3 - (ذرية من حملنا مع نوح) في السفينة (إنه كان عبدا شكورا) كثير الشكر لنا حامدا في جميع احواله
يقول تعالى ذكره : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، واتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ذرية من حملنا مع نوح . وعني بالذرية: جميع من احتج عليه جل ثناؤه بهذا القران من أجناس الأمم ، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم ، وذلك من كل من على ،الأرض من بني! ادم ، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة "ذرية من حملنا مع نوح" والناس كلهم ذرية من أنجى الله في تلك السفينة، وذكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذ غير نوح وثلاثة بنين له ، وامرأته وثلاث نسوة، وهم : سام ، ،جام ، ويافث ، فأما سام : فأبو العرب ، وأما حام : فأبو الحبش ، وأما يافث : فأبو الروم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ذرية من حملنا مع نوح قال : بنوه ثلاثة ونساؤهم ، ونوح وامرأته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال مجاهد: بنوه ونساؤهم ونوح ، ولم تكن امرأته
وقد بينا في غير هذا الموضع فيما مض بما أغنى عن إعادته .
وقوله "إنه كان عبدا شكورا" يعني بقوله تعالى ذكره : إنه إن نوحا، والهاء من ذكر نوح كان عبدا شكورا لله على نعمه .
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا، فقال بعضهم : سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، و عبد الرحمن بن مهدي ، قالا: ثنا سفيان ، عن التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله ، فسمي عبدا شكورا.
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا: ثنا سفيان ، عن أبي حصين ،عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد بن مسعود بمثله .
حدثناأبو كريب،قال : ثنا أبو بكر، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد ابن مسعود قال : ما لبس نوح جديدا قط ، ولا أكل طعاما إلا حمد الله فلذلك قال الله "عبدا شكورا".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : ثني سفيان الثوري ، قال : ثني أيوب ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، قال : إنما سمي نوح عبداً شكوراً أنه كان إذا لبس ثوباً حمد الله ، وإذا أكل طعاماً حمد الله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "ذرية من حملنا مع نوح" من بني إسرائيل وغيرهم إنه " كان عبدا شكورا" قال : إنه لم يجدد ثوبا قط إلا حمد الله ، ولم يبل ثوبا قط إلا حمد الله ، وإذا شرب شربة حمد الله ، قال : الحمد لله الذي سقانيها على شهوة ولذة وصحة. وليس في تفسيرها: وإذا شرب شربة قال هذا، ولكن بلغني ذا.
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ،قال: ثنا أبو فضالة ، عن النضر بن شفي ، عن عمران ابن سليم ، قال : إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال : الحمد لله الذى أضمئني ، ولو شاء أجاعني ، وإذا شرب قال . الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني ، وإذا لبس ثوبا قال : الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني ، وإذا لبس نعلا قال : الحمد لله الذي حذاني ، ولو شاء أحفاني ، وإذا قضى حاجة قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه ، ولو شاء حبسه .
وقال آخرون في ذلك بما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدثه ، قال : إنما سمى الله نوحا عبدا شكورا، أنه كان إذا خرج البراز منه قال : الحمد لله الذي سوغنيك طيبا، وأخرج عني أذاك ، وأبقى منفعتك .
وقال اخرون في ذلك بما :
حدثنا به بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله لنوح "إنه كان عبدا شكورا " ذكر لنا أنه لم يستجد ثوبا قط إلا حمد الله ، وكان يأمر إذا استجد الرجل ثوبا أن يقول : الحمد لله الذي كساني ما أتجمل به ، وأواري به عورتي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "إنه كان عبدا شكورا" قال : كان إذا لبس ثوبا قال : الحمد لله ، وإذا أخلقه قال : الحمد لله.
أي يا ذرية من حملنا ، على النداء ، قاله مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح . والمراد بالذرية كل من احتج عليه بالقرآن ، وهم جميع من على الأرض ، ذكره المهدوي . وقال الماوردي : يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ، والمعنى يا ذرية من حملنا مع نوح لا تشركوا . وذكر نوحا ليذكرهم نعمة الإنجاء من الغرق على آبائهم . وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت . وروي عن زيد بن ثابت أيضا ذرية بكسر الذال وشد الراء . ثم بين أن نوحا كان عبدا شكورا يشكر الله على نعمه ولا يرى الخير إلا من عنده . قال قتادة : كان إذا لبس ثوبا قال : بسم الله ، فإذا نزعه قال : الحمد لله . كذا روى عنه معمر . وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال : شكره إذا أكل قال : بسم الله : فإذا فرغ من الأكل قال : الحمد لله .قال سلمان الفارسي : لأنه كان يحمد الله على طعامه . وقال عمران بن سليم : إنما سمي نوحا عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء لأجاعني ، وإذا شرب قال الحمد لله الذي سقاني ولو شاء لأظمأني ، وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني وإذا احتذى قال الحمد لله الذي حذاني ولو شاء لأحقاني ، وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني الأذى ولو شاء لحبسه في . ومقصود الآية : إنكم من ذرية نوح وقد كان عبدا شكورا فانتم أحق بالاقتداء به دون آبائكم الجهال . وقيل : المعنى أن موسى كان عبدا شكورا إذا جعله الله من ذرية نوح وقيل يجوز أن يكون ذرية مفعولا ثانيا لتتخذوا ويكون قوله : وكيلا يراد به اجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعا أعني الياء والتاء في تتخذوا . ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون ذرية بدلا من قوله وكيلا لأنه بمعنى الجمع ، فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من جملنا مع نوح . ويجوز نصبها بإضمار أعني وأمدح ، والعرب قد تنصب على المدح والذم . ويجوز رفعها على البدل من المضمر في تتخذوا في قراءة من قرأ بالياء ، ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين . فأما أن من قوله ألا تتخذوا فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار ، التقدير : هديناهم لئلا يتخذوا . ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمر كما تقدم . ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي ن لا موضع لها من الإعراب ن وتكون لا للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي .
لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه أيضاً, فإنه تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما من الله الصلاة والسلام, وبين ذكر التوراة والقرآن, ولهذا قال بعد ذكر الإسراء "وآتينا موسى الكتاب" يعني التوراة "وجعلناه" أي الكتاب "هدى" أي هادياً " لبني إسرائيل أن لا تتخذوا " أي لئلا تتخذوا "من دوني وكيلاً" أي ولياً ولا نصيراً ولا معبوداً دوني, لأن الله تعالى أنزل على كل نبي أرسله أن يعبده وحده لا شريك له.
ثم قال: "ذرية من حملنا مع نوح" تقديره يا ذرية من حملنا مع نوح, فيه تهييج وتنبيه على المنة, أي يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة تشبهوا بأبيكم "إنه كان عبداً شكوراً" فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم وقد ورد في الحديث وفي الأثر عن السلف أن نوحاً عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله, فلهذا سمي عبداً شكوراً. قال الطبراني : حدثني علي بن عبد العزيز , حدثنا أبو نعيم , حدثنا سفيان عن أبي حصين , عن عبد الله بن سنان عن سعد بن مسعود الثقفي قال: إنما سمي نوح عبداً شكوراً, لأنه كان إذا أكل أو شرب حمد الله.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أسامة , حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها" وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق أبي أسامة به. وقال مالك عن زيد بن أسلم : كان يحمد الله على كل حال وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زرعة عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ـ بطوله, وفيه ـ فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض, وقد سماك الله عبداً شكوراً, فاشفع لنا إلى ربك" وذكر الحديث بكامله.
3- "ذرية من حملنا مع نوح" نصب على الاختصاص أو النداء ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق، ويجوز أن يكون المفعول الأول لقوله أن لا تتخذوا أي لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلاً كقوله: "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل تتخذوا. وقرأ مجاهد بفتح الذال. وقرأ زيد بن ثابت بكسرها، والمراد بالذرية هنا جميع من في الأرض لأنهم من ذرية من كان في السفينة، وقيل موسى وقومه من بني إسرائيل وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء والنصب على الاختصاصا، والرفع على البدل وعلى الخبر فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين وأما على جعل النصب على أن ذرية هي المفعول الأول لقوله لا تتخذوا، فالأولى تفسير الذرية بجميع من في الأرض من بني آدم "إنه كان عبداً شكوراً" أي نوحاً، وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذاناً بكون الشكر من أعظم أسباب الخير، ومن أفضل الطاعات حثاً لذريته على شكر الله سبحانه.
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وأخرج البيهقي عن عروة مثله. وأخرج البيهقي أيضاً عن السدي قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره بستة عشر شهراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "الذي باركنا حوله" قال: أنبتنا حوله الشجر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدىً لبني إسرائيل" قال: جعله الله هدىً يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: " أن لا تتخذوا من دوني وكيلا " قال: شريكاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ذرية من حملنا مع نوح". قال: هو على النداء يا ذرية من حملنا مع نوح. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذرية من حملنا مع نوح ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد: حام، وسام، ويافث، وكوش، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق". واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضله لا تدعو إليه حاجة.
3 - " ذرية من حملنا " ، قال مجاهد : هذا نداء ، يعني : يا ذرية من حملنا ، " مع نوح " ، في السفينة فأنجيناهم من الطوفان ، " إنه كان عبداً شكوراً " ، كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاماً أو شرب شراباً أو لبس ثوباً قال : الحمد لله فسمي عبداً شكوراً ، أي : كثير الشكر .
3."ذرية من حملنا مع نوح"نصب على الاختصاص أو النداء أن قرئ أن لا تتخذوا بالتاء على النهي يعني : قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلاً، أو على أنه أحد مفعولي "لا تتخذوا"و"من دوني"حال من "وكيلاً"فيكون كقوله: "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً"وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو"تتخذوا"، و"ذرية"بكسر الذال . وفيه تذكير بإنعام الله تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة . "إنه "إن نوحاً عليه السلام ."كان عبداً شكورا"يحمد الله تعالى على مجامع حالاته، وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره ، وحث للذرية على الاقتداء به. وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام .
3. (They were) the seed of those whom We carried (in the ship) along with Noah. Lo! he was a grateful slave.
3 - O ye that are sprung from those whom we carried (in the ark) with Noah verily he was a devotee most grateful.