ـ حدثنا أبو زميل قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري ؟ قال: ما هو ؟ قلت: والله لا أتكلم به. قال: فقال لي: أشيء من شك ؟ قال وضحك, قال: ما نجا من ذلك أحد, قال: حتى أنزل الله تعالى: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك " الاية, قال: وقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الاية وأقوالهم على نحو من بضعة عشر قولاً.
وقال البخاري: قال يحيى: الظاهر على كل شيء علماً والباطن على كل شيء علماً. وقال شيخنا الحافظ المزي: يحيى هذا هو ابن زياد الفراء, له كتاب سماه معاني القرآن, وقد ورد في ذلك أحاديث, فمن ذلك ما قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا ابن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم, ربنا ورب كل شيء, منزل التوراة والإنجيل والفرقان, فالق الحب والنوى لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته, أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن ليس دونك شيء. اقض عنا الدين, وأغننا من الفقر" ورواه مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب, حدثنا جرير عن سهل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن, ثم يقول: اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم, ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى, ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان, أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته, اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عنا الدين, واغننا من الفقر, وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة أم المؤمنين نحو هذا فقال: حدثنا عقبة, حدثنا يونس, حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة, فإذا أوى إليه توسد كفه اليمنى ثم همس ما يدرى ما يقول, فإذا كان في آخر الليل رفع صوته فقال: "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم, إله كل شيء ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان, فالق الحب والنوى. أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. اللهم أنت الأول الذي ليس قبلك شيء, وأنت الاخر الذي ليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" السري بن إسماعيل هذا هو ابن عم الشعبي وهو ضعيف جداً والله أعلم.
وقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الاية: حدثنا عبد بن حميد وغير واحد المعنى واحد قالوا حدثنا يونس بن محمد, حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال حدث الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا العنان هذه روايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه. ثم قال: هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف. ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: بينكم وبينها خمسمائة سنة. ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع سماوات ـ ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء مثل بعد ما بين السماءين, ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال فإنها الأرض. ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع أرضين ـ بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة, ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم حبلاً إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ".
ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه, ويروى عن أيوب ويونس يعني ابن عبيد وعلي بن زيد وقالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه, وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه, انتهى كلامه. وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن سريج عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره وعنده وبعد ما بين الأرضين مسيرة سبعمائة عام وقال: لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط على الله ثم قرأ " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " ورواه ابن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر الحديث ولم يذكر ابن أبي حاتم آخره, وهو قوله لو دليتم بحبل وإنما قال حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام, ثم تلا " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ". وقال البزار: لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة, ورواه ابن جرير عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة " هو الأول والآخر والظاهر والباطن ". وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال: هل تدرون ما هذا ؟ وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء, إلا أنه مرسل من هذا الوجه, ولعل هذا هو المحفوظ والله أعلم. وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه, رواه البزار في مسنده والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات, ولكن في إسناده نظر وفي متنه غرابة ونكارة, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال ابن جرير عند قوله تعالى: "ومن الأرض مثلهن": حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال: التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض فقال بعضهم لبعض: من أين جئت ؟ قال أحدهم: أرسلني ربي عز وجل من السماء السابعة وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي عز وجل من الأرض السابعة وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته ثم. قال الاخر: أرسلني ربي من المغرب وتركته ثم. وهذا حديث غريب جداً, وقد يكون الحديث الأول موقوفاً على قتادة كما روي ههنا من قوله, والله أعلم.
3- "هو الأول" قبل كل شيء "والآخر" بعد كل شيء: أي الباقي بعد فناء خلقه "والظاهر" العالي الغالب على كل شيء، أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة "والباطن" أي العالم بما بطن، ومن قولهم فلان يبطن أمر فلان: أي يعلم داخلة أمره، ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الأبصار والعقول، وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، فيتعين المصير إلى ذلك "وهو بكل شيء عليم" لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات.
3- "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"، يعني هو الأول قبل كل شيء بلا ابتداء، كان هو ولم يكن شيء موجوداً، والآخر بعد فناء كل شيء، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو، والظاهر الغالب العالي على كل شيء، والباطن العالم بكل شيء، هذا معنى قول ابن عباس.
وقال يمان: هو الأول القديم والآخر الرحيم، والظاهر الحليم، والباطن العليم.
وقال السدي: هو الأول ببره إذ عرفك توحيده، والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له، والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك.
وقال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب، والآخر بغفران الذنوب، والظاهر يكتشف الكروب، والباطن بعلم الغيوب.
وسأل عمر -رضي الله تعالى عنه- كعباً عن هذه الآية فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.
"وهو بكل شيء عليم"، أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير ابن حرب، حدثنا جرير عن سهيل قال: "كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا وربك كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين واغنني من الفقر" وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3-" هو الأول " السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها . " والآخر " الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها ، أو " هو الأول " الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات ، أو " الأول " خارجاً و " الآخر " ذهناً " والظاهر والباطن " الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول ، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين ، والمتوسطة للجمع بين المجموعين . " وهو بكل شيء عليم " يستوي عنده الظاهر والخفي .
3. He is the First and the Last, and the Outward and the Inward; and He is Knower of all things.
3 - He is the First and the Last, the Evident and the Immanent: and He has full knowledge of all things.