29 - (كتاب) خبر مبتدأ محذوف أي هذا (أنزلناه إليك مبارك ليدبروا) أصله يتدبروا ادغمت التاء في الدال (آياته) ينظروا في معانيها فيؤمنوا (وليتذكر) يتعظ (أولوا الألباب) أصحاب العقول
وقوله "كتاب أنزلناه إليك" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وهذا القرآن "كتاب أنزلناه إليك" يا محمد "مبارك ليدبروا آياته" يقول : ليتدبروا حجج الله التي فيه ، وما شرع فيه من شرائعه ، فيتعظوا ويعملوا به.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء "ليدبروا" بالياء، يعني : ليتدبر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمد. وقرأه أبو جعفر وعاصم لتدبروا آياته بالتاء ، بمعنى : لتتدبره أنت يا محمد وأتباعك.
وأولى القراءتين عندنا بالصواب في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب "وليتذكر أولو الألباب" يقول : وليعتبر أولوا العقول والحجا ما في الكتاب من الآيات، فيرتدعوا عما هم عليه مقيمين من الضلالة، وينتهوا إلى ما دلهم عليه من الرشاد وسبيل ا لصواب.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله "أولو الألباب" قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط، عن السدي "أولو الألباب" قال : أولوا العقول من الناس . وقد بينا ذلك فيما مضى قبل بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
قوله تعالى : " كتاب " أي هذا كتاب " أنزلناه إليك مبارك " يا محمد " ليدبروا " أي ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال . وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن ، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ ، إذ لا يصح التدبر مع الهذ على ما بينه في كتاب التذكار . وقال الحسن : تدبر أيات الله إتباعها . وقراءة العامة < ليدبروا > . وقرأ أبو جعفر و شيبة : < لتدبروا > بتاء وتخفيف الدال ، وهي قراءة علي رضي الله عنه ، والأصل لتتدبروا فحذف إحدى التاءين تخفيفاً " وليتذكر أولو الألباب " أي أصحاب العقول واحدها لب ، وقد جمع على ألب ، كما جمع بؤس على أبؤس ، ونعم على أنعم ، قال أبو طالب :
قلبي إليه مشرف الألب
وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر ، قال الكميت :
إليكم ذوي آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء وألبب
يخبر تعالى أنه ما خلق الخلق عبثاً وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحدوه ثم يجمعهم يوم الجمع فيثيب المطيع ويعذب الكافر ولهذا قال تبارك وتعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا" أي الذين لا يرون بعثاً ولا معاداً وإنما يعتقدون هذه الدار فقط "فويل للذين كفروا من النار" أي ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدة لهم, ثم بين تعالى أنه عز وجل من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمنين والكافرين فقال تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " أي لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع ويعاقب فيها هذا الفاجر وهذا الإرشاد يدل على العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا, وإذا لم يقع هذا في هذه الدار فتعين أن هناك داراً أخرى لهذا الجزاء والمواساة. ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة قال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" أي ذوو العقول وهي الألباب جمع لب وهو العقل, قال الحسن البصري والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل, رواه ابن أبي حاتم.
29- "كتاب أنزلناه إليك مبارك" ارتفاع كتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف، وأنزلناه إليك صفة له، ومبارك خبر ثان للمبتدأ ولا يجوز أن يكون صفة أخرى لكتاب لما تقرر من أنه لا يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح، وقد جوزه بعض النحاة والتقدير: القرآن كتاب أنزلناه إليك يا محمد كثير الخير والبركة. وقرئ مباركاً على الحال وقوله: "ليدبروا" أصله ليتدبر فأدغمت التاء في الدار وهو متعلق بأنزلناه. وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر. قرأ الجمهور ليدبروا بالإدغام. وقرأ أبو جعفر وشيبة لتدبروا بالتاء الفوقية على الخطاب، ورويت هذه القراءة عن عاصم والكسائي، وهي قراءة علي رضي الله عنه، واوصل لتتدبروا بتاءين فحذف إحداهما تخفيفاً " وليتذكر أولو الألباب " أي ليتعظ أهل العقول، والألباب جمع لب: وهو العقل.
29. " كتاب أنزلناه إليك "، أي: هذا الكتاب أنزلناه إليك، " مبارك "، كثير خيره ونفعه، " ليدبروا "، أي: ليتدبروا، " آياته "، وليتفكروا فيها، قرأ أبو جعفر (( لتدبروا )) بتاء واحدة وتخفيف الدال، قال الحسن : تدبر آياته: اتباعه، " وليتذكر "، ليتعظ، " أولو الألباب ".
29-" كتاب أنزلناه إليك مبارك " نفاع ، وقرئ بالنصب على الحال . " ليدبروا آياته " ليتفكروا فيها فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة وقرئ ليتدبروا على الأصل ولتدبروا أي أنت وعلماء أمتك . " وليتذكر أولو الألباب " وليتعظ به ذوو العقول السليمة ، أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل ، فإن الكتب الإلهية بيان لما لا يعرف إلا من الشرع ،وإرشاد إلى ما يستقل به العقل ، ولعل التدبر للمعلوم الأول والتذكر الثاني .
29. (This is) a Scripture that We have revealed unto thee, full of blessing, that they may ponder its revelations, and that men of understanding may reflect.
29 - (Here is) a Book which We have sent down unto thee, full of blessings, that they may meditate on its Signs, and that men of understanding may receive admonition.